fbpx

الناس نيوز

جريدة إلكترونية أسترالية مستقلة

رئيس التحرير - جوني عبو

Edit Content
Generic selectors
Exact matches only
Search in title
Search in content
Post Type Selectors
Filter by Categories
آراء
أخبار
أستراليا
إدارة وتكنولوجيا
إعلان
اقتصاد
اقتصاد أستراليا
اقتصاد عالمي
اقتصاد عربي
تقارير وتحقيقات
ثقافة وفنون
حكايا
خبر رئيس
رياضة
رياضة أستراليا
رياضة عالمية
رياضة عربية
سياحة وسفر
سياسة أسترالية
سياسة عالمية
سياسة عربية
صحة
صور
عدسة
فن الناس
في الوطن الجديد
فيديو
كاريكاتير
لايف ستايل
متفرقات
مجتمع
مجتمع الناس
موضه
Generic selectors
Exact matches only
Search in title
Search in content
Post Type Selectors
Filter by Categories
آراء
أخبار
أستراليا
إدارة وتكنولوجيا
إعلان
اقتصاد
اقتصاد أستراليا
اقتصاد عالمي
اقتصاد عربي
تقارير وتحقيقات
ثقافة وفنون
حكايا
خبر رئيس
رياضة
رياضة أستراليا
رياضة عالمية
رياضة عربية
سياحة وسفر
سياسة أسترالية
سياسة عالمية
سياسة عربية
صحة
صور
عدسة
فن الناس
في الوطن الجديد
فيديو
كاريكاتير
لايف ستايل
متفرقات
مجتمع
مجتمع الناس
موضه
Edit Content
Generic selectors
Exact matches only
Search in title
Search in content
Post Type Selectors
Filter by Categories
آراء
أخبار
أستراليا
إدارة وتكنولوجيا
إعلان
اقتصاد
اقتصاد أستراليا
اقتصاد عالمي
اقتصاد عربي
تقارير وتحقيقات
ثقافة وفنون
حكايا
خبر رئيس
رياضة
رياضة أستراليا
رياضة عالمية
رياضة عربية
سياحة وسفر
سياسة أسترالية
سياسة عالمية
سياسة عربية
صحة
صور
عدسة
فن الناس
في الوطن الجديد
فيديو
كاريكاتير
لايف ستايل
متفرقات
مجتمع
مجتمع الناس
موضه

جريدة إلكترونية أسترالية مستقلة

رئيس التحرير - جوني عبو

أســــرار تـابـوت الـعهد في التوراة

تابوت العهد هو العنصر الرئيسي في الأثاث الطقسي للمسكن الذي كان يقيم فيه يهوه بين شعبه في برية سيناء، وكان بمثابة عرش ليهوه ومن فوقه كان يسمع موسى صوته (العدد 7: 89). وكان الصوت يصدر عن الغمامة التي تعلو التابوت (لاويين 16: 2). وفي سفر الخروج 25، أعطى يهوه موسى تعليماته بخصوص كيفية صنع التابوت والمواد المستخدمة في ذلك. فهو عبارة عن صندوق من خشب السنط طوله ذراعان ونصف وعرضه ذراع ونصف وارتفاعه ذراع ونصف، مغشَّى من داخله وخارجه بالذهب الخالص، وعلى مستديره من الأعلى إكليل من الذهب. وهنالك أربع حلقات من ذهب حلقتان على كل جانب وعصوين من خشب السنط المغشى بالذهب تولجان في الحلقات على الجانبين، تستخدمان في نقل التابوت الذي يحمله أربعة اثنان من الأمام واثنان من الخلف، وكل منهم يمسك بالطرف البارز من العصا. وغطاء التابوت من ذهب وفوقه يقف كائنان مجنّحان يظللان على الغطاء بأجنحتهما، يُدعى واحدهما كَروباً. وهذان الكَروبان يقفان قبالة بعضهما واحد على طرف من هنا والثاني على طرف من هناك، باسطين أجنحتهما إلى فوق مظللين بهما على الغطاء ووجهاهما نحو بعضهما ونحو الغطاء. بين هذين الكروبين هنالك مجلس يهوه.

