fbpx

الناس نيوز

جريدة إلكترونية أسترالية مستقلة

رئيس التحرير - جوني عبو

Edit Content
Generic selectors
Exact matches only
Search in title
Search in content
Post Type Selectors
Filter by Categories
آراء
أخبار
أستراليا
إدارة وتكنولوجيا
إعلان
اقتصاد
اقتصاد أستراليا
اقتصاد عالمي
اقتصاد عربي
تقارير وتحقيقات
ثقافة وفنون
حكايا
خبر رئيس
رياضة
رياضة أستراليا
رياضة عالمية
رياضة عربية
سياحة وسفر
سياسة أسترالية
سياسة عالمية
سياسة عربية
صحة
صور
عدسة
فن الناس
في الوطن الجديد
فيديو
كاريكاتير
لايف ستايل
متفرقات
مجتمع
مجتمع الناس
موضه
Generic selectors
Exact matches only
Search in title
Search in content
Post Type Selectors
Filter by Categories
آراء
أخبار
أستراليا
إدارة وتكنولوجيا
إعلان
اقتصاد
اقتصاد أستراليا
اقتصاد عالمي
اقتصاد عربي
تقارير وتحقيقات
ثقافة وفنون
حكايا
خبر رئيس
رياضة
رياضة أستراليا
رياضة عالمية
رياضة عربية
سياحة وسفر
سياسة أسترالية
سياسة عالمية
سياسة عربية
صحة
صور
عدسة
فن الناس
في الوطن الجديد
فيديو
كاريكاتير
لايف ستايل
متفرقات
مجتمع
مجتمع الناس
موضه
Edit Content
Generic selectors
Exact matches only
Search in title
Search in content
Post Type Selectors
Filter by Categories
آراء
أخبار
أستراليا
إدارة وتكنولوجيا
إعلان
اقتصاد
اقتصاد أستراليا
اقتصاد عالمي
اقتصاد عربي
تقارير وتحقيقات
ثقافة وفنون
حكايا
خبر رئيس
رياضة
رياضة أستراليا
رياضة عالمية
رياضة عربية
سياحة وسفر
سياسة أسترالية
سياسة عالمية
سياسة عربية
صحة
صور
عدسة
فن الناس
في الوطن الجديد
فيديو
كاريكاتير
لايف ستايل
متفرقات
مجتمع
مجتمع الناس
موضه

جريدة إلكترونية أسترالية مستقلة

رئيس التحرير - جوني عبو

“أصوات في مقاومة الصمت” ناجيات يتحدثن عن العالم السفلي في سجون الأسد

صدر قبل أيام واحد من أهم التقارير حول سياسة الاعتقال المنهجية التي مارسها النظام السوري ضدّ النساء في سوريا.

وعرض التقرير، الذي أعدته بصبر وأناة وتدقيق سيدتان سوريتان لهما باع طويل في العمل السياسي والمدني هما جمانة سيف ووجدان ناصيف، تجارب نساء شجاعات تصدّين ببسالة للاستبداد في فترات نضالية مختلفة من تاريخ سورية، وحاول تدوين هذه التجارب التي خاضتها من تسميهن الكاتبتان “دونكوشتات رفضن الاستسلام، وما زلن مستمرات في نضالهن، منطلقات من إيمانهن بأهمية مراكمة النضالات واستمرارها من جيل إلى جيل على الرغم من الأثمان الباهظة التي دفعنها ويدفعنها.”

ولم يقتصر التقرير على ضحايا الاعتقال والتعذيب الذين ماستهما السلطات السورية على النساء في العقد الأخير، وإنما امتد عقودا إلى الوراءـ فعاد إلى حقب الثمانينات السوداء في تاريخ سوريا وأيضا التسعينات، متابعا سنوات الألفية حتى عام 2017.

وقالت جمانة سيف (*) إحدى معدتي البحث – في تصريح للنّاس نيوز – إنها تأمل أن يلعب هذا التقرير دوراً في لفت نظر العالم من جديد الى “الجرائم الجسيمة التي ارتكبت ومازالت ترتكب بحق النساء السوريات من قبل نظام الأسد وخصوصاً أن المجتمع الدولي يحرص على اظهار اهتمام شديد بقضايا المرأة ومكافحة العنف ضدها على اعلى المستويات سواءً بقرارات مجلس الامن او إقامة المؤتمرات وورشات العمل الدولية.”

