لندن – الناس نيوز ::
في لحظة تأمل عميقة وسط صخب الحياة، ينبض السؤال الصادم: هل يكون الإنسان أكبر عدو لذاته؟ يتساءل العقل ويندفع إلى الغوص في أعماق هذا السؤال المحير. هل حقًا يمكن أن نكون خصومًا لأنفسنا؟ وهل لدينا الحرية في أن نكون أصدقاء أو أعداء لذواتنا؟ هذا التساؤل المحير يُلقي بنا في متاهات، ويتطلب منا تأملًا عميقًا في مسار حياتنا.
بالفعل يمكن أن يكون الإنسان أكبر عدو لنفسه، إذ يمتلك القدرة المدهشة على تدمير ذاته بسهولة، والدليل على ذلك عندما مارست تأمل الطفل الداخلي، رأيت شريط حياتي منذ الطفولة وحتى الكبر. شاهدت كم مرة سببت جروحًا عميقة لنفسي، كم مرة حمّلت نفسي أعباءً تجاوزت طاقتي، كم مرة قلت فيها نعم وداخلي يقول لا، كم مرة كنت عالقة في مكاني ولم أتخذ خطوة للتقدم، وكم مرة كنت أتفنن في رسم قصص في مخيلتي لأظهر فيها بدور الضحية.. مشاهد كثيرة من حياتي، كان من المؤلم أنني لم أرَ هذه الأمور من قبل.
نعم! أيقنت وقتها أننا بكل سهولة قد نكون أكبر أعداء لأنفسنا.
متى نرسم طريق العداوة؟
تقول باربرا دي أنجليس: “قد تقول في نفسك” أن كلمة عدو كلمة قوية، ربما يخرج ذهني عن السيطرة في بعض الأحيان، ولكن من الصعب فهم هذا”.
نبدأ في رسم طريق العداوة من خلال ذهننا ونغذيها بالأفكار السلبية، أي فكرة سلبية تلو الأخرى، ومن خلال هذه الأفكار يتفنن ذهننا في كتابة النصوص الدرامية، ونحن بكل احترافية نؤدي الدور حتى نصبح أكثر عداوة لأنفسنا.
كم مرة حدث معك هذا الموقف؟ اتصلت بشخص أو صديق لك ولم يجب على اتصالك، وشعرت بالقلق، ثم رسم ذهنك أحداثًا في رأسك، ربما منزعجًا مني، أو أنه يتجاهلني، أو أنني غير مهم لديه، ويتصاعد توترك ويضيف ذهنك مزيدًا من الأفكار في وعاء قلقك وخوفك.
ثم تتلقى اتصالًا من صديقك يعتذر لك أنه حدث معه طارئ في العمل ولم يستطع الرد عليك، لقد خلق ذهنك واقعًا لم يكن حقيقيًا في رأسك.. إن هذا السيناريو يحدث لنا جميعًا عشرات المرات في اليوم.
فنحن المسؤولون عن أفكارنا لكننا نريد دائمًا أن نكون ضحايا في قصص حياتنا فنجد أنفسنا غالبًا نلوم الآخرين، ونعتبرهم الجذور الرئيسية لمشاكلنا، وسبب غضبنا وشعورنا بالألم، لكننا من نسببه لأنفسنا.
هل الأفكار سبب العداء لذواتنا؟
نعم!
إنها أفكارنا هي التي تؤدي دور البستاني في حقول روحنا، ونحن المزارعون الذين يزرعون البذور ويهتمون بنموها. إذا قررنا زراعة بذور النقد والتشكيك في قدراتنا، فسنجني قلة الثقة بالنفس والتشتت والعجز. وإذا زرعنا بذور الألم والحزن، فسنحصد الضعف واليأس. ولكن إذا اخترنا بذور الحب والأمل والإيجابية، فسنجني الثقة والطموح والنجاح.
استمع إلى أفكارك، وقتها سوف تعلم ماذا زرعت، حان الوقت لاقتلاع الأشواك، أي بذور الأفكار السلبية وزرع الورود في حياتنا، لنجني الحب والصحة والمال والسعادة، ونكون أقرب أصدقاء لأنفسنا.
