دمشق ميديا – الناس نيوز ::
القدس العربي – جانبلات شكاي – تفاوتت ردود فعل أحزاب «الجبهة الوطنية التقدمية» على قرار حلها الذي اتخذته السلطات الجديدة في سوريا، بين مسلم بالأمر الواقع ومعترض عليه.
فقد قوبل القرار بصمت غريب من البعثيين، إلا أن أحزابا أخرى رفضته، وأعلنت استمرار نشاطها وتحديداً جناحي الحزب السوري الشيوعي.
وتأسست الجبهة في سوريا في آذار/ مارس 1972 في عهد حافظ الأسد، وشهدت أحزابها انشقاقات وانسحابات ودخول أحزاب جديدة على مر العقود الماضية، وحين صدر قرار حلها كانت الجبهة تضم حزب البعث العربي الاشتراكي والحزب الشيوعي السوري ـ بكداش والحزب الشيوعي السوري الموحد وحزب الوحدويين الاشتراكيين والحزب الوحدوي الاشتراكي الديمقراطي والاتحاد الاشتراكي العربي والاتحاد العربي الديمقراطي وحزب الاشتراكيين العرب وحزب العهد الوطني والحزب السوري القومي الاجتماعي ـ المركز.
وحل حزب البعث وباقي أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية، الذي تم تثبيته بقرار من القيادة السورية الجديدة الأربعاء الماضي خلال احتفال «إعلان النصر» حظر أيضاً إعادة تشكيلها تحت أي مسمى آخر، وأن تعود جميع أصولها إلى الدولة السورية.
![](https://annasnews.com/wp-content/uploads/2025/01/img_5309-1-1.jpg)
واعتبر عضو اللجنة المركزية لحزب البعث العربي الاشتراكي المنحل في سوريا، بسام أبو عبد الله، أن النتيجة الحتمية التي واجهت حزبا عاش 78 عاماً منها 62 في السلطة، كانت متوقعة وليست مفاجئة، لكنها خرجت بطريقة أقرب إلى النكتة، إذ أعلن عنها أمينه العام المساعد ابراهيم حديد برسالة عبر تطبيق «الواتس آب» بعد أن هرب قائده بشار الأسد، من دون أي رد فعل، من قبل أعضائه الذين زاد عددهم عن 900 ألف منتسب.
رسالة «واتس آب»
وفي أول تصريح من نوعه من أحد قيادي حزب البعث، قال أبو عبد الله لـ«القدس العربي» إنه «وبعد سقوط النظام في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر الماضي حلّ حزب البعث نفسه، برسالة على مجموعات الواتس آب التابعة للحزب، وحملت توقيع آخر أمين عام مساعد، وهو إبراهيم حديد».
واعتبر أن «الأمر لم يفاجئ الكثيرين، لكن يمكن القول إنه أول حزب يتم حله عبر السوشيال ميديا من دون أي مرجعيات أو تشاور، على الرغم من أن رسالة الواتس آب تحدثت عن التشاور، لكن معلوماتي تقول إنه لم يجر أي تشاور بهذا الموضوع، بل إن الأمين العام المساعد للحزب كان موجوداً أصلا في بيروت وليس في دمشق، وحلّ الحزب وسلم أملاكه وأمواله، التي هي بالطبع أموال الشعب السوري، إلى وزارة المالية».
وبين أن «الحزب الذي كان يضم أكثر من 900 ألف من المنتسبين له وحكم سوريا لـ62 سنة وتأسس من 78 سنة، لم تكلف قيادته نفسها باجتماع للجنة المركزية ولا اجتماع للقيادة المركزية، وربما مرد ما سبق أن الأمين العام ذات نفسه قد هرب وترك البلاد فما بالك بالحزب الذي تحول في أواخر أيامه لمجرد واجهة لمنظومة فساد».
وأكد أن ما حصل «ليس فقط محزناً، وإنما مؤشر إلى أن حزب البعث العربي الاشتراكي انتهى نهاية مأساوية» موضحاً أنها «نهاية متوقعة لعدة أسباب، الانفصال بين الواقع والجانب النظري، والابتعاد عن الواقع المحلي والتركيز على البعد العربي والفشل في المجالين، فلم نحقق على المستوى العربي شيئاً، ولم نحقق تلك التجربة التنموية الناجحة والباهرة».
