[jnews_post_author]
رغم إدراكهم التام بأنهم في معظم الأحيان يكونون عاجزين عن تقديم أي مساعدة، فإن الأصدقاء دائما يسألون أصدقاءَهم عن السبب الذي يعكر مزاجهم.
وهذا ما فعله شكيب عندما رأى صديقه أديب معكر المزاج صباح هذا اليوم
– ما الذي يعكر مزاجك؟
– رأيت مناما مزعجا.
قال أديب، وصمت ربما لعدم رغبته في تذكر أحداث ذلك المنام التي يبدو أنها مرعبة، ولكن وكما هي عادة الأصدقاء لم يتوقف شكيب عن السؤال.
– خير انشالله؟
– حلمت بأنني أقف على حافة النافذة في منزل أهلي القديم أراقب ما يجري في الشارع.
وهنا تدخل شكيب ظنا منه أنه أمسك بطرف الخيط الذي يستطيع أن يجر به صديقه من خانة الاكتئاب إلى خانة الانشراح فقاطعه:
– عادي.. كلنا تراوده الأماكن التي عاش فيها سابقا في الأحلام.. إنه الحنين يا صديقي.. الحنين.
امتعض أديب للثقة المفرطة بالنفس التي يشعر بها شكيب بشكل غير مبرر ورد ممتعضا:
– ومن قال لك إن الحنين هو الذي يؤرقني.. استمع حتى النهاية ثم احكم.
. – ماشي
قال شكيب ممتثلا لطلب صديقه أديب بينما تابع الأخير كلامه
– فجأة وأنا أقف على حافة تلك النافذة نبت لي جناحان في ظهري…
ومرة أخرى ظن شكيب أنه قبض على رأس ذلك الخيط وأنه في هذه المرة ، حتما سينتزع أديب من براثن الاكتئاب:
– عادي.. من منا لا يحلم بالحرية.. إنها الحرية يا صديقي… الحرية..
امتعض أديب مرة أخرى وطلب من شكيب أن يستمع:
– ومن قال لك إن الحلم بالحرية يسبب الاكتئاب..استمع حتى النهاية ثم احكم .. عليك أن تعرف أولا أي جناحين نبتا لي.
– أي جناحين؟
سأل شكيب وقد بدا عليه الفضول هذه المرة فأجابه أديب وقد غرق في حالة الاكتئاب
– جناحا صرصور…ثم نبت لي قرنا استشعار.
– أعوذ بالله.
قال شكيب هذه المرة ولم يبذل أي محاولة لمساعدة صديقه بينما تابع أديب:
– وبواسطة هذين القرنين شعرت بحركة مريبة خلف ظهري فالتفتّ إلى الوراء وإذا بزوجتي تحمل شحاطتها وتهوي بها عليَّ.. وتسحقني.
ارتسمت ملامح الرعب على وجه شكيب الذي يبدو أنه تخيل الموقف بكل بشاعته فقال بشكل آلي:
– يا ساتر.
بينما صمت أديب للحظة ثم تابع:
– هل تعرف بماذا يشعر الصرصور عندما تهوي عليه شحاطة؟
– بماذا؟
– يشعر أن السماء قد انطبقت على الأرض.. ثم بعد ذلك لا يشعر بشيء.
وهنا أدرك شكيب ما الذي يزعج صديقه أديب في ذلك الحلم.. لقد شاهد نفسه صرصورا… فحاول في هذه المرة أن يهون عليه ويخفف من حالة الاكتئاب مدركا أن إخراجه من هناك كليا أصبح أمرا صعبا.
– عادي.. لا يزعجنك ذلك.. فما الفرق بيننا وبين الصراصير يا أخي.. والله إن ما ينزل على رؤوسنا كل يوم يفوق همجية تلك الشحاطة التي سحقتك بها زوجتك في المنام.. نحن في الواقع لا نختلف عن الصراصير بشيء.. أما زلت لا تدرك ذلك؟
– أدرك؟
قال أديب مقاطعا وأردف بنبرة لا تخلو من التهكم لسذاجة صديقه:
– دائما أشعر بصرصوريتي على أرض الواقع ، وأنا معتاد عليها منذ زمن بعيد، وهذا لم يعد يزعجني أبدا.
وهنا ضاق صبر شكيب ولم يعد يحتمل الترهات التي يتحدث بها أديب وصاح به بين الجد والمزاح:
– احترنا يا اقرع من وين بدنا نمشطك.. شو اللي زاعجك لكان يا أخي.
– الذي يزعجني أن الصرصور لحق بي من الواقع إلى الحلم.
ثم شرد قليلا وارتسمت على وجهه علامات خالية من أي تعبير، مثل تلك التي على وجوه الصراصير وتابع:
– في السابق كنت أحلم أنني إنسان.
ممدوح حمادة .