وكان على موسى بعد الانتهاء من صنع التابوت أن يضع فيه اللوحين الحجريين اللذين نقش عليهما يهوه الوصية والشهادة: “وفي التابوت تضع الشهادة التي أعطيك، وأنا أجتمع بك هناك وأتكلم معك من على الغطاء بين الكروبين” (الخروج 25: 10-22). وفي الشكل رقم /1/ لدينا رسم يعيد تصور شكل تابوت العهد كما ورد في تعليمات يهوه التي فصلناها أعلاه، ولكن الكروبين مصوران على هيئة إنسانية ذات أجنحة تبعاً للمفهوم المسيحي اللاحق. أما في التصورات التوراتية

المستمدة من الذخيرة الرمزية لثقافات الشرق القديم، فإن الكروب (أو السفينكس) هو كائن هجين له جسد حيواني ورأس إنساني وجناحان، على ما سنوضح في حينه.

ويشار إلى تابوت العهد في الكتاب بعدد آهر من الأسماء، فهو تابوت القُدس (2أخبار 35: 3)، وتابوت الله (1صموئيل 3:3)، وتابوت عز الرب (2أخبار 6: 41)، وتابوت الشهادة (الخروج 25: 22). وتضيف المصادر المسيحية إلى محتوياته وعاء ذهبي يحتوي على بعض المَنّ الذي أكله بنو إسرائيل طيلة أربعين عاماً، وعصا هارون الشهيرة وقد أورقت (العهد الجديد، الرسالة إلى العبرانيين 9: 4). وقد ورد ذكر تابوت العهد في القرآن الكريم في موضع واحد نفهم منه إشارة إلى عودة التابوت إلى بني إسرائيل بعد أن أخذه الفلسطينيون غنيمة زمن النبي صموئيل: “وقال لهم نبيهم إن آية مُلْكِهِ أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم، وبقية مما ترك آل موسى وآل هرون تحمله الملائكة. إن في ذلك آية لكم إن كنتم مؤمنين.” (2البقرة: 248). والنبي المذكور هنا هو صموئيل. والبقية مما ترك آل موسى وآل هارون التي في التابوت هي لوحا الوصية والشهادة ووعاء المن وعصا هارون التي أورقت. وعلى الرغم من أن كلمة “سكينة” في النص القرآني يمكن أن تعني طمأنينة، إلا أنه من المرجح أن تكون استعارة من العبرية التوراتية حيث ترد كلمة “شخينة” بمعنى حضور الرب، وتترجم في النص العربي للتوراة إلى “مجد الرب” (راجع على سبيل المثال سفر الملوك الأول 8: 10-11).

وكان بنو إسرائيل يحملون التابوت خلال ترحالهم في سيناء يتقدمه يهوه على هيئة عمود من سحاب في النهار وعمود من نار في الليل لكي يهديهم الطريق. وعندما عبروا به نهر الأردن انشقت مياه النهر ومشوا على اليبس. وخلال حصار مدينة أريحا أمر الرب يشوع أن يدور برجال الحرب حول سور المدينة في كل يوم مرة ومعهم الكهنة حاملو التابوت إلى تمام سبعة أيام، لأن السور في اليوم السابع سوف يسقط من تلقاء ذاته على صوت الأبواق وصوت هتاف الشعب، وهكذا كان. بعد ذلك بقي في الجلجال مدة ثم نُقل إلى شيلوة حيث بقي في قرية يعاريم إلى أن جاء به داود ووضعه مع خيمته في أورشليم. وبعد أن أنهى سليمان بناء الهيكل نقل التابوت إليه ووضعه في القسم الداخلي المدعو بقدس الأقداس. بعد دمار أورشليم وهيكلها على يد البابليين عام 587 ق.م يختفي ذكر تابوت العهد، ويبدو أنه احترق مع ما احترق وتهدم من الهيكل.