![](https://annasnews.com/wp-content/uploads/2025/01/dcd27267-c54c-4f8c-9a23-09243cc6c812-1.jpg)
ومن الأسباب كذلك أن «الحزب أصبح مرتبطا بالرئيس فقط، ولم يهتم بالمفكرين ولا بالتدريب ولا بالتأهيل، إلا ضمن صيغ إيديولوجية جامدة».
وبين أن «الحزب تحوّل إلى جزء من منظومة أمنية ومحاولات إصلاحه فشلت، كما تحول إلى واجهة لمنظومة فساد، وهو ما تجلى في انتخابات آخر مجلس شعب».
وأبو عبد الله، حاصل على الدكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة أوزبكستان، وكان يدير مدرسة الإعداد الحزبي المركزية في مدينة التل في ريف دمشق، وانتخب كعضو في اللجنة المركزية في انتخابات أيار/ مايو العام الماضي، وبعد انتقادات وجهها لأداء الحزب تمت إقالته من إدارة المدرسة الحزبية، وإخراجه من قبل القيادة المركزية الجديدة من منزل كان يقيم فيه في دمشق.
العقائدية الفارغة
في تصريحه لـ«القدس العربي» قال: «كان هناك نوع من التأييد للحزب في جوانب سياسية وقضايا قومية غير أن السقوط الأكبر جاء بأن هذا الحزب العقائدي وحتى الجيش العقائدي، تبين أنهما يحملان عقيدة فارغة لا تنتمي لشيء إلا لمصالح ومنافع ومكاسب من يرتبط بهما بالمنفعة والمصلحة، والجيل الجديد كان يريد فرص عمل وتنمية ونجاحات لم يحققها حزب تحول إلى مجالس تكاذب وخطابات خشبية وعدم القدرة على مواكبة العصر والعيش خارجه».
الأفعال وليس الأقوال
وتابع: «بدأ الحزب يضمحل بعد أن كان ينظر إليه كحزب اشتراكي ديمقراطي على النمط الأوروبي في الأربعينيات من القرن الماضي، إلى أن تحول إلى حزب للقائد أو للشخص، وحزب منظومة فساد تحكمت في كل مفصل فيه، فقتلت المفكرين وقتلت النقد وتحول إلى مصفق لرئيس هرب وترك كل شيء، فأي قدوة هذه؟».
وأكد أن «الدرس المستخلص مما حدث هو أن ما يهم الناس في سوريا، سابقاً وحالياً، هي الأفعال وليس الأقوال، ولم يعد يهمها شكل الأحزاب السياسية وأيديولوجياتها بقدر ما يهمها تحقيق تجربة تنموية ناجحة وقدرة على تحويل الجانب النظري إلى جانب عملي وليس الاقتصار على التنظير».
وقال: «اختفى حزب البعث بصمت، على خلاف أحزاب الجبهة المتحالفة معه، التي أصدرت على الأقل بيانات رفضت فيه قرار الحلّ» معتبراً أن «الهدف من حل الأحزاب الحالية هو من باب إفساح المجال أمام تشكيل أحزاب جديدة، ولكن وضمن الممارسات الحالية، فسيأتي جيل جديد يوماً ما وليس ببعيد، ويجد نفسه معنيا بإعادة انتاج أحزاب، قد تأخذ شكلاً إثنياً أو دينياً أو حتى مذهبياً، ما قد يشكل قضاءً على إمكانية ظهور أحزاب جامعة للسوريين».
بعثيون قلقون
وعلى خلاف صمت كوادر وقيادات البعث في الداخل السوري، بل وربما فرح الكثير منهم باختفاء الحزب، وهو ما ظهر عبر صفحاتهم الخاصة على وسائل التواصل الاجتماعي وبما عرف لاحقا بظاهرة «المكوعين» رفضت قيادات بعثية من سبع دول عربية قرار حل «البعث» في سوريا، وعبرت القيادات القطرية في هذه الدول عن «القلق البالغ للتطورات الخطيرة التي شهدها سوريا».
وذكر بيان حمل توقيع قيادات البعث في كل من اليمن والأردن والعراق وتونس والسودان وفلسطين وموريتانيا، وغاب عنه توقيع قيادة البعث في لبنان والجزائر، أن حل «البعث» في سوريا «فاقم المخاطر التي تهدد وحدتها وسيادتها واسـتقلالها وأمن شعبها، وهي مخاطر تخدم المشاريع والمخططات الصـهيونية».
