هدى سليم المحيثاوي – الناس نيوز :
الكثيرُ منا كجمهورٍ عربي، فرح لترشح الممثلة المصرية منة شلبي عن دورها في مسلسل “يوم جمعة في كل أسبوع”، لجائزة الإيميالدولية للأعمال غير الناطقة باللغة الإنكليزية، المقدمة من أكاديمية الفنون والعلوم التلفزيونية الأمريكية، التي توازي جائزة الأوسكار العالمية، وبينما تختصُ الأخيرة بالإنتاج السينمائي، تُفرد الأولى اهتمامها للإنتاج التلفزيوني.
ولكن القليل منا يعرف أدواراً مهمة أخرى لذات الفنانة، التي لطالما قدمت أدواراً حملت رسائل هادفة للمجتمع.
ففي دورها بمسلسلٍ حمل اسم “ليه لأ” تم طرح قضيةٍمهمة باتت ذات صدى في المجتمع المصري، وهي قضية التبني أو فكرة الأسرة البديلة. فمصر قد قطعت في هذه الفكرة أشواطاً متقدمة عن سوريا، فالكثير من النساء غير المتزوجات أقدمن على هذه الخطوة، رغم معارضة دار الإفتاء المصري للأمر، كونه مُحرم شرعاً، إلا أن إصرار هؤلاء النسوة ولجوئهن لوزارة التضامن الاجتماعي التي فعلت القانون، بما يسهل للأسرة التي لا يزيد عدد أطفالها عن اثنين، وكذلك للأرامل والمطلقات واللواتي لم يتزوجن وبلغن سن الثلاثين، أن يتكفلن بطفلٍ وفق شروطٍ حددتها لهم الوزارة بما يضمن حق الطفل بحياةٍ كريمة.
مازالت ردة الفعل في المجتمع السوري عند الحديث عن التبني، هي أن التبني محرم شرعاً، كونه كان يتم مع عدم إبلاغ الطفل عن نسبه وأسرته الحقيقية، إذاً التحريم هو ليس لفكرة التبني بالعموم، بل لعدم إخبار الطفل بنسبه الحقيقي، وأجد من الصعب ونحن في هذا العصر من التكنولوجيا والتقدم، أن يتم إخفاءُ أمرٍ كهذا. إن إيجاد صيغةٍ توافقية تكفل ضمان نسب الطفل وبنفس الوقت إعطاؤه فرصةً لحياة جديدة، خطوة مهمة لابد أن يخطوها المجتمع السوري، خاصةً في الوقت الحالي مع وجود عدد كبير من الأطفال الأيتام أو مجهولي النسب.
إذاً، لنستبدل التبني بالكفالة، الاحتضان، الأسرة البديلة،جميعها صيغ يمكن أن نقوم بها، الفرق يكمن في عدم إبلاغ الطفل بنسبه أو أصله الحقيقي في التبني، بينما في جميع الصيغ الأخرى يتم إعلام الطفل بوالديه الحقيقيين ونسبه إن كان معروفاً، أو يُوضع في خانة مجهول النسب إن لم يكن أصله معروفاً. عدا عن موضوع الميراث، فمن غير المسموح أن يُورث الطفل المكفول أو المُحتضن، وفي الحقيقة يكفي أن يُورث مشاعر الاحتضان والدعم التي يحتاجها.
مازالت هناك وصمةُ عارٍ مرتبطة بطفلٍ مجهول النسب، أو بفكرة التبني بالعموم، ومخاوف من مواجهة المجتمع. فالعلاقة متعددة الأوجه. فهناك العلاقة بين الأسرة والطفل أولاً، وكيف ستخبره أنه طفل لوالدين بيولوجيين آخرين وهما الوالدين المحتضنين، كذلك هناك مواجهة الأسرة للمجتمع والأسئلة الكثيرة من الآخرين، من أين جاء،كيف ستحضنيه وتقبليه عندما يكبر وهو سيصبح مُحرماً عليكِ، وفي هذه النقطة توضح أمهات مررن بالتجربة، أنهن لجأن لأخذ هرمونات للرضاعة، لكي يُرضعن الطفل فيصبح ابنهن بالرضاعة، يحضنه ويقبلنه دون أن يقعن تحت طائلٍ شرعي، عدا عن شعور الطفل عندما يعرف، وكيف سيتعامل مع فكرة احتضانه من أسرةٍ جديدة وعلاقته بأسرته القديمة، إن وُجدت.
إلا أن البعض يتحلى بكل أساليب الشجاعة للمواجهة فيقول: “لا يهم من أين جئنا، فجميعنا راحلون، لكن فرصةً لإحداث تغييرٍ، ربما يكون مع كل مستقبلٍ جديد يُعطى لطفل.
في سوريا اسمه عقد الإلحاق
بحسب القانون السوري لمجهولي النسب، الذي لم يطرأ عليه أيُ تعديلٍ جوهري منذ العام 1970. لابد للزوجين أن يثبتا عدم قدرتهما على الإنجاب لكي يتمكنا من إلحاق طفلٍ بهما. كذلك يحق للفتاة العازبة بعد سن الثلاثين إلحاق طفل، بشرط إثبات عدم قدرتها على الإنجاب أيضاً. ولكن ماذا إذا كان الزوجان قادرين على تربية طفلٍ مُلحق، وماذا إذا كانت الفتاة لا ترغب بالزواج ولكن ترغب بأن تعتني بطفل، وتكون له اماً بديلة!!
لابد من تعديل القوانين لإعطاء فرصةً جديدة بمستقبلٍ جديد. فمصر تسعى بحسب مسؤولة في وزارة التضامن، إلى إنهاء دور رعاية الأيتام في العام 2025. وإيجاد أُسرٍ بديلة للأطفال الأيتام، خاصةً بعد أن خفضت في العام 2016 سن المرأة العازبة المسموح لها بالكفالة من خمسة وأربعين عاماً إلى ثلاثين عاماً، وفي الحالتين لايُشترط عدم الإنجاب للسماح بالاحتضان.
ولمن لا يعرف، فإن أكبر أغنياء العالم، الراحل، ستيفن جوبز، مؤسس شركة آبل، هو ابن مُتبنى من عائلةٍ أمريكية، لوالدين حقيقيين سوريي الأصل. إن تقديم الفكرة البديلة كما الأسرة البديلة، ومحاولة منح الأطفال السوريين حياةً ومستقبلاً جديداً ليس حلاً لما يعانيه الكثيرُ من الأطفال، خاصةً في المخيمات، لكنها ممرُ عبورٍ لطفل، عله يكون لبر أمان.
التبني: هو حرام، لكن الاحتضان، الكفالة، الأسرة البديلة جميعها بدائل لتقديم ما يحتاجه الطفل من حبٍ ورعايةٍ وتعليم، ضمن أسرةٍ طبيعية مكونة من أب وأم وأخوة، بعدما حرمتهم الحرب من حياتهم الطبيعية.