فؤاد عبد العزيز – الناس نيوز .
من السهل الحديث عن تداعيات أزمة فيروس “كورونا” على الاقتصاد السوري ، حيث لا شركات طيران ولا بنوك ولا بورصة ولا مصانع ولا فنادق ، يمكن القول إنها تضررت أو تكبدت خسائر كبيرة ، بفعل حملات الإغلاق التي قامت بها الحكومة ، ضمن إجراءاتها للحد من انتشار الفيروس ، بأختصار أيضا فهو اقتصاد حرب .أما على مستوى مؤسسات الحكومة التي شملها قرار الإغلاق ، فعلى الأغلب أن ذلك ميزة إيجابية لصالح الاقتصاد السوري ، كونها كانت تستنزف مصاريف تشغيلية يومية بعشرات ملايين الليرات ، وهي مؤسسات لم يتبق منها سوى ، الاتحاد العام للفلاحين والاتحاد العام لنقابات العمال وفروع حزب البعث الحاكم .
وحبذا لو أن تجربة إغلاقها بشكل مؤقت تقود النظام السوري إلى إغلاقها بشكل دائم ، إن لم يكن لأسباب اقتصادية ، فعلى الأقل من أجل التلوث البصري الذي تسببه للمواطن وللمدن السورية معا لكن على جانب آخر ، يرى باحثون اقتصاديون سوريون ، أنه سوف يكون هناك تداعيات خطيرة لأزمة فيروس “كورونا” على الاقتصاد السوري ، الذي جاء ليزيد الطين بلة ، بحسب وصف الدراسة التي أنجزها مركز دمشق للأبحاث “مداد” ، وتحدث فيها عن 10 آثار سلبية على الأقل ، سوف يتعرض لها الاقتصاد السوري ، فيما لو استمرت حملة الإغلاق للأسواق والمؤسسات ، أو في حال انتشر الفيروس على نطاق واسع في سوريا . ويرى المركز الذي يديره باحثون وأكاديميون سوريون من العاصمة دمشق ، أن من أبرز تداعيات أزمة فيروس “كورونا” على الاقتصاد السوري ، هو زيادة العجز المالي في الموازنة العامة للدولة ، نتيجة لتراجع الإيرادات الحكومية ، المتحصلة من الضرائب والرسوم الجمركية ، بالإضافة إلى اضطرار الحكومة لزيادة الإنفاق العام وخاصة في قطاعي الصحة والخدمات ، ما سيؤثر سلباً في باقي القطاعات الإنتاجية الأخرى، وخاصة في ظل محدودية الموارد المتاحة وصعوبة المناقلة بين بنود الموازنة كون معظم الإنفاق الحكومي هو إنفاقٌ جارٍ (رواتب وأجور).
وبناء عليه ، تتوقع الدراسة ، زيادة حجم الدَّين العام نتيجة لاضطرار وزارة المالية لتمويل العجز المتزايد من خارج الموازنة ، إما من المصرف المركزي أو من القطاع المصرفي عبر إصدار سندات خزينة جديدة ، وبالتالي ترى أن ذلك سوف يؤدي إلى زيادة الضغوط التضخمية بشكل كبير ومتسارع، نتيجة لتراجع سعر صرف الليرة السورية بسبب تمويل المصرف المركزي لقائمة طويلة من المستوردات الطارئة واللازمة للتصدي للأزمة الحالية ، إضافة إلى ضخ كتلة نقدية كبيرة في الأسواق (التمويل بالعجز) ، وأخيرا زيادة الطلب على العملات الأجنبية نتيجة لتفضيل غالبية المستثمرين للملاذات الآمنة في مثل هكذا حالات وخاصة الدولار الأمريكي والذهب.ومن الآثار السلبية التي تتوقعها الدراسة ، حدوث نوع من الخوف في الأسواق ينعكس على حركة سحوبات نقدية كبيرة من القطاع المصرفي بسبب تفضيل المستثمرين للكاش على الأصول المالية الأخرى كافةً ، بالإضافة إلى زيادة معدلات البطالة في البلاد والتي حالياً تتجاوز الـ 50%، وخاصة إذا طالت عملية الإغلاق الجزئي أو الكلي للأسواق، ودخول الاقتصاد في حالة من الركود الشديد ، الأمر الذي سيضطر أصحاب المنشآت إلى التخلي عن قسم كبير من العمالة لديهم.كما وتتحدث الدراسة عن توقعها لحدوث نقص خطير في بعض السلع المستوردة ، بسبب إغلاق الأسواق العالمية وتوقف عمليات الشحن ، ناهيك عن زيادة معدل التهريب مع دول الجوار ، والتي يتوقع المركز أن ينشط تحديدا مع لبنان .
وفي بند الحلول والاقتراحات لمواجهة أزمة فيروس كورونا على الاقتصاد السوري ، تقترح الدراسة على الحكومة أن تقوم بعمليات تحفيز للاقتصاد من خلال دعم شركات الطيران وشركات الشحن البري والجوي ، وهو اقتراح غريب كون البلد لا يوجد بها أي نوع من هذه الشركات ، سوى تلك التي يملكها رامي مخلوف ، ابن خال الرئيس بشار الأسد ، وتحمل اسم “أجنحة الشام للطيران” ، وهي في العموم خاصة بنقل الركاب فقط ..كما وتقترح الدراسة دعم الصناعة من خلال تخفيض أسعار حوامل الطاقة ” فيول ـ كهرباء ـ غاز” على الصناعيين ، ودعم القطاع المصرفي من خلال تأجيل سداد القروض المستحقة على المقترضين ، وهو إجراء أغفلت الدراسة أنه لا يدعم القطاع المصرفي ، وإنما يدعم المقترضين ، وقد تم اتخاذه بالفعل من قبل المصرف المركزي .
ومن الحلول التي تراها الدراسة ، هو تنظيم عمليات الاستيراد ، واقتصارها على السلع الأساسية فقط ، بالإضافة إلى الانتهاء من البنية التحتية اللازمة لإطلاق مشروع الدفع الالكتروني ، للتخفيف من استخدام الأوراق النقدية نظرا لمخاطرها الصحية وهو اقتراح غريب ، وتبريره أغرب ، كون الدراسة تحصره بالآثار الصحية فقط وليس بالمزايا الاقتصادية ، ومن جهة ثانية ، فإن مثل هكذا مشروع ، لم تستطع الحكومة السورية ، أن تنجزه في وقت الرخاء ، فهل ستنفذه في وقت الشدة .؟