وأضافت سيف إن جرائم العنف الجنسي والجنساني في سوريا لم تحظَ “بالاهتمام الذي يجب ان تحظى به نظراُ لجسامتها وتبعاتها طويلة الأمد على النساء وعلى المجتمع السوري بشكل عام ربما لحساسيتها ولصعوبة التوثيق وتسليط الضوء عليها وربما لعدم فهم السياق التاريخي”، مضيفة أن ثمة نقصا في “ادراك طبيعة المجتمع السوري ودور ومكانة المرأة فيه وتبعات استهداف النساء واستخدامهن كسلاح في الحرب وأثره بتفتيت المجتمع. هذا ما حاولنا ان يضيفه التقرير وان يساهم في ردم هذه الفجوة ونحن بدورنا سنعمل على إيصال أصوات شاهداتنا من خلال التقرير الى اعلى المستويات. ولنتأمل خيراً.”

استعرض الجزء الأول من التقرير طرق وأساليب الاعتقال ومدته، والظروف التي عاشتها النسا، كيفية تعامل الأجهزة الأمنية مع احتياجاتهن الخاصة كنساء. وسلط في الجزء الثاني الضوء على أشكال العنف الذي تعرضن له بدءاً بالتعذيب ثم العنف الجنسي، فالعنف النفسي والوصم. بينما ركز الجزء الثالث على إجاباتهن حول كيف تعاملت عائلاتهن معهن وكيف عاملهن الوسط الاجتماعي المحيط ويفرد مساحة لأصواتهن وهن يتلمسن بمرارة ما تركته التجربة من آثار نفسية وجسدية عليهن، بما في ذلك قدراتهن المتفاوتة على تجاوز ومقاومة ما حصل والاستمرار في النضال ضد كل أشكال الاستبداد والظلم، وبداية تحقيق العدالة، ومحاسبة مرتكبي الجرائم.

ولم يكن هدف التقرير، كما ذكرت الكاتبتان، إثبات استخدام النظام السوري للعنف ضد النساء بما فيه العنف الجنسي على نحو ممنهج وواسع النطاق منذ 2011، فهذا ما أثبتته العديد من التقارير التي صدرت في السنوات الثماني الماضية، ولكن الهدف كان إثبات أن اعتقال النساء وممارسة كافة أشكال العنف تجاههن ليس بالأمر الجديد في تاريخ السلطة الديكتاتورية في سوريا فمنذ الثمانينيات اتبع نظام الأسد هذا الأسلوب لكسر معارضيه ومعاقبة المجتمع السوري وإخراسه سياسياً.

وبين التقرير أن الأجهزة الأمنية في ظل حكم حافظ الأسد لم تكتف باعتقال وإذلال النساء ممن تجرأن على معارضة نظام الحكم، بل استثمرت في العقلية الذكورية السائدة في المجتمع والتي تدين المرأة وتحملها المسؤولية في حال تجرأت على الدخول في المحظور، أي العمل في الشأن العام.

وقد شهدت السنوات القليلة بعد استقرار حكم الأسد الأب، وبدءاً من عام 1977 اعتقال أعضاء من رابطة العمل الشيوعي ومن بينهم 12 امرأة غالبيتهم من الطالبات الجامعيات.

وفي بداية الثمانينيات اعتُقلت العشرات من النساء بتهمة الانتماء لتنظيم الإخوان المسلمين وحزب البعث الموالي للعراق، واللواتي تعرضن لشتى أنواع التعذيب ومنهن حوامل وقاصرات.

وفي 1987 اعتقلت أكثر من 100 امرأة بسبب انتمائهن وصلاتهن مع حزب العمل الشيوعي، بقيت العشرات منهن لسنوات عدة في المعتقل دون أية محاكمة.

