تونس – الناس نيوز :
يثير المخرج التونسي الشاب مهدي هميلي في فيلمه الجديد “أطياف” قضايا اجتماعية وأسرية وأخرى تتعلق بالفساد المستشري في بلده، دون أن يُغفل الجانب السياسي منها. المزيد في هذا الحوار الذي أجري معه على هامش مشاركته مؤخرا في مهرجان لوكارنو السينمائي الدولي.
في آخر أيام المهرجان ، بحسب صحيفة سويسرية،ألتقت بالمخرج الشاب في قرية سياحية مُجاورة لمدينة لوكارنو وتحدثت معه عن الخلفية الاجتماعية والثقافية والسياسية لعمله السينمائي الجديد، بالإضافة إلى وجهة نظره بثورة يناير 2011 والتطورات التي جاءت بها وخصوصاً وضع الأجيال الشابة وعلاقتها بالسلطة السياسية إضافة إلى وضع العاملين في المجال الثقافي عموما وفي السينما خصوصا.
ما هي الحكاية التي أردت أن تقصّها على المتفرج، وبالأخص على جمهور دولي كالذي جاء لمشاهدته في مهرجان لوكارنو الدولي؟
مهدي مهيلي: أردت أن أحكي للمشاهد قصة تضحية أمّ في سبيل تحقيق حلم ابنها، مُظهراً في الوقت ذاته كيف أصبح المجتمع التونسي بعد الثورة وما تغلغل فيه من فساد وعنف، وكيف حطّم ذلك العائلة التي يتحدث عنها الفيلم. قصّة هذه العائلة تراجيدية بلا شك، ولكنّي أيضاً أُظهر في عملي جانباً آخر يتمثل في عملية اكتشاف شخصيات الفيلم للذات والحب.
عُرض فيلمك في لوكارنو أمام جمهور سويسري ودولي، ما الذي يُضيفه لما يعرفه الجمهور عن بلد مثل تونس؟
الفيلم يُقدم صورة لتونس بعد ثورة يناير 2011، ويُظهر أموراً موجودة في المجتمع التونسي لا تعثر عليها على البطاقات البريدية، كعالم الليل العنيف والمتوحش، ولكنه يكشف أيضاً عن الحب والرغبة بالتحرر والحرية المتواجدة في هذا العالم.
تدور أحداث الفيلم في عالم غير ظاهر للعيان يختفي وراء ما يُعرف عادة عن المجتمع التونسي والمجتمعات العربية عموما من سلوكيات وعقليات محافظة. ما هي تركيبة وخصوصيات هذا العالم في تونس؟ هل يُمكن لك أن تصفه بإيجاز لمن لم يُشاهد الفيلم بعدُ؟
الفيلم يركّز على رغبة الشباب في التحرر من السلطة الأبوية والدينية، وكل ذلك بالفعل يتم وراء الستائر المغلقة، فهم لا يستطيعون العيش كما يشاؤون في العلن. وأنا أردت أن أضع الكاميرا وأصوّر بالضبط ذلك وأظهره للعلن، وأقول للعالم هناك في تونس مجتمع للمثليين يُمكنك أن تعيش فيه وهناك أيضا أشخاص يرغبون في التحرر والعيش فيه، ولكني أظهر أيضاً أنّ هناك ممارسة لتجارة الجنس وهناك فساد منتشر بين صفوف الشرطة، والجهاز الأمني المُسيطر بنفسه على عالم الليل ذاك.
هل شهد هذا العالم المخفي أو السفلي تغييرات أو تحولات بعد الثورة مقارنة بما كان عليه قبل يناير 2011؟
هو تغيّر بحيث أنّه أصبح أعنف، وأكثر وحشيّة. بل وزاد الفساد في عالم ما خلف الكواليس. الفرق بالنسبة لنا كمخرجين وفنانين يتمثل في أنّه لم يكن بإمكاننا أن نصور ونظهر هذا العالم إلى العيان قبل الثورة وفي عهد بن علي. مع أنّه لا بد من القول إنّ المجتمع والانسان التونسي لا زال يرفض أن يرى صورته الحقيقية، ولذلك يرفض مثل هذه الأفلام، ويقول لك لا، ليس لدينا مثل هذه الأمور. الآن نستطيع عرض الفيلم، لم يعد هناك رقابة كما كان الوضع قبل الثورة. ولكن لا يزال هناك ردة الفعل من قبل المجتمع على بعض المشاهد التي يعسُر تقبّلها في العالم العربي، وكذلك في المجتمع التونسي مع أنّه يُعتبر من أكثر المجتمعات العربية تحرّراً.
