بغداد – الناس نيوز ::
رفضت جهات عراقية نتائج التحقيق الرسمي في حريق قاعة الأعراس بالحمدانية وما نتج عنه من عقوبات فورية لمسؤولين محلّيين، معتبرة أنّ المسؤولية عن الحادثة المأساوية تتجاوز هؤلاء إلى مسؤولين كبار في الدولة، ومُطالبة بتحقيق دولي.
وأعلنت وزارة الداخلية العراقية أنّ التحقيق في الحريق الذي أودى الأسبوع الماضي بحياة أكثر من مئة شخص عبارة عن حادث عرضي غير مقصود، مشيرة في الوقت ذاته إلى وجود تقصير جسيم وعدم توفير لمستلزمات السلامة في القاعة.
وقرّرت الوزارة تبعا لذلك إقالة مسؤولين محليين في محافظة نينوى واتّخاذ إجراءات إدارية بحقهم بسبب الإهمال وعدم القيام بالواجبات الوظيفية.
وبدا أنّ تلك الإجراءات على الرغم من سرعتها وحزمها أبعد ما تكون عن إخماد حالة الغضب التي أشعلتها الحادثة، كونها ليست الأولى من نوعها، وباعتبارها إحدى نتائج الفساد المستشري في مفاصل الدولة والذي يطال بشكل مباشر عملية بعث المشاريع وإقامة المنشآت باستخدام الرشاوى والمحسوبية بعيدا عن أي رقابة وبالمخالفة التامة للمواصفات وشروط الأمان والسلامة.
وتحضر تلك الظاهرة بشكل استثنائي في محافظة نينوى حيث تمتلك فصائل الحشد الشعبي التي ساهمت في استعادة المحافظة من تنظيم داعش مكاتب اقتصادية تستحوذ من خلالها على المشاريع والاستثمارات التي تديرها بشكل مباشر أو تسلمها بمقابل مادي لجهات أخرى.
وقال النائب العراقي شيروان الدوبرداني إن “قاعة الحمدانية التي احترقت بُنيَت على أرض متجاوز عليها تابعة للدولة، وبالتالي فهي لم تستحصل إجازة بناء ولا تتوافر فيها شروط السلامة”، معتبرا أنّ “أي مواطن يستحيل أن يتجاوز على أرض تابعة للدولة ما لم يكن مدعوما من فصائل مسلحة فرضت نفسها على نينوى بعد التحرير”.
وأشار في بيان إلى وجود “مكاتب اقتصادية تنشط في المدينة والسلطات المحلية عاجزة عن إغلاقها وردع تدخلاتها في شؤون المحافظة”.
وإثر حريق الحمدانية توجّهت بعض الاتهامات صوب ميليشيا “بابليون” التابعة للحشد الشعبي بأنّ قادة الميليشيا هم المُلاّك الحقيقيون للقاعة المبنية من مواد سريعة الاشتعال وتفتقر لوسائل الإطفاء ولمخارج النجدة.
وطالب مار بندكتوس يونان حنو، رئيس أساقفة أبرشية الموصل وتوابعها للسريان الكاثوليك، بإقالة الوزراء وإعادة التحقيق مرة ثانية بإشراف خبراء دوليين، واصفا النتائج التي أعلنتها الداخلية العراقية بأنها “أمر مخجل”.
وقال وزير الداخلية العراقي عبدالأمير الشمري خلال مؤتمر صحفي عقده الأحد إلى جانب مسؤولين آخرين إن المأساة التي وقعت آخر سبتمبر الماضي هي حادث عرضي، مضيفا أن قاعة الأعراس التي وقع فيها الحريق لها طاقة استيعابية لا تتجاوز 400 شخص لكن عدد المدعوين بلغ 900.
وأشار رئيس اللجنة التحقيقية الخاصة بكشف ملابسات الحريق اللواء سعد فالح في المؤتمر الصحفي إلى أن آخر حصيلة تفيد بمقتل 107 أشخاص وإصابة 82 آخرين بجروح.
وأوضح أنّ السبب الرئيسي للحادث هو إطلاق ألعاب نارية داخل القاعة بارتفاع فاق أربعة أمتار من أربع آلات.