في خطاب القسم عند توليه السلطة بعد وفاة والده عام 2000، وعد بشار الأسد السوريين والسوريات بإرساء الديمقراطية واحترام الرأي الآخر، ولكن التقرير يثبت أنه سرعان ما قام باعتقال الرجال والنساء في السنوات اللاحقة مركزا على كل صوت معارض وكل مناصري حقوق الإنسان والديمقراطية وحتى المدونين والمدونات وناشطي وناشطات المجتمع المدني.

وازداد الوضع سوءا بعد الثورة السورية، التي قابلها النظام بالرصاص الحي وبالاعتقال والتغييب القسري، حيث جرت الاعتقالات – كما يقول التقرير – مترافقة بالعنف المفرط على مرأى ومسمع من السوريين والسوريات كافة وعلى مرأى من العالم أجمع، بعد نقلها عبر كاميرات هواتف الناشطات والناشطين، بما في ذلك حملات الاعتقال التي طالت عشرات الآلاف من النساء السوريات، اللواتي شاركن في الثورة، أو ينتمين إلى المناطق المنتفضة أو إلى عائلات ثائرة.

وللالتفاف على ما يمكن اعتباره رفضاً دولياً لاستمرار حالة الطوارئ المعمول بها منذ عشرات السنين، يضيف التقرير، بادر بشار الأسد ظاهرياً لإلغائها وأوقف تحويل الجرائم السياسية إلى محكمة أمن الدولة، لكنه استعاض عن ذلك بما هو أسوأ، بمحكمة استثنائية أطلق عليها مسمى “محكمة الإرهاب” مدعومة بقانون مكافحة الإرهاب رقم / 19 / لعام 2012 الذي وفر له كنص تشريعي، الغطاء القانوني للتخلص من عشرات الآلاف من معارضيه الذين وصمهم بالإرهاب والذين تم إعدامهم في ساحات المحاكم العسكرية وفي سجونه المعدة لهذا الغرض.

مع انطلاقة الثورة عام 2011 أصبح الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري للناشطات والناشطين وكل من يشتبه بتأييده للثورة من أهم الأدوات القمعية التي استخدمت في قمع الثورة وكسرها، كما يذكر التقرير، حيث استمرت الأجهزة الأمنية بممارسة وحشيتها في طريقة الاعتقال وأسلوبه ليس فقط على مرأى السوريين بل على مرأى العالم أجمع.

تروي ليال مشهد اعتقالها كأنه يحدث الآن: “على جسر الرئيس في دمشق توقف رجلا أمن وطلب أحدهما هويتي… بدآ بضربي في الشارع… كان الازدحام شديداً، جروني إلى’ البراكيّة ‘التي تبعد عشرات الأمتار، ولم يتوقفا عن ضربي … سيدة مسنّة كانت تمرّ إلى جانبي… صارت تبكي.”. في البراكية، تضيف ليال، قال أحدهم “جيد أنك صرت هنا فنحن منذ زمن طويل لم نلمس نساءنا… هناك وضعوا معي شاباً معتقلاً أيضاً… كان يدخل أحدهم كل حين ليبصق علينا ويخرج.”

بعد الاعتقال، يضيف التقرير، يأتي العقاب الأكبر: ترك أعمارهم تذبل في الانتظار وهم يعدّون سنوات السجن التي لا يعرفون متى ستنتهي. تقول سارة: “ثماني سنوات من عمري أمضيتها في المعتقل دون محاكمة ودون معرفة متى سيطلق سراحي.. قالها لي الضابط المسؤول في فرع التحقيق: “سوف تتعفنين في السجن…!”

وبقيت عزيزة التي اعتقلت كرهينة عن زوجها 11 عاماً دون أن تعرض على محكمة أو تعرف متى يمكن إطلاق سراحها، رغم أن زوجها المطلوب قد مات وهم كانوا يعرفون ذلك. تقول عزيزة: “كَبر أولادي وأنا في السجن، كبرتُ وضاعت أجمل سنوات عمري وأنا في السجن.. كل يوم كنت أقول سأخرج غداً… بالتأكيد لو عرفت سنوات حكمي لكان الأمر أسهل لي ولأولادي.”. اعتقلت عزيزة مع أولادها الثلاثة، ولأن أصغرهم كان رضيعا فقد بقي في الزنزانة مع أمه. تقول عزيزة: “أعطيته لأمي بعد أن أتم سنته الرابعة. كان ذلك خياراً صعباً فوجوده معي كان يؤنس وحشتي ويقلص الوقت الطويل، لكن لم يكن من حقي أن أبقيه أكثر، لأنها كانت ستكون جريمة بحقه… ذلك اليوم كان أقسى يوم في المعتقل… بقيت بعد خروجه شهراً كاملاً غير قادرة على الكلام.”.