مع تعليماته بخصوص صناعة تابوت العهد، أعطى يهوه موسى تعليمات أخرى بخصوص صناعة الخيمة التي يوضع فيها التابوت، وتدعى هذه الخيمة بالمسكن (بالعبرية مِشكن) لأنها ستكون مكاناً لسكناه بين شعبه. كما تدعى بخيمة الاجتماع لأن فيها كان يهوه يجتمع مع موسى ويتحدث إليه. فهي والحالة هذه مقام ديني متنقل تحمله معها الجماعات الرعوية كلما انتقلت من أرض إلى أخرى، سهل الطي والحمل وأثاثه الطقسي بسيط وخفيف. وكانت هذه الخيمة تنصب في موضع يبعد مسافة لا بأس بها عن مضارب خيام الإسرائيليين.

وتوصف الخيمة في سفر الخروج 25-27 على الشكل التالي: عندما تنصب الخيمة يكون بابها باتجاه الشرق، وهي مصنوعة من جلد الماعز أما سقفها فمن جلد الخراف. وتتألف من الداخل من قسمين قسم خارجي يدعى بالقدس (بالعبرية كودِش) وقسم داخلي يدعى بقدس الأقداس (كودِش هاكوداشيم). فإذا عبر المرء الباب يجد ثلاث قطع من الأثاث الطقسي، فإلى اليسار هناك شمعدان سباعي الشُّعَب (بالعبرية مينورة)، وإلى اليمين هناك منضدة لخبز القربان، وإلى الأمام هناك مذبح صغير لتقدمات البخور. ووراء المذبح ستارة تفصل القسم الخارجي عن القسم الداخلي، وتحجب تابوت العهد الذي يتصدر قدس الأقداس عن الأنظار. ويحيط بالمسكن من الخارج باحة يحدها سياج مصنوع من العصي والحبال يفصل المنطقة المقدسة عن المجال الدنيوي الخارجي، وفيها مذبح القرابين الحيوانية الذي يقع أمام باب الخيمة المفتوح على الخارج (انظر الشكل 2).

وبعد أن أنهى موسى صنع المسكن وفق تعليمات الرب: “غطت السحابة خيمة الاجتماع وملأ بهاء الرب المسكن فلم يقدر موسى أن يدخل خيمة الاجتماع لأن السحابة حلت عليها وبهاء الرب ملأ المسكن. وعند ارتفاع السحابة عن المسكن كان بنو إسرائيل يرتحلون في جميع رحلاتهم وإن لم ترتفع السحابة لا يرتحلون إلى يوم ارتفاعها. لأن سحابة الرب كانت على المسكن نهاراً وكانت فيها نار ليلاً أمام عيون كل بيت إسرائيل.” (الخروج 4: 34-36).

وقد بقي يهوه مقيماً في هذه الخيمة إلى أن فكر الملك داود ببناء بيت له وقال للنبي ناثان: “أُنظر إني ساكن في بيت من أرز وتابوت الله ساكن داخل الشُّقق. فقال ناثان للملك: اذهب افعل كل ما بقلبك لأن الرب معك.” ولكن الرب لم يكن راغباً في أن يبني داود له بيتاً وفضّل البقاء في مسكنه المتواضع في انتظار ارتقاء سليمان العرش. فقال لناثان: “اذهب وقل لعبدي داود هكذا قال الرب. أَأنت تبني لي بيتاً لسكناي؟ لأني لم أسكن في بيت منذ يوم أصعدتُ بني إسرائيل من مصر إلى هذا اليوم، بل كنت أسير في خيمة وفي مسكن. فهل تكلمتُ في كل مسيري مع جميع بني إسرائيل بكلمة إلى أحد قضاة إسرائيل الذين أمرتهم أن يرعوا شعبي إسرائيل قائلاً لماذا لم تبنوا لي بيتاً من الأرز؟… متى كَمُلَتْ أيامك واضطجعتَ مع آبائك أقيم بعدك نسلك الذي يخرج من أحشائك وأُثبّت مملكته هو يبني بيتاً لاسمي وأنا أُثبّت كرسي مملكته إلى الأبد.” (2صموئيل 7: 1-13).

