الرباط – غزلان أمجود – الناس نيوز :
إن حدث وذهبت يوما إلى المغرب، فاحرص أن تستمتع بشرب الشاي المغربي، ذائع الصيت، حلو المذاق، زكي الرائحة الشاي، أو كما يسمى في المغرب “أتاي”، أكثر من مجرد مشروب ساخن، إنه طقس يومي مقدس، وجزء أساسي في الممارسة الغذائية للمغاربة جميعا، على امتداد مختلف الجهات والمدن، مؤطرة بشبكة هائلة من الرموز والعادات.
يرتبط الشاي المغربي في الخيال الشعبي والذهنية المحلية بالجماعة والعائلة والأنس وحسن الكرم والضيافة ارتباطا مباشرا.
كما يقترن الشاي في المتن الشعري والأمثال الشعبية بلغة الشهوة والمتعة والغزل.ليس هذا فحسب، بل إن من الباحثين في الأنثروبولوجيا، من ذهب حد القول بأن جلسة الشاي في المغرب، كانت في مستواها الطقوسي -تاريخيا- امتدادا لجلسة الخمر.وإلى اليوم، فالشاي هو المشروب الأول في البلد، يتجدد باستمرار وينافس تقدم الصناعات الغذائية وتطور المشروبات الغازية والمنبهات الأخرى كالقهوة وغيرها. محافظا على الريادة، بقي “أتاي” يتمدد في المجتمع المغربي كمشروب وكعادة، فكلما اتجهنا صوب الجنوب المغربي وداخل الواحات الصحراوية، نجد الشاي سيد المشروبات في عادات الأسر والأفراد داخل البيوت وخارجها، حتى أضحى الخيط الناظم الذي يرتب تسلسل الوجبات الغذائية.
من القصر إلى الشعب..
حكاية أتاي
تاريخيا، انتقل الشاي من القصر السلطاني إلى أوساط الفئات الشعبية بعد قرن من دخوله إلى المغرب، إذ اقتصر استخدامه في البداية على العلاج والتطبيب قبل أن يستهلك كشراب على غرار الدول الآسيوية. وقد بقي الشاي حبيس جدران القصر، وظل حكرا على محيطه، قبل أن يأخذ في الانتشار لدى العوام في المدن، ومن ثم في البوادي والقرى في مستهل القرن التاسع عشر.ولأن لوازمه وعدته لم تكن تتوفر إلا في منازل قليلة، تلجأ إليها الأسر الأخرى من الأهل والجيران، خلال المناسبات وعند الحاجة، أصبح الشاي المغربي مرتبطا في الأذهان بالترابط والأُلفة والجماعة.
وفق كتاب “من الشاي إلى الأتاي: العادة والتاريخ” للباحثين المغربيين عبد الأحد السبتي وعبد الرحمن الخصاصي،أسهم الشاي في العديد من التحولات السياسية والاقتصادية في المغرب، إذ عمد السلطان الحسن الأول، في القرن التاسع عشر، إلى تقديم الشاي والسكر والأواني الفضية كهدية لزعماء القبائل الذين رفضوا تقديم الولاء له و الخضوع لسلطته، وفعلا استطاع السلطان عبر ذلك بسط نفوذه على هذه القبائل دون اللجوء إلى قتالها.
في ذات القرن، كانت بريطانيا المسيطرة على توزيع الشاي في المغرب، واقتبس المغاربة من الإنجليز عادة تحلية الشاي، لكنهم أضافوا النعناع إلى مكوناته كلمسة مغربية خالصة سجلت باسمهم.
بعدة وطقوس خاصة..المغاربة مسكونون بالشاي
يبدأ طقس تحضير الشاي بوضع الصواني الفضية الدائرية، حيث ترتب الكؤوس التي يزيد عددها عن عدد الضيوف، في تناسق مع الحافة الدائرية للصينية التي يتوسطها إبريق الشاي الذي يسميه المغاربة ب “البراد”، وفي صينية أصغر توضع ثلاث علب تسمى “الربايع”، تختلف أحجامها، تضم أكبرها السكر وثانيها النعناع، وأصغرها حبوب الشاي الأخضر.
في المغرب، إعداد أتاي أمام الضيوف أو الحاضرين ليس ترفا، وإنما قاعدة أساسية لا يجوز إغفالها بتاتا، و يسمى معد الشاي مقيما. توضع الصينية أمام المقيم بعد أن يقدم له سطل فضي لغسل يديه يدعى “المغسل”، يأخذ المقيم مقدارا مناسبا من حبوب الشاي ويضعها داخل “البراد”، ويتبعه بقليل من الماء، تغسل الحبوب لتنقص مرارتها ويزال عنها الغبار ثم يفرغ الماء في إحدى الكؤوس، يُضاف القليل من السكر، بعدها يملأ البراد بالماء المغلي ويوضع على النار حتى يغلي ثم تضاف أوراق النعناع. يسكب المقيم القليل من الشاي، يتذوقه ثم يضيف حاجته من السكر، يسكب ثلاثة أو أربعة كؤوس وتعاد للبراد حتى تتساوى الحلاوة وتمتزج المكونات جيدا، وبذلك يصير الشاي جاهزا ليقدم للضيوف. ومن أجمل مشاهد تقديم الشاي المغربي وأكثرها تميزا؛ طريقة صبه ، إذ يصب بحركة فنية رشيقة من الأعلى، فتتشكل رغوة تطفو على السطح تشغل ربع الكأس تقريبا، ومن ثم تبدأ عملية توزيع الكؤوس.
تجدر الإشارة إلى أن المغرب يعتبر أول مستورد للشاي الصيني في العالم بـ70 ألف طن سنويا، ما يمثل 25 بالمئة من إجمالي صادرات الصين لهذه المادة.يقدم أتاي في الغالب مرفوقا بالحلويات المغربية، التي تعتمد في جلها على اللوز المطحون، من قبيل الحلوى المغربية الشهيرة باسم “كعب الغزال” ، وتلك قصة أخرى.