وبعد انطلاقة الثورة اعتقلت الكثير من النساء من بينهن الحوامل، كما اعتقلت أمهات مع أبنائهن وبناتهن ليغدون جميعهن وبلحظة، مجرد أرقام في الأفرع الأمنية وفي السجون دون إيلاء أي انتباه لأوضاعهن الخاصة، حيث يمكن القول عند الحديث عن تجاربهن أن تلك الفترة من حياتهن كانت في منتهى القسوة وتركت آثار نفسية جسيمة عليهن وعلى أطفالهن.

هناك أمهات ولدن في السجن قبل الثورة وبعدها، وفي حالات وجود أقرباء للمرأة كان يتم إخراج الطفل من السجن بعد أن يبلغ سنة من عمره، لكن في حالة عدم وجود أقرباء فكان الطفل يبقى مع أمه في المعتقل حتى يطلق سراحها.

رهائن

استخدمت الأجهزة الأمنية النساء كرهينات على نحو ممنهج منذ الثمانينيات، رغم أنهن ونادراً ما كن يمتلكن معلومات حول نشاط ذويهن السياسي أو العسكري. ويروي التقرير حالات كثيرة، منها حالة سيدة من ريف حلب، كانت في الستينيات من عمرها. “كانت أميّة ولم تكن تعرف أي شيء في السياسة وكانت مصابة بالسكري وقد بدأ المرض يخطف بصرها رويداً رويداً… كانت رهينة عن زوجها الذي هرب إلى العراق، حين قابلتها كان قد مضى على اعتقالها 5 سنوات”.

مع بداية الثورة لم يعد يكتفي النظام باعتقال النساء كرهينات بل أيضاً استخدمهن كوسيلة انتقام من البيئة الحاضنة للثورة، حيث قام باعتقال أعداد كبيرة من النساء على الحواجز بسبب اسم مكان الإقامة أو اسم العائلة على الهوية للانتقام من المناطق والمدن المتمردة، أو من العائلات التي ثارت بغالبية أبنائها ضد النظام. وقد وثقت منظمات حقوقية قيام النظام السوري بإجبار معتقلات (بينهن فتيات لم يتجاوزن الثامنة عشرة من أعمارهن)  على الظهور على شاشة التلفزيون والاعتراف بأنهن مارسن “جهاد النكاح” بطلب من ذويهن في صفوف الجيش الحر بهدف الانتقام والتشهير بهن.

التعذيب

يروي التقرير وسائل التعذيب المتنوعة والمرعبة التي تستخدم ضد المعتقلات والمعتقلين السياسيين على مدى سنوات حكم الأسد الأب والتي ورثها ابنه فيما بعد، وتعتبر هذه الأساليب عالمية ويعود بعضها إلى العصور الوسطى وبعضها الآخر يعود لسجون النازية “كالكرسي الألماني” وعلى الرغم من أن العديد من الأنظمة القمعية لا تزال تتشارك أنواع التعذيب وأدواته، إلا أن التفنن في استخدامها هو ما يميز العقلية الاستثنائية المتوحشة للنظام السوري والتي بدأت تظهر جليّة خلال السنوات الأخيرة، حيث يستمر التعذيب طوال فترة الاعتقال.