والسؤال الذي أود أن أطرحه الآن هو: إذا كان مثل هذا الصندوق الخشبي ذو الوظيفة الطقسية قد وُجد فعلاً لدى جماعة الخروج التي كانت تتجول في المناطق الجنوبية الصحراوية قبل أن تلتحق بمجتمع المرتفعات الفلسطينية الجديد حاملة معها عبادة يهوه، فما هو الأصل الحقيقي للصندوق وعلى ماذا احتوى فعلاً قبل أن تخضع ذكرياته الباقية للصقل والتحوير بما يتلاءم مع الديانة التوراتية المتأخرة؟ والنتيجة التي يمكن أن توصلنا إليها دراسة عقائد وممارسات سكان الصحاري الجنوبية في آدوم وسيناء وسعير وفاران، وهي المناطق التي جاء منها يهوه، على ما نفهم من عدد من الإشارات المتفرقة في النص التوراتي، هي أن الصندوق كان يحتوي على لوحين أو كتلتين من الحجر، ولكنها ليسا لوحا الوصية المكتوبة بإصبع الرب وإنما شيء آخر ذو طبيعة لا تقل قداسة عن لوحي الوصية. لقد كانا نصبين حجريين مقدسين يعبّران عن حضور الألوهة بين تلك الجماعة الصحراوية الرعوية المرتحلة، تحملها في صندوق خشبي متى ظعنت ثم تعيد نصبها في خيمة خاصة متى وضعت عصا الترحال. وربما استُخدم الصندوق الخشبي نفسه كمنصة يوضعان عليها. مثل هذا الاستنتاج لا يقوم على فرضية خيالية وإنما على وقائع أثرية، فقد عثرت التنقيبات الأثرية في منطقة مديان (التي أقام بها موسى عند الكاهن يثرون عدة سنوات وتزوج إحدى بناته) قرب خليج إيلات، على بقايا خيمة مقام ديني يرجع بتاريخه إلى القرن الثاني عشر قبل الميلاد، أي إلى زمن قريب جداً من زمن الخروج. وهو يتكون من مساحة مربعة يحددها جدار واطئ من حجارة مرصوفة له مدخل يتجه نحو الشرق، وفوقه نُصبت خيمة على ما يبدو من بقايا قماش الخيام التي وُجدت في الموقع. وفي صدر المقام تقوم خمسة أنصاب حجرية من النوع الذي صار بإمكان المنقبين التعرف عليها باعتبارها أنصاباً مقدسة.(i)

وقد قام المنقب عوزي أفنر بمسح شامل للمناطق الصحراوية الواقعة إلى الجنوب من فلسطين وشرقي الأردن، متتبعاً آثار الأنصاب المقدسة فيها منذ العصور الحجرية إلى الألف الأول قبل الميلاد ووجد الكثير منها في كل مكان. وقد لاحظ أفنر أن هذه الأنصاب توجد إما منفردة أو في مجموعات من اثنين أو ثلاثة أو سبعة. وهذه الأرقام ذات دلالة في المنظومة الرمزية التي عبرت عنها ميثولوجيا الشرق القديم وفنونه الأيقونية (والمقصود بالأيقونية هنا هو فن التصوير الديني). ويبدو أن المجموعة الثنائية تمثّل معبودَيْن أحدهما مذكّر والآخر مؤنث. وهنا يُرمز للألوهة المذكرة في كل هذه المجموعات الثنائية بحجر طويل، ويرمز للألوهة المؤنثة بحجر أقصر وأعرض ويميل إلى الاستدارة والتفلطح أحياناً. ودائماً يتخذ الحجر القصير المؤنث موضعه إلى يسار الحجر الطويل المذكر. ومثل هذه العلاقة بين اليمين واليسار نجدها في 72% من عينة عشوائية أُخذت من الفنون التمثيلية للشرق القديم، حيث نجد الأنثى واقفة إلى يسار الذكر. أما البقية من هذه العينة العشوائية فإن الوقفة العكسية تفرضها دوماً أسباب تتعلق بموضوع الصورة وتكوينها الفني.

