الناس نيوز – ميديا
تدفّق ممثلو القوى الإقليمية الرئيسة تباعاً على بيروت المنكوبة بعد التفجير المدمر في 4 أغسطس، وكان بينهم نائب الرئيس التركي فؤاد أقطاي، الذي وصل مع وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو. كانت تركيا أرسلت 400 طن من القمح والمواد الطبية، وكذلك فرقاً طبية للمساعدة على التعاطي مع هذه الحالة الطارئة. وقد بذل أقطاي جهداً كي يبدو توحيدياً، معلناً أن “سلامة لبنان مهمة لتركيا… ولبنان بالنسبة لنا هو كلٌ واحدٌ بمسيحييه ومسلميه وأشورييه وأرمنه. تركيا مستعدة لفعل أي شيء باستطاعتها لحماية هذه السلامة”.
كانت هذه الزيارة جزءاً من جهد أوسع بذلته تركيا لترقية نفوذها في لبنان. وتنوي أنقرة اغتنام فرصة تراجع الدور السعودي في البلاد كي تصبح هي البطل الإقليمي للطائفة السنّية اللبنانية.
بالمقابل، سارع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لزيارة بيروت وتقريع مسؤوليها حول ضرورة الإصلاح.
ووفق مقال للباحث في معهد كارنيغي مايكل يونغ، لكن يبدو أن تنافس تركيا مع مصر ودولة الإمارات العربية المتحدة وفرنسا في المشرق وشمال أفريقيا – خاصة في ليبيا، ولكن أيضاً الآن في البحار حول قبرص واليونان – تمدّد إلى لبنان.
و تكهّن محللون بأن زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى بيروت، التي طرح خلالها مبادرة لإخراج لبنان من أزمته السياسية الحادة، كان هدفها جزئياً موازنة الوجود التركي في البلاد. وهذا كان شعوراً متبادلاً، إذ إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قال عن الرئيس الفرنسي: “غرض ماكرون (من الزيارة) هو إعادة النظام الاستعماري. أما نحن فليس لدينا رغبات من هذا النوع”. ثم: لم يكن صدفة أن مصر والإمارات، خاصة حين نضع في الاعتبار خلافاتهما مع أنقرة، دعمتا المبادرة الفرنسية. وفي حال حصلت مثل هذه المناورات على زخم كافٍ، فقد تغيّر بالتدريج البيئة السياسية اللبنانية.
لا يزال من غير الواضح إلى أين ستصل المبادرة الفرنسية، لكن حقيقة أن لبنان يبرز كحلبة صراع جديدة في لعبة نفوذ إقليمية أوسع، تطرح احتمالات مثيرة للاهتمام. ففي السنوات الأخيرة، شطب العديد من دول الخليج العربي، خاصة السعودية، لبنان من أجندته باعتباره مخفراً أمامياً إيرانياً. وهذا أدى إلى فك ارتباط هذه الدول مع لبنان، وإلى اتخاذها مواقف متصلّبة من الحكومة اللبنانية.
لكن، وفي خضم هذه السياقات الإقليمية المتغيّرة، إلى أي مدى يكون دقيقاً مواصلة الإطلالة على لبنان بوصفه ولاية فارسية؟ إن طهران تحظى بأقوى قوة عسكرية في البلاد، حزب الله، ولها نفوذ أهم من فرنسا أو مصر أو الإمارات، ما يمكّنها من تحديد وجهة التطورات، وترهيب السياسيين كي يتبنّوا ما تفضّله من سياسات. لكن، إذا ما انفتح لبنان على اللاعبين الإقليميين المُستعدين للدفاع عن أتباعهم المحليين ولاستخدام نفوذهم لتعيين محظييهم بمناصب عليا في الدولة، فقد تخفّ سطوة إيران.
بالنسبة إلى أولئك المعارضين لحزب الله وإيران، قد لا ينطوي ذلك بالضرورة على أوقات أسعد لهم. إذ لطالما تمزّق لبنان أشلاء بفعل العداوات الإقليمية التي اندلعت فوق أرضه. بيد أن الدول التي قد تخفف من وطأة دور إيران في لبنان- فرنسا، مصر، الإمارات، وتركيا- ليست هي الأطراف التي سعت تقليدياً إلى مجابهة الجمهورية الإسلامية. فكل هذه الدول لها علاقات تتراوح بين كونها مُرضِية أو طيّبة مع طهران، فيما هذه الأخيرة قد تدفع ثمناً إذا ما استعدت هذه الدول أو أثارت نزاعاً معها حول لبنان.
مع ذلك، يضيف الباحث، يمكن أن يكون توسّع الانخراط الأجنبي في لبنان مؤشراً على أن التنافس الإقليمي على البلاد سيمضي قدماً. وهذا قد يغيّر على الأرجح الوضع الأحادي القائم حالياً في لبنان. بالطبع، سيكون أمراً مثالياً إذا ما توقف اللبنانيون عن أن يكونوا ببساطة وكلاء للنفوذ الأجنبي. لكن هذا لن يرى النور، طالما أن الهويات الطائفية تلعب دوراً كبيراً في المجتمع.
وفي منطقة تشهد سيولة في تحولات القوة، سيعني ذلك أن الافتراضات التي تبدو طبيعية اليوم، ستتعرَض إلى إعادة النظر فيها غدا.