ميديا – الناس نيوز ::
العربي الجديد – بشير البكر – هناك إرادة إقليمية ودولية لبقاء سورية دولةً موحّدةً، وما يجري من محاولات عكس هذا التوجّه تقف وراءها الأطراف المتضرّرة من سقوط نظام الأسد، وخاصّة إسرائيل.
والغرض إضعاف سورية الجديدة لتبقى دولةً فاشلةً غير قادرة على الدفاع عن حدودها واستقلالية خياراتها وفق حقوقها ومصالحها، وعلى أساس موقعها داخل وسطها العربي وقضاياه في الاستقلال والتنمية والمصير.
ويخبرنا تاريخ سورية أن محاولات تقسيمها فشلت، بما فيها تلك التي قامت بها وموّلتها ورعتها دول كبرى مثل فرنسا، التي قسّمت هذا البلد بين عدّة دويلات حينما كان يقع تحت انتدابها، ولكنّها تراجعت عن المشروع بعد أن أدركت استحالة الهدف وكلفته العالية، وعدم صلاحيته من الناحية العملية، إذ تبيّن أن الكيانات التي صنعتها غير قادرة على الحياة منفصلة بعضها عن بعض.
لا يعني ذلك أن الأطراف صاحبة المصلحة في التقسيم ستكفّ عن المحاولة، وهذا ملحوظ منذ أشهر، إذ تعيش سورية حالةَ مواجهة بين مشروعَين: يعمل الأول من أجل بناء الدولة، ويحاول الثاني إيجاد حالة من عدم الاستقرار، وهدم الثقة بين المكونات السورية التي تعايشت تاريخياً، وهي تدرك أن ما يجمعها أكثر ممّا يفرقها. وهنا تبرُز المهمّة الأساسية للمرحلة الانتقالية للعمل وفق منهج سورية لكلّ أبنائها، ويقع قسط كبير من مسؤولية ذلك على الإدارة الجديدة، والجزء الآخر على القوى السياسية والنخب والرأي العام والشعب، من خلال التحلّي بخطاب وطني، يغلّب منطق الوطن على نزعات الجماعات ومخاوفها.
الخطاب والتحريض الطائفيان مدمّران وضارّان في الاتجاهات كافّة، لا يقودان إلى بناء دولة، ولا يحميان طائفةً، ولا سبيل إلى قطع الطريق على ذلك إلا من خلال تركيز الدولة وبناء مؤسّساتها بطريقة تشاركية، وفي سياق الاضطرابات في الأشهر الماضية في أكثر من محافظة سورية، برز من يحاولون اختطاف مكوّنات طائفية وعرقية، وتنصيب أنفسهم ناطقين باسمها، ومدافعين عنها، يصدرون البيانات ويطرحون المشاريع محاولين فرض شروطهم على الدولة.
وفي هذا المقام، يجب عدم ترك الساحة لرجال الدين وحدهم كي يقوموا بصناعة الرأي العام، بل من الضروري إفساح المجال أمام النُخب الأخرى، وعلى الدولة أن تولي اهتماماً إعلامياً وثقافياً بما يجمع السوريين، وتعيّن ناطقين رسميين مهمتهم تقديم خطاب متوازن، يواجه حملات الشحن والتحريض ونشر ثقافة الكراهية، ويستند إلى حقيقة أن الدولة ضمانة لجميع السوريين، وما عدا ذلك كلّه، مرجعيات تخصّ أصحابها ضمن حدود طقوسها الداخلية.
لقد برزت بعد 8 ديسمبر (2024) فرصة حقيقية لبناء دولة سورية جديدة، مع الأخذ في الاعتبار أن حكم آل الأسد المديد أفقد البلد قسطاً من مناعته الوطنية، وضرب الشعور الجمعي العام، وأحيا العصبيات الضيقة التي تنشر اليوم خطاب ما دون الدولة، المستشري بقوة في وسائل التواصل، وفي كتابات بعض النُخب، التي لم تعد ترى من سورية سوى الطوائف والأعراق.
وتشكل مسألة ضبط السلاح الفالت الخطوة الأولى لبناء الدولة، التي من بين مهامها احتكار العنف. وفي الحالة السورية، يجب أن يسير هذا الاجراء بالتوازي مع استكمال وحدة البلد، وتعزيز السلم الأهلي، وإطلاق مسار العدالة الانتقالية التي تأخّر البدء فيها، رغم تزايد أعمال الثأر ذات الخلفية السياسية.
ويتوجّب على الدولة ألا تتهاون في مسألة السلاح الخارج عن النظام والقانون، وهذا يستدعي حلّ الفصائل المسلّحة، وفي المقدّمة المحسوبة عليها. يتوجّب أن تقدّم الإدارة القدوة في ذلك، وتعمل بصورة جادّة لبناء جيش وطني يتولى الدفاع عن سيادة البلد بوجه التهديدات الخارجية، وجهاز أمن يعمل على تحقيق الاستقرار وتوفير الأمن للمواطنين.