سيدني – الناس نيوز ::
على مدار الأسبوعين الماضيين، استمعت محكمة صغيرة تقع في منطقة نائية في شرق أستراليا، إلى أدلة مثيرة وغير عادية حول الوفاة المفاجئة لاثنين من السكان المحليين.
توفيت ناتاشا ليشنر إثر إصابتها بمرض في القلب بشكل مثير للريبة، بينما تعتقد السلطات أن الشاب جاراد أنتونوفيتش توفي بعد معاناته من تقيء شديد.
الحادثتان وقعتا بعد فترة وجيزة من استخدامهما لمخاط الضفادع السام الذي يعرف باسم كامبو خلال ممارسة أحد الطقوس الأمازونية القديمة. وقع الحادثان في منطقة شمال نيو ساوث ويلز – وهي منطقة تشتهر بغاباتها المطيرة الخضراء وشواطئها الخلابة، ولكن أيضاً بالطب البديل.
يحقق الطبيب الشرعي الآن في الخطأ الذي حدث وما إذا كان بالإمكان فعل أي شيء للحيلولة دون وقوع مأساة أخرى.
كامبو، المعروف أيضاً باسم سابو، مادة شمعية يتم استخلاصها عن طريق كشط جلد ضفدع القرد العملاق وهو لا يزال حياً.
يفرز الضفدع، المنتشر في جميع أنحاء الأمازون، المادة كآلية دفاع، لتحذير الحيوانات التي تحاول التهامها أو قتلها.
ولكن في حفل كامبو، يستخدمه البشر في ما يسمى بعملية إزالة السموم المكثفة.
بعد أن يشرب المشاركون أكثر من لتر من الماء، يتم إحداث جروح صغيرة على بشرتهم وجلدهم، وتوضع المادة على تلك الجروح المفتوحة.
يتسبب ذلك في ارتفاع ضغط الدم وتسرع ضربات القلب و “تطهير الجسم” عن طريق التقيؤ أو الخروج وغالباً الإثنان معاً.
تتفاوت الأعراض في شدتها، وعادة ما تستمر لمدة تصل إلى نصف ساعة.
استخدم السكان الأصليون في أمريكا الجنوبية الكامبو لعدة قرون، معتقدين أنه يجنبهم الحظ السيء ويحسن مهارات الصيد لديهم.
في الوقت الراهن هو طقس شاماني، ويؤكد مؤيدوه على أنه يخلص الجسم من السموم ويجعل الذهن أكثر صفاءً ويعالج الأمراض المختلفة، لكن لا يوجد دليل علمي يثبت فوائده الصحية المفترضة، وقد تم حظره من قبل الجهات الصحية في أستراليا.
تحدثت تقارير عن تسبب كامبو بحالات وفاة وجلطات وفشل كلوي ونوبات قلبية.
وفي 8 مارس/آذار 2019 ، أقامت ناتاشا ليشنر حفل كامبو في منزلها في مولومبيمبي، التي تبعد 20 دقيقة بالسيارة عن مدينة بايرون باي الساحلية.
كانت تعاني من السمنة المفرطة، لذلك لجأت إلى العلاج البديل للتعامل مع آلام الظهر المزمنة.
وفي غضون ثوانٍ من تطبيق كامبو على خمسة جروح صغيرة في صدرها وذراعها، فقدت الوعي وماتت بعد بضع دقائق فقط.
كانت الفتاة البالغة من العمر 39 عاماً قد تدربت على ممارسة كامبو قبل شهرين فقط من وفاتها، لكن قيل في المحكمة أنها لم تُحذر من خطر الموت المفاجئ الذي يمثله استخدام الكامبو.
وعلى الرغم من أنها كانت مع ممارس كامبو آخر، وأجرى لها التنفس الاصطناعي لإنعاشها، إلا أنه لم يستدعي سيارة إسعاف للمرأة.
وعندما عادت زميلتها بالسكن إلى البيت بعد 10 دقائق من الحادث، وجدت صديقتها طريحة الأرض والزبد يملأ فمها. ويُعتقد أنها ماتت بسبب “أزمة قلبية حادة”.
استغرقت وفاة جاراد أنتونوفيتش في 16 أكتوبر/تشرين الأول في عام 2021 فترة أطول. حيث ذهب إلى كيوغلي التي تبعد مسافة ساعة بالسيارة عن ساحل جزيرة بايرون، واعتكف هناك لمدة ستة أيام أثناء خضوعه لكامبو.
كان يعاني أيضاً من أمراض مزمنة؛ فقد كان مصاباً في دماغه في حادث سيارة قبل عقدين من الزمن، مما جعله يعاني من صعوبات في النطق والحركة.