تذكر سارة أن لحظة الاستقبال في الفرع عند اعتقالها الأول عام 1983 كانت هي الأصعب، فقد تم تعذيبها بالكبل الرباعي وبالكهرباء لانتزاع المعلومات، لكن في اعتقالها الثاني عام 1984 كان التعذيب أشد بكثير حيث أنهم كانوا يدخلونها الحمام، ثم يفتحون صنبور المياه الباردة، فتلتصق ثيابها بجلدها ويبدؤون بضربها بالكبل ثم يصعقونها بالكهرباء في أصابعها، لكن الحرمان من النوم بعد جولات التعذيب كان الأشد قسوة وألماً:

وشهدت سنوات الثورة الكثير من الجرائم بحق المعتقلات والمعتقلين واستخدام أساليب جديدة في التعذيب.  تقول جنى: “حرقوا ساقيّ كي لا أعود ’للخروج في المظاهرات‘ كما قالوا.. حرقوهما بأسياخ حديدية حامية وبالكهرباء… لا تزال الندوب موجودة ومن الصعب إزالة آثارها… خرجت من المعتقل مشوهة جسدياً ونفسياً… على الرغم من أنهم لم يؤذوني كثيراً مقارنة بغيري”.

اعتقلت آيات في المرحلة الانتقالية بين نهاية عهد الأسد الأب وقيام الثورة، بسبب توزيع مناشير في الجامعة. تذكر آيات في شهادتها أن أكثر ما آلمها في التعذيب هو أنهم أحضروا والدتها لتشاهد تعذيبها، وتعتقد بأنه سلوك يرمي إلى مضاعفة تعذيبها وإلى تعذيب والدتها التي ستشعر دائماً بالعجز عن حمايتها أمام بطشهم:

العنف الجنسي

يعتبر العنف الجنسي من أخطر الجرائم نظراً لتبعاته المدمرة على الضحايا أنفسهن/م، ولما يخلفه من آثار سلبية بدنية ونفسية واجتماعية واقتصادية عليهن/م، وكذلك على عائلاتهم وأقاربهم، وغالباً ما تمتد آثاره المدمرة على النسيج الاجتماعي كاملاً.

معظم الشاهدات المعتقلات اللواتي تحدثن إلى معدّتي التقرير في مرحلة حكمي الأب والابن ذكرن في شهاداتهن أنه تم تهديدهن بالاغتصاب واستخدمت الشتائم والألفاظ الجنسية في تعنيفهن وتم تخويفهن وابتزازهن من أجل انتزاع المعلومات:

تقول رحاب التي قضت سنتين في السجن وحكم عليها في نهايتها بالبراءة: “أثناء التحقيق يستخدمون الشتائم والكلام البذيء كالوصف بالعاهرة… هددوني أثناء التحقيق بأنهم سوف يقومون بتعريتي واغتصابي واستخدموا كلاماً بذيئاً لا أستطيع ذكره… كلام مقرف”.

وتروي لمى عن سيدة من الإخوان كانت تكرر الحكاية أمامنا وأمام العناصر والسجانة حول كيف أنهم قاموا بتعريتها أمام أخيها وكيف عذبوها وكيف وضعوا الكهرباء في مناطق متفرقة من جسدها وكيف قرطوا لسانها بقراطة الأظافر… هي كانت تحكي… حدث ذلك في فرع أمن الدولة في حلب.

ذاكرة الاغتصاب والعنف الجنسي بأنواعه، الذي تتعرض له المعتقلة، هي ذاكرة معقدة، خاصة حين يمضي وقت طويل على محاولة ردمها، فالكثيرات يعشن صراعاً طويلاً مع هذه الذكرى، ويزداد الأمر تعقيداً حين لا يوجد بيئة ملائمة للعلاج والاستشفاء كما ينبغي. تقول سلام: “… أكثر ما يؤلمني ويشعرني بالإهانة هو محاولتهم تعريتي… منذ سنوات وأنا أقوم بتمرين نفسي على نسيان ذلك… لذلك كنت أتجنب هذا اللقاء (تقصد المقابلة) لأنه سيعيد لي تلك الذكرى القبيحة.. نعم… بعد ثلاثين سنة لازلت أحس بالإهانة وبالقهر عند تذكر ذلك.”