في المجموعات الثلاثية غالباً ما نجد حجراً طويلاً وعريضاً وعن يمينه ويساره حجران أصغر منه. ومثل هذا الترتيب يُحضر إلى الذهن ما نجده في الفن الأيقوني الكنعاني حيث تقوم في وسط التكوين ألوهة مؤنثة تحمل بيديها حزمتين من النبات وعن يمنيها ويسارها تيسان يشبّان على قوائمهما الخلفية لضم أوراق النبات، أو ألوهة مؤنثة كاشفة عن ثدييها في وضعية الإرضاع وإلهين صغيرين يشرئبان نحوها لمص حليبها، أو ألوهة مؤنثة عارية تقف على أسد يقصدها من اليمين واليسار إلهان. وأما في المجموعات السباعية فغالباً ما تصطف الأحجار العريضة والضيقة بالتناوب. ومثل هذه السباعية تذكرنا بقدسية الرقم سبعة في المنظومة الرمزية المشرقية، وبالآلهة السبعة الكبار في مجمع الآلهة الرافدينية، وبالحكماء السبعة الذين حكموا قبل الطوفان السومري – البابلي، وبأعمدة الحكمة السبعة في سفر الأمثال التوراتي 9: 1-3(ii).

جميع هذه الأنصاب الصحراوية تتوجه نحو الشرق كما هو حال مدخل مسكن يهوه الصحراوي، وكذلك مدخل هيكل أورشليم الذي بُني وقف تصميم المسكن القديم، وهي منتقاة من الجلمود الطبيعي الخام الذي لم يخضع لعملية صقل أو تشذيب. وهذا ما يُذكّر المرء بوصية الرب لموسى: “إن صنعت لي مذبحاً من حجارة فلا تبنِه منها منحوتة. إذا رفعتَ إزميلك عليها تدنّسها.” (الخروج 20: 25). وعلى عكس هذه الأنصاب الطبيعية الصحراوية فإن الأنصاب التي وُجدت في الأراضي الزراعية الداخلية قد خضعت لعملية تشذيب أعطتها شكلاً مختلفاً عن شكلها الطبيعي. وقد بقيت هذه الأنصاب موضع تقديس لدى الساميين الغربيين حتى العصر الهيلينستي، حيث نجد المؤلفين الكلاسيكيين يدعونها بالاسم الذي سمعوه من أصحابها، فقالوا بيتيل/Betyl، أو بيتولي/Beatuli، أو بيتيليا/Baitylia، ووصفوها بأنها أحجار تمتلك قوى سحرية غامضة وتسكنها الأرواح. وقد تأسس مصطلح بيتيل في البحث الحديث للدلالة على النصب الحجري المقدس. وهذا المصطلح وأشباهه يرجع في أصله إلى التسمية السامية بيت إيل، أي بيت الإله. ولدينا في النقوش السامية الغربية أكثر من مثال على هذه التسمية التي أُطلقت على الحجر المقدس، ومنها نقش السفيرة (قرية قرب مدينة حلب) الذي يرجع بتاريخه إلى القرن التاسع قبل الميلاد. وهو عبارة عن نص معاهدة بين مملكتين في الشمال السوري هما أرفاد وكتك، منقوشة بالآرامية على ثلاثة أنصاب حجرية يشير إليها النص على أنها: ب ت ي. أ ل ه ي ا. (כחג.יעןגי) أي بيوت الآلهة.(iii) وعلى الرغم من أن النص التوراتي دعا هذه الأحجار المقدسة ماصّيبوت، أي الأنصاب ومفردها ماصّيبه، إلا أن تسمية بيت إيل لم تكن غائبة عن ذهن المحرر التوراتي. فعندما تجلى الرب ليعقوب في نومه وهو نائم في البرية، استيقظ من نومه وقال: “حقاً إن الرب في هذا المكان… ما هذا إلا بيت الله وهذا باب السماء. وبكر يعقوب في الصباح وأخذ الحجر الذي وضعه تحت رأسه وأقامه عموداً وصب زيتاً على رأسه ودعا المكان بيت إيل.” (التكوين 28: 10-19).