وشدد على «دعم عملية سياسية شاملة في سوريا بمشاركة كل القوى السياسية الوطنية، وعدم تجاهل حجم وتأثير حزب البعث» معتبراً «وجود الجبهة الوطنية التقدمية يشكل أهمية كبيرة لتهيئة قاعدة للحوار السياسي» ومرحباً بكل «الدعوات للحوار الوطني الذي يجب أن يكون شاملاً يضم كل أطياف الشعب السوري وشرائحه».
وأكدت قيادات البعث في الدول السابقة أنها «ستقف الى جانب سوريا وشعبها وستظل تتابع التطورات وستقف أمام التحديات بكل مسؤولية» ودعت «الأحزاب العربية والمناضلين والقوميين العرب إلى الاستنفار والقيام بالواجب الوطني والقومي من خلال مساندة رفاق درب النضال في سوريا» مطالبة «الدول العربية والإسلامية وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي ومنظمة الأمم المتحدة، وكل مؤسسات المجتمع الدولي بتقديم العون والإسناد لإشراك جميع الأحزاب المدنية في استحقاقات المرحلة الراهنة».
وعبر البيان عن الإيمان «بأن البعث كأهم حامل من حوامل العروبة السياسية لن ينتهي في سوريا التي تأسس فيها وناضل في سبيل استقلالها وحكمها قرابة سبعة عقود».
ودان جناحا الحزب الشيوعي في الجبهة قرار حلهما عبر بيانين منفصلين. وجاء في بيان جناح بكداش أنه «منذ استيلائها على السلطة في وطننا سوريا يوم 8 كانون الأول/ ديسمبر، نتيجة هجوم عسكري مدعوم بشكل كامل من قبل قوى استعمارية عضوة في حلف شمال الأطلسي العدواني، باشرت الطغمة الظلاميّة التضييق على الحقوق الاجتماعية للشعب».
الشيوعيون رفضوا
وذكر البيان أنه «في يوم 29 كانون الثاني/ يناير الماضي بدأت تتبلور ملامح الاستبداد السياسي للظلاميين، إذ جرى اجتماع موسع لقادة المجموعات المسلحة وتم خلاله الاتفاق بترسيخ النمط الاستبداديّ لحكم البلاد، أعطي شخص واحد كامل الصلاحيات التنفيذية والتشريعية في إدارة الدولة، وهذا تأكيد على نظام حكم ديكتاتوري سافر تابع لانتداب تركي يريد أن يقوم في سوريا بتحولات ذات طابع ظلامي متطرف، لا يستطيع أن يقوم بمثلها في بلاده».
واعتبر البيان قرار حل الأحزاب «خطوة أولى ستتبعها خطوات أخرى في التضييق على جميع القوى الوطنية والديمقراطية الحقة» مشيراً إلى أن «الحزب الشيوعي الذي تجاوز عمره مئة عاماً، لن يخضع لهذا القرار الجائر بحله وسيستمر في نضاله».
قرار «جائر»
وقال: «نحن الشيوعيين السوريين، لا نهاب القمع والملاحقات، وتاريخنا شاهد على ذلك والشعب السوري يعرفنا بثباتنا على المبدأ ونزاهتنا في خدمة الشعب».
كذلك اعتبر الجناح الآخر للحزب الشيوعي السوري قرار حل الأحزاب بأنه «جائر ويتناقض مع وعود قطعتها الإدارة الحالية بعدم التفرّد بالسلطة، وأنها ستعمل على جمع كلمة السوريين». وجاء في بيان هذا الجناح: «إن حزبنا دافع عن الحريات الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وكان لأعضائه شرف المشاركة في الدفاع عن الوطن في 1967 و1973 وضحى 84 رفيقاً بحياتهم في مواجهة الكيان الصهيوني، ومنذ بداية الاحتجاجات المشروعة في 2011 كان حزبنا مع تلبية هذه المطالب ومع إجراء إصلاح سياسي واقتصادي واجتماعي، وأكدنا أن المسيرة السياسية للنظام السياسي لم تعد صالحة وطالبنا بالحل السياسي وعدم اللجوء الى السلاح والإفراج عن جميع المعتقلين».
