[jnews_post_author]
في مثل هذ اليوم من عام 2009 اعتقلت طل الملوحي، اعتقلتها مخابرات النظام في سوريا قبل بلوغها سن الثامنة عشرة بأسبوع. وقد سبق أن تم استدعاؤها عدة مرات من قبل المخابرات على خلفية نشاطها وكتاباتها حول الإصلاح والانتقال إلى الديمقراطية في سوريا التي كانت تنشرها في مدونتها على الإنترنت، في المرة الأولى تم استدعاؤها عام 2006 ولم تكن حينها قد تجاوزت 15 عاماً من عمرها وذلك بسبب مناشدة وجّهتها عبر موقع “النادي السوري” إلى رئيس النظام في سوريا بشار الأسد طالبته فيها بالإسراع بتطبيق وعوده حول الديمقراطية التي أطلقها في خطاب القسم إثر استلامه السلطة بعد وفاة والده حافظ الأسد، ووضع حد للفساد المستشري في البلاد، وفي العام التالي تم استدعاؤها مجدداً، وتوالت الاستدعاءات والضغوطات الأمنية عليها، وهذا ما دفع عائلتها للسفر بها والانتقال للعيش في القاهرة هرباً من ملاحقة المخابرات لها.
وفي القاهرة اعتقدت “طل” أنها ستكون في مأمن من ملاحقة مخابرات النظام في سوريا لها، فاستأنفت نشاطاتها وكتاباتها عن سوريا وفلسطين، وعن ضرورة التغيير الديمقراطي في سوريا، وتلقت دعوة لحضور حفل استقبال في السفارة الأمريكية بالقاهرة بعد مناشدتها الرئيس الأمريكي أوباما لدعم عملية التحول الديمقراطي في العالم العربي، ولم تشأ حينها تلبية الدعوة إلا بعد إعلام سفارة النظام في سوريا بالقاهرة التي لم تعترض على حضورها لحفل استقبال للسفارة الأمريكية، لتفاجأ بعدها باستدعاء السفارة لها وتهديدها ومراقبة حركتها من قبل المسؤول الأمني للسفارة، واستمر الأمر على هذه الحال إلى أن قررت العائلة العودة مجدداً إلى دمشق بعد أن تلقت تطمينات من سفير النظام يوسف الأحمد في آخر استدعاء لها من أن لا شيء عليها، ويمكنها العودة إلى سوريا وعفى الله عما مضى، وقد أجبرت حينها على توقيع تعهد خطي بالتوقف عن الكتابة.
وهكذا عادت “طل” مع عائلتها إلى دمشق في صيف 2009 بعد قضاء حوالي ثلاث سنوات في القاهرة، عادت إلى دمشق وتابعت هوايتها في الكتابة في مدونتها، حيث نشرت بتاريخ 12/8/2009 قصيدة بعنوان “وطن يرتجيك” بعد العدوان الإسرائيلي على غزة جاء فيها:
بئس الحياة
نباع فيها ونشرى
فمن يرتضي ذاك…فهو بالعبد أحرى
فلنا عزة
دونها الشمس…!!
وإلا…
فاحفر لنا الآن قبرا!.
لم تمض أشهر على عودتها إلى دمشق حتى اعتقلتها عناصر أمنية بتاريخ 27/12/2009، وبقيت معتقلة في أحد الفروع الأمنية لمدة تزيد عن /11/ شهراً، دون أن تتمكن أسرتها من معرفة أي شيء عنها سوى الإشاعات التي أخذت تسربها الأجهزة الأمنية لتشويه سمعتها وتخويف المحامي الذي سيدافع عنها.
في أواخر أيلول تم إيداع “طل “سجن دوما للنساء، وفي العاشر من أكتوبر تم استجوابها من قبل نيابة محكمة أمن الدولة العليا الملغاة وذلك بتهمة التخابر مع دولة أجنبية / أمريكا/ على خلفية توقيعها على رسالة موجهة للرئيس الأمريكي باراك أوباما تحييه على مواقفه وتطالبه باتخاذ المزيد من المواقف المنصفة للعرب والمسلمين، ولدعم قضية الديمقراطية في العالم العربي ولتلبيتها دعوة السفارة الأمريكية في القاهرة لحضور الاحتفال بعيد الاستقلال الأمريكي.