فإذا كانت عبادة يهوه في مناطق المرتفعات الفلسطينية قد وفدت إليها من الصحارى الجنوبية حيث كان الإله يُعبد من خلال نصب حجري لا من خلال صورة منحوتة، فإن تحريم الشريعة التوراتية لصنع صورة معبودة للإله مما ورد في البند الثاني من الوصايا: “لا تصنع لك تمثالاً منحوتاً ولا صورة ما” يجد أصوله البعيدة في تلك التقاليد الصحراوية التي كانت تنفر من تصوير آلهتها في هيئة حية حيوانية كانت أم إنسانية.

القوى الغامضة لتابوت العهد:

تحيط بتابوت العهد تحريمات عديدة على رأسها تحريم النظر وتحريم اللمس. فهنالك غطاء خاص يجلله ويحميه من العيون، وستارة تفصل مكانه في قدس الأقداس عن البهو الخارجي. ومقامه المقدس سواء في خيمة المسكن أم في هيكل أورشليم، لا يدخله إلا الكهنة المعينون للخدمة، ومن بين هؤلاء لا يدخل إلى قدس الأقداس إلا الكاهن الأعلى في مناسبات طقسية معينة. لذلك فإن مذبح البخور يقع وراء الستارة في البهو الخارجي لا في قدس الأقداس. أما باقي الشعب فلا يقتربون من المقام الذي لا يلعب دور بيت عبادة للجميع، بل هو مسكن مقدس للإله تدنسه أقدام غير المكرسين لخدمته، ولذلك فإن مذبح القرابين يقع في الفناء الخارجي للمقام حيث يمكن للجميع المشاركة في الطقوس العامة المتاحة للجميع.

ويمتلك التابوت قوة غامضة تُنزل العقوبة التلقائية والفورية بمن ينتهك التحريمات المتعلقة به، تبدو أشبه بصعقة تيار كهربائي قاتلة في بعض الأحيان. فعندما قرَّب ناداب وأبيهو ابني هرون الموكلينن بأداء الشعائر أمام خيمة المسكن ناراً غريبة على مذبح البخور لم ترد في تعاليم يهوه الطقسية، خرجت نار من جهة التابوت وأكلتهما فماتا (اللاويين 10: 1-3). وعندما غنم الفلسطينيون التابوت وجاؤوا به إلى مدينتهم صدرت عنه قوة مؤذية أصابتهم بالأمراض والأوبئة. وعندما تخلصوا منه ومن أذاه وأعادوه على عربة دون سائق تجرها بقرتان عرفتها طريقهما، وصل التابوت إلى بلدة بيتشمس وكان بلا غطاء فرفع أهل البلدة عيونهم ونظروا إلى التابوت مات منهم خمسون ألفاً جرّاء انتهاكهم تحريم النظر (1صموئيل: 6). وعندما كان داود ينقل التابوت إلى أورشليم على عربة يسوقها عزة وأخيو ابنا أبيناداب، انشمصت الثيران التي تجر العربة ومال التابوت فكاد أن يسقط، فمد عزة يده وأمسك به فمات على الفور (2صموئيل: 6).

على الرغم من أن راوي هذه القصص يجعل عقوبة انتهاك التحريم تأتي من الرب، إلا أننا في الواقع لا نستطيع فهم هذه التحريمات ورد الفعل الناجم عن الموضوع المقدس، إلا بالرجوع إلى أفكار دينية مغرقة في القدم وسابقة على أديان الثقافات العليا للشرق القديم وعلى الدين التوراتي. وهذه الأفكار ما زالت فاعلة في ثقافات الشعوب التقليدية التي بقيت خارج خط التطور الرئيسي للحضارة الإنسانية، والتي كانت موضع دراسة علم الانتروبولوجيا الحديث، وعلى رأس هذه الأفكار فكرة المانا وما يتعلق بها من فكرة التابو. وكلا هاتين الفكرتين لا صلة بهما بالشخصيات الإلهية الفاعلة في الطبيعة، بل بالقوى السحرية الغفلة وغير المشخصة. فنحن عند جذور الدين وأصوله لا نواجه آلهة ذات قدرة وإنما قوى منبثة في العالم وشعائر بدون آلهة، من شأنها التعامل مع الآثار السلبية والإيجابية لهذه القوى. وسأكتفي هنا بعرض مفهوم “القوة” كما يتبدى في ثقافات جزر المحيط الهادي البولونيزية منها والميلانيزية.