هل تريد أن تكون عدوًا أم صديقًا لذاتك؟
تقول الكاتبة باربرا دي أنجليس “إن ذهنك يخلق تجربة واقعك، فأنت تحتاج أن تتخذ من ذهنك صديقًا لك، يمكن أن تستخدم هذه القوة على نحو بناء، بدلًا من استخدامها على نحو مدمر، المهم أن تعلم أن ذهنك يعمل لصالحك وليس ضدك.
تخيل هذا المشهد.. في الصباح استيقظت من النوم وبعدها نظرت إلى المرآة وتكلمت مع نفسك بطريقة سلبية وشعرت بالإحباط وبعدها أمضيت يومك، ونسيت الطريقة التي تكلمت بها، تخيل هذا المشهد، لكن مع بعض التعديلات.
إن شخصًا آخر يتحدث معك بطريقة سلبية عنك أو عن شخص تحبه، فما ردة فعلك؟ سوف تغضب منه بشدة وتخبره أنه كيف يتجرأ بالتحدث معك بهذه الطريقة، أو تدافع عن الشخص الذي تحبه.
على رغم أن تلك الطريقة هي التي تتحدث بها مع نفسك طوال الوقت!
إن الحديث الذاتي السلبي يبعدنا عن ذواتنا ويسبب العداء معها، عندما نسمح لذهننا بأن يسيئ معاملتنا وإزعاجنا ونمنحه السلطة لتغيير مزاجنا والتأثير في سلوكنا وحياتنا.
أليس من المثير للسخرية بأننا نتجنب الأماكن أو الأشخاص الذين يزعجوننا، مع ذلك فإن ذهننا يشكل المصدر الأعظم لإزعاجنا.
تقول الكاتبة باربرا “عندما تسمح لذهنك أن يكون عدوك من خلال التغاضي عن حديثه السلبي معك فإنك لا تكون صديقًا لنفسك، في كل لحظة يكون لديك الخيار لاستخدام ذهنك كي يكون صديقًا لك أو عدوك”.
خطوات تساعدنا أن نكون أصدقاء مع ذواتنا للكاتبة باربرا دي أنجليس؟
راقب ذهنك عندما تستيقظ من النوم، في أثناء عملك، وفي أثناء تعاملك مع الأشخاص، وفي أثناء إنجازك أمورًا معينة، وخلال حضورك في مناسبة ما.. وتخيل كمية التعليقات السلبية التي توجهها إلى نفسك خلال الـ 24 ساعة، كلما كنت أكثر إدراكًا لأفكارك كلما استطعت التحكم فيها.
اعقد اتفاقًا مع نفسك ليوم واحد أن تكون مركزًا ومدركًا لأفكارك، وأحمل معك مفكرة صغيرة ودوّن أي فكرة سلبية تخطر في ذهنك.
اختر أفكارك بدلًا من السماح لأفكارك باختيارك، لا تقتنع بكل فكرة يقدمها ذهنك، بل يمكن القول: كلا، شكرًا، لست مهتمًا بالتوجه لهذه الفكرة في الوقت الحالي.
إذا وجدت ذهنك يعرض عليك فكرة سلبية غيّرها ببساطة بفكرة أخرى أكثر إيجابية، أي فكّر فيما تريد وليس فيما لا تريد.
عندما تأتيك فكرة سلبية اسأل نفسك إلى أين سوف تأخذني هذه الفكرة؟ إلى البهجة، الألم، الخوف، الحب؟ واسأل نفسك هل تريد الذهاب معها؟
تقبل نفسك كما أنت، فعندما نتقبل أنفسنا كما نحن، ونعتبر أنفسنا محبوبين وقادرين على التفوق، فإننا نستطيع بناء صداقة حقيقية معها.
يجب أن نعامل أنفسنا بعناية، ونعرف أننا نستحق الحب والاهتمام، ونقدر قيمتنا، ونسامح أنفسنا، ونتعلم من أخطائنا ولا نغرق أنفسنا بالندم والانتقادات، فمن خلال العناية الذاتية نبني روابط قوية مع ذواتنا ونصبح أعز وأفضل صديقًا لذواتنا.