وإذ شهدت مراكز الاعتقال السورية بعض الذكور الذين شكل التهديد بانتهاك الشرف بالنسبة إليهم مفتاح إضعاف لإرادتهم، حين تمت تعرية زوجة المعتقل أو أخته أو ابنته، والتهديد باغتصابها أمام عينيه، لكن الأمر بالنسبة للمرأة أكثر حساسية وألماً وتعقيداً، حيث يشكل الشرف والعفاف الجنسي هاجساً مركباً لديها، سواء لدوره المحوري والتربوي في تشكيل بنيتها الشخصية، أو لتحسبها الشديد من رد فعل المجتمع على أية حادثة تطال هذا الجانب من إنسانيتها، وهو الأمر الذي خبرته الأجهزة الأمنية السورية جيداً وعملت عليه لإذلال المعتقلات وإضعافهن، وتالياً لتشويه دور النساء عموماً في النشاط السياسي المعارض وحتى فرص مشاركتهن في إدارة الشؤون العامة.

ويعتبر التهديد بالاغتصاب عنفاً نفسياً شديداً يمارس ضد النساء المعتقلات وذكرت معظم شاهداتنا أنه تم تهديدهن بالاغتصاب، وأن هذا الأمر كان يقلقهن ويرعبهن خلال فترة تواجدهن في الفرع. وتشرح عبير أن التهديد يجعل المعتقلة في توجس دائم وفي حالة انتظار لتنفيذ هذا التهديد، وفي مكانها ذاك، تكون المعتقلة عاجزة ووحيدة، لكن يتوجب عليها رغم ذلك أن تجد طريقة للتعامل مع هذا التهديد، والتخفيف من نتائجه كي لا تنهار.

ثم يأتي وقت لا يقل سوءا عن الاعتقال، حين تخرج المعتقلة، فيكون أول سؤال ها، ليس عن صحتها ونفسيتها، بل “عملوا لك شيء” في إشارة على الاغتصاب. روت غالبية الشاهدات اللواتي تحدثت إليهما الباحثتان على اختلاف المراحل التاريخية التي اعتقلن بها، أنهن تعرضن للسؤال: “هل فعلوا بك شيئاً؟” والمقصود بهذا السؤال “الاغتصاب” تحديداً، حيث ذكرت معظمهن أن هذا السؤال كان يؤلمهن ويغضبهن، كونه يعتبر بمثابة إطلاق حكم إدانة ويشكل إساءة مقصودة لهن، بالمقابل لم يكن أحد يسأل عن التفاصيل الأخرى حول التعذيب وغير ذلك.

تعبر يارا عن سخطها وغضبها من السؤال حول إن كانت اغتصبت، فهي تعتقد أنه لا يحق لأحد أن يسأل عن ذلك، وهو إن كان يريد أن يسأل فليسأل عن كل التفاصيل الأخرى مثل التعذيب والإذلال والعيش في الزنازين والموت الذي كانت شاهدة عليه، ما يزيد سخطها أيضاً هو وصفها بـ”ناجية” فهو ليس وصفاً دقيقاً كما تعتقد، فلا أحد “ينجو” بالمعنى الحقيقي من محنة الاعتقال.

خاتمة

وسألت النّاس نيوز وجدان ناصيف (**)، إحدى كاتبتي البحث عن الدور الذي يمكن للتقرير أن يلعبه في شحذ همّة العالم لإعادة اعتباره للمأساة السورية، فقالت: “يمكن القول أن المأساة السورية لم تعد محور اهتمام العالم وأنه مع إطالة أمد الكارثة التي تحل بالشعب السوري أصبح من الصعب لفت النظر لمجزرة هنا وانتهاك هناك، لكن بكل الأحوال مطلوب منا كسوريات وسوريين أن نقوم دائماً بما يتوجب علينا القيام به دون أن ننتظر الحصول على نتائج في أحيان كثيرة.”

وأضافت ناصيف إنها تأمل أن  يلقى هذا التقرير الاهتمام وأن يصبح وثيقة أو مرجع يشار له من قبل اللجان الحقوقية والمؤسسات ذات الشأن، “لكن بالنسبة لي وقبل كل شيء هو وثيقة من أجل المستقبل، من أجل أن لا يستطيعوا في يوم من الأيام تحريف حكاياتنا، هو قبل كل شيء من أجل ذاكرتنا وذاكرة الأجيال القادمة.”

وحول تلقي السوريين عموما والسوريات خصوصا للتقرير، اضافت ناصيف أنها تلقّت العديد من الرسائل التي أجمعت على مصداقية التقرير وعلى أن قيمته تكمن في الموضوعية والابتعاد عن المبالغة وحتى التنظير. لم يكن هدفنا أن نظهر شاهداتنا كبطلات بل أن نحتفي بتقديرهن لذواتهن، وتفاصيلهن الإنسانية.