وفي محكمة أمن الدولة العليا أنكرت طل الملوحي التهم المنسوبة لها، وحاول الأستاذ “خليل معتوق” جاهداً تبرئتها وتفنيد الاتهامات الموجهة لها، إلا أن محكمة أمن الدولة تجاهلت كل دفوعه، واعتمدت كل الاتهامات التي ساقها منظمو الضبط الأمني، وأصدرت حكمها على “طل الملوحي” بالسجن خمس سنوات بتهمة الاتصال والتخابر مع دولة أجنبية، تبدأ من تاريخ اعتقالها في 27/12/2009 وتنتهي ضمناً بتاريخ 26/12/2014 ليكون أول حكم على أصغر معتقلة رأي في ذلك الحين.
وبعد اندلاع المظاهرات الشعبية ضد نظام الأسد في آذار 2011، قررت السلطات الأمنية نقل كل النساء من سجن دوما بمن فيهن طل الملوحي والدكتورة فداء الحوراني إلى جناح خاص في سجن عدرا خوفاً من أن يقوم أهالي دوما بإطلاق سراحهنّ.
وبالرغم من أن محاميها الأستاذ خليل معتوق قد اعتقل هو الآخر لينضم إلى عشرات الآلاف من المعتقلين المختفين في سجون الأسد وزنازينه. إلاّ أننا تابعنا قضية “طل” وتقدمنا في 24/10/2013 إلى محكمة الجنايات بحمص بطلب إعفائها من ربع المدة، وقد وافقت المحكمة على الطلب وقررت إطلاق سراحها فوراً، وأرسلتُ بنفسي كتاب إطلاق سراحها إلى سجن عدرا عبر الفاكس من مكتب ديوان المحامي العام الأول في ريف دمشق، وامتثل مدير سجن عدرا للنساء لقرار المحكمة وأطلق سراحها، لكن “طل” لم تخرج من السجن، فقد تبين لنا أن دورية من مخابرات أمن الدولة قامت باعتقالها مجدداً قبل أن تخرج من سجنها واحتجازها دون وجه حق في أقبية أمن الدولة، وبعد حوالي عدة أشهر فوجئنا بأنهم أعادوها مجدداً إلى سجن عدرا، ولكن هذه المرة بدون أي مذكرة قضائية، بل استناداً لمذكرة أمنية فقط.
بتاريخ 26/12/2014 أنهت “طل الملّوحي” مدة محكوميتها، ورغم المناشدات بإطلاق سراحها تنفيذاً لأحكام القانون، إلا أن إدارة سجن عدرا لم تجرؤ على إطلاق سراحها، وأذعنت لقرار السلطات الأمنية باستمرار اعتقالها دون أي مذكرة قضائية، خلافاً لأحكام القانون الذي يفرض على إدارة السجن إطلاق سراح السجين فور انتهاء مدة محكوميته مالم يكون صادراً بحقه مذكرة قضائية أخرى. ورغم صدور العديد من مراسيم العفو من الأسد نفسه، إلا أنهم كانوا يستثنونها من العفو في إصرار واضح من الأسد نفسه على استمرار اعتقالها خلافاً حتى للقوانين السارية.
ومنذ اعتقالها بتاريخ 27/12/2009 وحتى تاريخه يكون مضى على اعتقالها وسجنها أحد عشر عاماً، لتتحول من سجينة رأي إلى معتقلة رأي، ولتنضم بذلك إلى محاميها الأستاذ خليل معتوق وعشرات الآلاف من المعتقلين الذين يقبعون في زنازين النظام وسجونه، دون أي أفق بالإفراج عنهم أو الكشف عن مصيرهم.
لنرفع أصواتنا عالياً لأجل إطلاق سراحها وجميع المعتقلين والمخطوفين في سجون الأسد والميليشيات المسلحة.
المحامي ميشال شماس