كما قيل في تحقيقات هذا الأسبوع أن الشاب البالغ من العمر 46 عاماً، بدا مريضاً في وقت مبكر من يوم وفاته، وبمرور تسع إلى عشر ساعات من العلاج، لم يعد قادراً على المشي بدون مساعدة وكان وجهه ورقبته منتفخين بشدة.
ويُعتقد أنه تناول أيضاً في وقت ما في المساء، آياهواسكا، وهو دواء آخر يؤدي إلى القيء الشديد إلى جانب الهلوسة.
بحلول الساعة 23:30 كان قد فقد وعيه، وأخيراً اتصل أحدهم بالإسعاف.
وفي جلسة التحقيق، استمعت هيئة محكمة نيو ساوث ويلز، إلى مسعفين قالوا إنهم عند وصولهم إلى مكان الحادث، كانت لا تزال هناك “مراسم” مستمرة، حيث أبعدتهم امرأة عن أنتونوفيتش متهمة إياهم بالتدخل في “هالته”.
لم يذكر أحد كامبو أو أياهواسكا اللذين تناولهما أنتونوفيتش، بل قيل للمسعفين إنه يعاني من نوبة ربو. في الواقع كان يعاني من تمزق المريء.
لجأت كل من الشابة ليشنر والشاب أنتونوفيتش إلى العلاجات البديلة لسد الفجوة التي شعرا بأن الرعاية الصحية التقليدية تغافلت عنها.
تبحث أسرتا الضحيتين عن أجوبة عن سبب وفاتهما، وتدرك الأسرتان أن أبناءهم تناولوا تلك المادة طواعية، لكنهم يتساءلون عما إذا كان هناك مستوى غير مبرر أو غير ضروري من المخاطر.
قال جلين أنتونوفيتش، والد جاراد: “الأمر غير منطقي”. وذكر في التحقيق: “لم يكن هناك طاقم طبي ولا تقليل للمخاطر”.
ماذا سيحدث لاحقاً؟
سيقدم القاضي الشرعي في الولاية النتائج والتوصيات فيما يتعلق بحالتي الوفاة.
شملت التحقيقات التي جرت تحديد الطرق اللازمة لتلافي وفيات مماثلة في المستقبل.
عندما حظرت إدارة المنتجات العلاجية الأسترالية عقار كامبو في عام 2021 ، صنفته ضمن خانة المواد العشر الأكثر سمية في مجال الأدوية والمواد الكيميائية.
يقول دانيال بيركنز، الذي يرأس معهداً لأبحاث الأدوية المخدرة في ملبورن: “ينظر إلى هذه المواد على أنها تشكل خطراً كبيراً على سلامة الإنسان بحيث لا يمكنك حتى استخدامها في البحوث”.
لكن الأشخاص الذين يشعرون بالإحباط بسبب الطب التقليدي يبحثون بشكل متزايد عن علاجات بديلة.
يقول بيركنز: “هناك عدد متزايد من الأشخاص الذين جربوا الأدوية القادمة من الغرب لحالات الصحة العقلية بشكل أساسي، ولم تجدِ تلك العلاجات أي نفع”.
في حين أن بعضاً منها خطرة، لكن ثمة نقاش أيضاً حول ما إذا كان حظر العلاجات أو الأدوية البديلة سيؤدي إلى تحسين الأمان بالفعل.
وعلى الرغم من أن مواد مثل أياهواسكا غير قانونية منذ فترة طويلة “لكن إذا كان هناك طلب عليها، فسيستمر الناس في استخدامها، ولا يمكنك معرفة ماذا يحدث، لا عن فوائدها المحتملة ولا أضرارها”.
عندما يتم إلغاء تجريم الدواء أو تنظيمه، يمكن للسلطات ضمان الحد الأدنى من معايير السلامة، بما في ذلك متطلبات التدريب ومعايير جودة المنتج.
يشير الدكتور بيركنز إلى قرار إدارة المواد العلاجية الأسترالية الأخير بالسماح باستخدام الفطر السحري و MDMA في ظروف طبية محدودة.
هذا القرار جعل أستراليا الدولة الأولى في العالم التي تعترف رسمياً بالمواد المخدرة ( psychedelics) كأدوية.
يقول: “يمكنك تقديم المزيد من الإرشاد وبعض الثقة للأشخاص الذين يقومون بذلك”.
“قد لا ينجح ذلك، ولكن على الأقل الخبرة التي لديهم يجب أن تفي بالحد الأدنى من معايير السلامة”.