من ميلانيزيا جاءنا مصطلح المانا الذي استخدمه الباحثون بعد ذلك للدلالة على معتقد “القوة” لدى بقية الثقافات التقليدية. وقد قدَّم مصطلح المانا إلى الحلقات الأنتروبولوجية لأول مرة المبشر كوردينغتون في كتابه عن جزر ميلانيزيا الصادر عام 1891. وهو يقول في تعريف المانا: “يعتقد الميلانيزيون بوجود قوة حيادية أخلاقياً وغير مادية يطلقون عليها اسم مانا. وعلى الرغم من أن هذه القوة غير مادية وفوق طبيعانية، إلا أنها تتبدى بشكل مادي وتُحدث آثاراً مادية. وهي لا تتركز في موضوعات معينة بل تتخلل كل شيء. وتدور ديانة ميلانيزيا حول طريقة التعامل مع هذه القوة وتوجيهها من أجل الإفادة من آثارها. غير أننا يجب أن لا ننساق إلى النظر إلى المانا باعتبارها شخصية إلهية عليا، لأن فكرة الإله الأعلى هي فكرة غريبة عن العقل الميلانيزي.”(iv)

انطلاقاً من ملاحظات كوردينغتون عن الديانة الميلانيزية، توسع باحثون آخرون في دراسة فكرة المانا في ديانات جزر المحيط الهادي، مثل الباحث ماريت/R. Marett الذي يقول في كتابه عتبة الدين/The Threshold of Religion الصادر في لندن عام 1909: “إن الميلانيزي يحس بحضور عالم فوق طبيعاني يتجلى كشيء خارق وغير مفهوم يستثير الإحساس بالروع، ويجد الإنسان نفسه في علاقة غير اختياريه معه ولا يمكن تجنبها. وهناك حالين للمواجهة مع ذلك العالم فوق الطبيعاني، حال إيجابي وآخر سلبي. الحال الأول يدعى بالمانا وهو الإحساس بفعالية ذلك العالم وآثاره في الإنسان والطبيعة. والثاني يدعى بالتابو وهو الإحساس بالجوانب الخطرة لتلك الفعالية واحتمالات الأذى الكامن فيها وضرورة مراقبتها بحذر.”(v)

يحتوي التابو على معنيين متعاكسين، فهو مقدس ومبارك من جهة، ومخيف وخطير ومحظور من جهة أخرى. ويعبر عن ذاته في عدد من التحريمات والمحظورات والتقييدات، وهذه التحريمات شيء مغاير للتحريمات الدينية والأخلاقية ولا ترجع إلى أوامر إلهية من أي نوع. وبالتالي فإن عقوبة انتهاك المحرمات لا تأتي من قبل إله ما، بل هي عقوبة تلقائية تأتي من التابو نفسه. فالأشخاص والأشياء الذين هم تابو يشبهون أشياء مشحونة كهربائياً، إنهم موضوع قوة رهيبة تتمخض عن ويلات. فالتابو والحالة هذه هو أقدم مجموعة قوانين غير مكتوبة لدى البشرية، ولكن ما يفرق قوانين التابو عن القوانين التي نعرفها، هو أننا لا نعرف مصدر قوانين التابو ولا الغاية والهدف منها. والأقوام البدائية تخضع لها كما لو كانت أمراً بديهياً ودون التساؤل عن مقاصدها، وهم مقتنعون بأن انتهاك التابو يستدعي القصاص التلقائي على أبشع صوره. وثمة معلومات موثوقة عن أن الانتهاك غير المقصود للتابو قد جرت معاقبته تلقائياً ودون التدخل من سلطة خارجية. ذلك أن الجاني البريء يقع عادة فريسة لاكتئاب شديد وينتظر موته ثم يموت فعلاً.(vi)