وخلصت اللجنة الى أن تلك الألعاب النارية أدّت إلى احتراق السقف المبني من مواد سريعة الاشتعال وممنوعة، فضلا عن مواد للزينة ومواد صنعت منها ستائر القاعة، كلها سريعة الاشتعال. ولاحظت اللجنة التحقيقية كذلك وجود كميات كبيرة من المشروبات الكحولية ما ساعد في سرعة انتشار النيران.
كما أعلن الوزير خلال المؤتمر الصحفي عن إعفاء خمسة مسؤولين محليين من مناصبهم لثبوت تقصيرهم وإهمالهم، وهم وفق الوزير قائم مقام قضاء الحمدانية ومدير البلدية ومدير شعبة التصنيف السياحي في نينوى ومدير مركز صيانة كهرباء الحمدانية ومدير قسم الإطفاء والسلامة في مديرية الدفاع المدني بنينوى.
كذلك تمّ فتح تحقيق بحقّ مدير الدفاع المدني في المحافظة “لعدم قيامه بواجباته واكتفائه بالإنذارات والقضايا الروتينية”.
وقال الشمري “كان هناك تقصير من قبل قائم مقام القضاء والقاعة مبنية أساسا على أرض متجاوز عليها، لكن القائم مقام سمح بفتحها دون موافقة الجهات الأخرى”.
كذلك قام صاحب القاعة بحسب الوزير بإطفاء التيار الكهربائي فيها لحظة اشتعال النيران لاعتقاده بحصول احتكاك كهربائي ما أثار الذعر بين الحاضرين الذين تدافعوا للخروج.
وكان صاحب القاعة قد تلقّى تحذيرا من السلطات المحلية بعد تفتيش القاعة في وقت سابق خلال هذا العام، وتعهّد بإزالة سقفها وتغيير المواد التي صنع منها ضمن مهلة ستة أشهر تنتهي في أكتوبر القادم.
ومن بين 14 شخصا جرى توقيفهم في سياق التحقيق ثبت أن أربعة منهم من بينهم مالك القاعة “هم المسؤولون عن عملية نصب الآلات التي تستخدم في عملية إشعال الألعاب النارية”، بحسب وزارة الداخلية.
ومن ضمن الإجراءات التي اتخذتها السلطات أيضا تغريم مشاريع مخالفة لإجراءات السلامة. وأعلن الدفاع المدني العراقي الخميس رصد سبعة آلاف مشروع مخالف في عموم البلاد، من بينها قاعات مناسبات وفنادق ومطاعم ومشاريع خاصة، وتم تغريم أربعة آلاف من أصحابها.
وغالبا ما لا يتمّ الالتزام بتعليمات السلامة في العراق لاسيّما في قطاعي البناء والنقل ما يؤدّي مرارا إلى اندلاع حرائق وكوارث مميتة أخرى.
وعلى الرغم من أن العراق بلد غني بالنفط إلا أنّه يعاني تدهورا في بنيته التحتية التي تداعت جراء عقود من النزاعات وسوء الإدارة العامة والفساد.
وقال يونان حنو الأحد في مؤتمر صحفي إنّ “هنالك أشياء غير منطقية في هذا التحقيق”، مبينا أن “الإعفاءات طالت مدراء الدوائر الموجودين في الحمدانية وكأنهم هم فقط الفاسدون”.
واعتبر القرارات الصادرة عن وزير الداخلية مرفوضة كونها غير مهنية، متسائلا “أين المقصر الحقيقي؟”، ومطالبا بتحقيق دولي يكون مبنيا على إستراتيجية وبإقالة الوزراء.
كما أكّد أنّ نتائج التحقيق كانت متوقّعة سلفا وأنّ القضية ستلقى مآل قضية العبّارة، في إشارة إلى حادثة غرق عبارة في مياه دجلة بالموصل قبل سنوات ما أودى بحياة العشرات دون أن تطال العقوبات المالكين الحقيقيين للعبّارة الغارقة وهم من المقرّبين من الحشد الشعبي، بحسب رواية سكان محليين.