واعتبر «الشيوعي السوري الموحد» حل الأحزاب بأنه «يتعارض مع طموحات شعبنا إلى نظام ديمقراطي مدني، ويعرقل بناء سوريا الجديدة» وطالب «مصدري قرار حل الأحزاب بالتراجع عن القرار الذي لا يخدم وحدة السوريين».
نصف قرن من التطبيل
ورغم تضامن كثيرين وخصوصا من أنصارهم مع الحزبين الشيوعيين، إلا أن آخرين انتقدوا بشدة بيانات الحزبين، وقال الأستاذ المشارك في كلية الطاقة وعلوم الأرض والبنية التحتية والمجتمع في جامعة «هيريوت وات» في دبي ربيع رستم، إن «الحزب الشيوعي السوري عاد إلى ساحة النضال، هذه المرة ليس ضد الاستبداد الحقيقي الذي طحن البلاد لعقود، ولا ضد نظام البعث الذي استعمله كقطعة أثاث في صالونه السياسي، بل ضد «الظلاميين» الجدد، أولئك الذين سرقوا منه امتياز التصفيق والطاعة».
«نكتة سيئة»
وزاد عبر صفحته الخاصة «في بيان ثوري ملتهب، تنبض كلماته بروح الشجاعة بعد فوات الأوان، يعلن الحزب الشيوعي السوري رفضه للاستبداد الجديد، بعد أن قضى نصف قرن يطبل ويزمر لاستبداد أقدم، بحماسة جعلت حتى أجهزة الأمن نفسها تشعر بالحرج! لقد كان الحزب وفياً لمبادئه إلى درجة أنه لم يرَ في القمع والاعتقال والفساد المستشري أي سبب يستحق إصدار بيان، لكنه الآن، وبعد أن تغيرت قواعد اللعبة، اكتشف فجأة أن الديكتاتورية أمر غير مقبول.
وتابع: «يتحدث البيان عن القمع والاستبداد وكأنه ظاهرة جديدة، وكأن عشرات السنين من حكم الأسد الأب والابن كانت فترة ذهبية من الحريات والديمقراطية! عجيب كيف أن الحزب لم يتذكر الديمقراطية إلا عندما أصبح هو خارج اللعبة، أما حينما كانت السجون تمتلئ بالمعارضين من كل التيارات، فقد كان يكتفي بإصدار بيانات التأييد، مع بعض التعديلات اللغوية البسيطة لإثبات أنه كيان مستقل».
وخلص رستم إلى القول: «لا شك أن النضال ضد الاستبداد واجب، ولكن عندما يصدر هذا النداء ممن قضوا حياتهم يخدمون أعتى أشكال الاستبداد فإنه يصبح مجرد نكتة سيئة».
المحاصصة المذهبية
باقي أحزاب الجبهة الوطنية في سوريا آثر الصمت الإعلامي تجاه قرار حلّهم، والقلق والخوف من الواقع الجديد هو العامل الأساس في ذلك، فهم كانوا شركاء الحزب الحاكم في المرحلة السابقة أو على الأقل شهوداً صامتين لا حول لهم ولا قوة.
وقال القيادي في الحزب السوري القومي الاجتماعي طارق الأحمد إن «مخاطر التوجه نحو حل الأحزاب على الدولة يكمن في أنه سيحولها (البلاد) إلى الشكل الذي يدعي مؤيدوها اليوم أنهم ضد الديكتاتورية» متسائلاً: «أليس قيام (الرئيس المصري الأسبق جمال) عبد الناصر بحل الأحزاب عام 1958 هو ما مهد لتجفيف الحياة السياسية في سوريا وصولا إلى الديكتاتورية».
وتابع: «قلت قبل صدور القرارات الأخيرة، إنهم لا يعترفون بالأحزاب، وجاءت القرارات لتؤكد تخوفاتنا بأن النظام السياسي ذاهب للتشكل على أساس المحاصصة المذهبية التي لم تجلب للبلاد سوى الشقاق والقتال والخراب» مشدداً على أن «التنظيمات الحزبية هي الكفيلة بمنع الشقاق والتشرذم والحرب الأهلية».
![](https://annasnews.com/wp-content/uploads/2025/01/f8dcb3b3-f7c9-4372-bf94-c17389b8f9f4-1.jpg)