وعودة إلى موضوعنا نقول إن باستطاعتنا توسيع مفهوم التابو، باعتباره تحريماً غير مبرر ولا يقوم على مرجعية أخلاقية، ليشمل معظم بنود الشريعة التوراتية. فعلى الرغم من أن الوصايا الأخلاقية العشر قد تصدرت بقية الوصايا، إلا أن هذه الوصايا الأخلاقية قد ضاعت بعد ذلك في خضم آلاف وصايا التابو البدائي والأحكام الطقسية. فمعظم ما تلقاه موسى من أحكام في سفر الخروج يتعلق بكيفية أداء الطقوس أمام الرب، وطرائق تقديم الذبائح والقرابين، وكيفية صنع خيمة الاجتماع وتابوت العهد. أما سفر اللاويين فيُعتبر بحق سفراً للتابو العبراني. فهناك تابو اللمس (5: 1-3)، وتابو الطعام (11: 1-46)، وتابو المرأة في فترة الولادة والنفاس (12: 1-8)، وتابو البرص والقرع (13: 1-59)، وتابو السيلان (15: 1-33)، وتابو الدم (17: 1-16)، وتابو الجنس (20: 9-21)…الخ.

وإليكم على سبيل المثال بعض أحكام التابو المتعلقة بالطعام:

“كل ما شق ظلفاً (= حافراً) وقسمه ظرفين، ويجتر من البهائم فإياه تأكلون. إلا هذه فلا تأكلوها مما يجتر ومما يشق الظلف: الجمل، لأنه يجتر لكنه لا يشق ظلفاً، فهو نجس لكم. والوبر، لأنه يجتر ولا يشتق ظلفاً، فهو نجس لكم. والأرنب، لأنه يجتر ولا يشق ظلفاً. والخنزير، لأنه يشق ظلفاً ويقسمه ظلفين لكنه لا يجتر، فهو نجس لكم. وهذا تأكلونه من جميع ما في المياه: كل ما له زعانف وحراشف في المياه وفي البحار والأنهار فإياه تأكلون. لكن كل ما ليس له زعانف وحراشف فهو مكروه لكم. من لحمه لا تأكلوا… يلي ذلك تعداد نحو عشرة أنواع بمفرداتها يحرم أكلها، ومن مسَّها يكون نجساً.

وبعض أحكام التابو المتعلقة بالمرأة في فترة الولادة:

“إذا حبلت امرأة وولدت ذكراً تكون نجسة سبعة أيام، كما في أيام طمث علّتها تكون نجسة. وفي اليوم الثامن يُختن لحكم غرلته، ثم تقيم ثلاثة وثلاثين يوماً في دم تطهيرها، كل شيء مقدّس لا تمس… وإن ولدت أنثى تكون نجسة أسبوعين كما في طمثها، ثم تقيم ستة وستين يوماً في دم تطهرها… إلخ.

وبعض أحكام تابو الدم:

“كل إنسان من بيت إسرائيل ومن الغرباء النازلين في وسطكم يأكل دماً، أجعل وجهي ضد النفس الآكلة الدم وأقطعها من شعبها (أي تُقتل). لأن نفس الجسد هي في الدم، فأنا أعطيتكم إياه على المذبح للتكفير عن نفوسكم، لأن الدم يُكفّر عن النفس…

“إذا كانت امرأة لها سيل وكان سيلها دماً في لحمها، فسبعة أيام تكون في طمثها وكل من مسها يكون نجساً إلى المساء. وكل ما تضطجع عليه في طمثها يكون نجساً، وكل ما تجلس عليه يكون نجساً، وكل من مسَّ فراشها يغسل ثيابه ويستحم بماء ويكون نجساً إلى المساء، وكل من مسّ متاعاً تجلس عليه يغسل ثيابه ويستحم بماء ويكون نجساً إلى المساء…الخ (15: 19-31).

“إذا اضطجع رجل مع امرأة طامث وكشف عورتها، عرَّى ينبوعها وكشفت هي عن ينبوع دمها، يقطعان من شعبهما.” (20: 18).

فراس السواح

المنشورات ذات الصلة