وأضافت ناصيف: “بعد صدور التقرير وصلتني ردود أفعال إيجابية مع بعض الأصدقاء والصديقات ممن خاضوا محنة الاعتقال، هناك منهم من حرضه/ا التقرير للكلام عن تجربته/ا ومنهم/ن من ذكر/ت أنه كان شاهد على مثل هذه الحادثة أو تلك من الحوادث المذكورة. بالنسبة لي هذا يعتبر نجاح لرسالة التقرير والتي هي الدعوة للكلام ورفع الصوت والحديث عن التفاصيل التي نحاول كمعتقلات ومعتقلين، طوال الوقت دفنها لنتخفف من ألمها، لكنها تبقى هناك في لاوعينا، لا تغادرنا مهما حاولنا، لكن عندما نحكي حكاياتنا سنكتشف أننا عشنا تجارب متشابهة وأحاسيس متشابهة، يعني لن تعود محنة الاعتقال شأناً شخصياً نعيشه كل على حدا ونتلمس آثاره كل على حدا، بل ستصبح محنة الاعتقال قضية عامة وواعية، قضية نضال ضد كل أشكال الظلم والاستبداد وإمتهان الكرامة الإنسانية.”

تقول جمانة ووجدان: “لم يكن هدفنا بالطبع إظهار شاهداتنا كبطلات ولا أيضاً كضحايا … بل على العكس، أردنا أن نسرد حكاياتهن بكل أمانة كما روينها، أن نحتفي بصفاتهن البشرية والفردية الخاصة، بتضامنهن، بوقوفهن مجدداً، بالقدرة على الكلام وإعلاء الصوت، بإصرارهن على استمرار النضال من أجل التغيير الديمقراطي ومن أجل مواجهة كل أشكال الاستبداد، ومحاسبة كل مرتكبي الجرائم. ونعتقد أنهن تمكنّ من الخروج من المحنة وهن أكثر إصراراً وعزيمة، فمنهن اليوم من تمارس العمل السياسي بفعالية، ومنهن من تعمل على قضية العدالة والمحاسبة، ومنهن من تعمل على بناء إمكانياتها وتطوير مهاراتها، لأنها تحلم بالعودة إلى سوريا الحرة، للمشاركة في إعادة بناء الوطن والمجتمع، ومنهن من بقيت هناك في الداخل تقاوم خوفها وتراكم ما تشاهده من ظلم وتنكيل، كي تتحفز من جديد للعودة نحو فاعليتها السابقة، هن جميعاً ينتمين إلى الشعب السوري النبيل والمنكوب، الذي على الرغم من شدة ما تعرض له على مرّ السنوات المنصرمة من جرائم الفتك والتدمير والاستباحة، لابد سينهض من جديد ليكون أكثر وعياً وإصراراً على التغيير وأشد عزيمة على حماية مبادئ الحرية والكرامة والعدل والمساواة التي ضحى كثيرون وكثيرات من أجلها.

أضافت جمانة سيف ووجدان ناصيف إلى الدراسات والبحوث التي صدرت حول انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا ملفا جديدا بالغ الحساسية والتعقيد. وقد تناولتا هذا الملف بحساسية وذكاء وصدق، دون أن تجرحا مصداقية الضحايا ولا تحولا التقرير إلى دعاية سياسية فارغة، وقبل كل شيء، تعاملتا مع الضحايا بكل الاحترام الذي هن جديرات به.

*****

* جمانة سيف: ناشطة حقوقية ونسوية سورية مقيمة في برلين.  من مؤسسات شبكة المرأة السورية عام 2012، والحركة السياسية النسوية 2017، وتعمل حاليا في المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان، على محاسبة مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية في سوريا.

** وجدان ناصيف: كاتبة وناشطة سياسية ونسوية سورية، اعتُقلت في عام 1987، بسبب انتمائها لتنظيم يساري في دمشق، لما يزيد على أربع سنوات. وهي من مؤسسات الحركة السياسية النسوية السورية 2017.