ما أضافته ثورة يناير هو المزيد من القسوة؟
أجل، الكثير من القسوة، قبل الثورة كان هناك عصابة حاكمة واحدة، والآن هناك الكثير من العصابات. قبل كانت هناك عصابة بن علي، أمّا الآن، فالإسلاميون لديهم عصابات، واليمين السياسي الفاسد لديه عصابات، والجهاز الأمني أيضاً. ولذلك فالوضع آيل للانفجار، وهذا ما أدى إلى ما حصل عندما ما جمّد الرئيس قيس سعيد البرلمان (يوم 25 يوليو 2021 – التحرير)، هو تغيير منتظر كان لا بد منه، والكثير من الشباب يساندونه في هذا التغيير، لأن الإسلاميين لديهم من الفساد أكثر من غيرهم.
تطرقت في الفيلم إلى التوتر الذي يشوب علاقة جيل الشباب بالسلطة والأمن تحديدا، كيف تصف علاقة الشباب بالسلطة القائمة في تونس في الوقت الحالي؟
متوترة جدّاً. الشباب شعر بالتهميش بعد الثورة، هناك الآلاف ممن تركوا البلد وهربوا إلى أوروبا. وهناك قطيعة كبيرة بين الشباب والنظام السياسي ومؤسسات الدولة، حيث يدرس المرء ويتخرج ولا يجد عملاً في نهاية المطاف، لذا يترك الشباب البلد. باختصار: الشباب يكرهون الشرطة والشرطة تكره الشباب. فالوضع أسوأ مما كان عليه قبل الثورة، التي وعدت بالكثير ولم تف بشيء من وعودها.
كمخرج سينمائي طبعاً، ما هو تقييمك للتطورات الأخيرة التي شهدها الوضع السياسي في تونس بعد القرارات التي اتخذها الرئيس قيس سعيد يوم 25 يوليو الماضي؟
لا زال الحذر مسيطرا. أنا كنت من بين الذين أسعدهم ما حدث، وما قام به قيس سعيد الذي استند للدستور، حيث كان لا بد من أن يتوقف ذلك البرلمان، لقد كان مجرد مهزلة، ضرب بعضهم البعض في البرلمان. ومن ثمّ لديك 20 ألف شخص ماتوا بسبب كورونا ورئيس حكومة لم يفعل شيئا حيال ذلك. على سبيل المثال، نحن في تونس يبلغ تعدادنا حوالي 12 مليون نسمة ووصلتنا 6 ملايين جرعة من لقاح كوفيد ومن ثمّ مرت ثلاثة أشهر ولم يتم تلقيح إلّا 100 ألف شخص. وبعد ما حدث في 25 يوليو، تم تلقيح 500 ألف شخص في أسبوع واحد والآن سيفتحون المجال لتلقيح الشباب. ولكن الأمل موجود بالتغيير رغم الحذر الذي أتحدث عنه.
حالياً، تعمل على تصوير فيلمك الطويل الثالث، هل سيتحدث هذا العمل أيضاً عن آخر التغيرات السياسية في البلاد وعلى وجه الخصوص ما قام به قيس سعيد في يوليو الماضي؟
أنا تكلمت في الفيلم الأول “تالة مُون أمُور”رابط خارجي (أو “تالة، يا حُبّي”) عن الثورة كحدث. شخصية حورية كانت عاملة في مصنع نسيج، في فيلم “أطياف” آمال هي عاملة في مصنع أيضاً، أما في الفيلم الثالث واسمه “مواسم جنّات”، الذي أختتم به الثلاثية، فإن جنّات هي عاملة في مصنع نسيج أيضاً، وهي تقود النساء في المصنع عندما يُعلن إفلاسه، وتُؤسس مع زميلاتها اتحاداً يُدير ويُنقذ المصنع، وهي تجربة حدثت في تونس بالفعل. وأنا أهتم أيضاً بالحياة العاطفية لهؤلاء الناس، ولا أقدم درامة اجتماعية فقط، بل أحاول أن أحكي قصة المجتمع التونسي عبر الانسان، عبر قصة شخص واحد في هذا المجتمع. وبالطبع سيتطرق الفيلم الثالث للجائحة الصحية بشكل من الأشكال، فهي من الأحداث التي لا يُمكن تجاهلها عند الحديث عن المجتمع وما عاناه في السنوات القليلة الماضية، فهي أثرت على الاقتصاد وكانت من أسباب إغلاق المصنع في فيلمي الجديد. في أفلامي أحاول أن أتكلم عن الواقع، عما يحدث هنا والآن.
كمبدع ومخرج سينمائي، ما الذي أضافته (أو أنقصته) لك ثورة 14 يناير؟
ثورة 14 يناير أضافت الحرية. لقد أخذنا مكاننا الطبيعي كجيل جديد، وأصبح لدينا أحقية بالوجود. نحن جيل قام بالثورة وأصبحنا نصنع الأفلام والجمهور أصبح يعرف من نحن ويحترمنا.
ماذا قدمت الثورة للشباب في تونس بشكل عام، من وجهة نظرك؟
حرية التعبير، أنّ تستطيع قول ما تشاء، أنّ تعبر وتنتقد أي رئيس حزب أو شخصية سياسية. وأضافت كذلك الأمل. الأمل بأن هناك شيئا إيجابيا سيحدث في البلد.