د.علا نصر – الناس نيوز ::
لطالما اعتادت مسامعنا نحن السوريون على مصطلح أقليات، بوصفه نعتاً يخص الطوائف الدينية والاثنيات العرقية. ومع تتالي المشاهد القاسية الصادمة القادمة إلينا عبر مقاطع الفيديو التي تُظهر وتوثّق حالات اعتداء صارخة وقبيحة من قبل مسلحين تابعين للسلطة السورية الحالية على أشخاص من مجتمع (الميم) تبعاً للتسمية الدراجة، أو من مجتمع (Transsexual) العابرين. تُدرك أن هناك من هم في حكم أقليّة الأقليّات يُعَاقبون على ما هو حبيس في جسدهم الذي لا يقوى على مقارعة كل هذا القهر والظلم الاجتماعي.
تصرفات وسلوكات لاإنسانية تُمارَس ضدهم، وتُنكِر عليهم كبشر فردانية شخصياتهم وخصوصية توجهاتهم الجنسية وتختزلهم في صورة نمطيّة مرسومة في أذهانهم.

يُخلق كل منا على هذه الأرض وله صفاته وسماته الجسدية والبيولوجية والجنسية والنفسية، التي تلعب دوراً في صقلها وتثبيتها وتعديلها المورّثات المحمولة على سلسلةDNA الخاصة بنا من جهة، والبيئة والتنشئة الاجتماعية من جهة أخرى.
وضَعت الدراسات الحديثة والمعاصرة في علوم الجنس خمسة تصنيفات، قسّمت من خلالها الناس تبعاً لميولهم الجنسية، وكان قد تحدّثَ عنها البروفيسور بسام العويل وهي: الغَيري (Heterosexual)، المثلي (Homosexual)، المزدوج/ثنائي الجنس (Bisexual)، لا جنسي (Asexual)، والميل للجنس الذاتي.
لا ينظر علم النفس لهؤلاء على أنهم شواذ أو مرضى لا سيّما أنهم متقبلين لميولهم وتوجهاتهم الجنسية، ومحققين للتماهي مع أدوراهم الجنسية وفق رغباتهم واحتياجاتهم الواعية والمسؤولة. إنما تبدأ مشكلاتهم ومعاناتهم من خلال أمرين: عدم توافق الميول الجنسية مع الأنا، وعدم تقبّل المجتمع واحترامه لشخصيتهم واختياراتهم.
أما عن معاناتهم مع ذواتهم فبالإمكان طلب المساعدة من الأخصائي النفسي الجنسي، والتوّجه إليه في حال الرغبة، فلديه العديد من المداخل العلاجية التي لا شك أنها لا تقوم على التغيير القسري.
ويبقى وجعهم الأكبر في مواجهة ذلك المجتمع السلطوي صاحب الأحكام المسبقة والقوالب الجاهزة والصور النمطية، ابتداءً من عدم تقبّل هذه الفئة، وانتهاءً بالنبذ والتعنيف وربما الوصول للقتل أحياناً.
وعلى المقلب الآخر هناك اضطراب الهوية الجنسية التي يظهر نتيجة عدم التطابق والتوافق بين الجنس المحدد للفرد منذ الولادة (sex) وإحساسه بهويته الجنسية، والدور الاجتماعي المتوقع منه تبعاً للمعايير الاجتماعية السائدة (Gender)، يتجلّى هذا الاضطراب من خلال شعور الشخص بعدم الارتياح والضيق المستمر من خصائصه الجسدية المرتبطة بجنسه، والرغبة الشديدة في تغيير هذه الخصائص لكي تتناسب مع الهوية الجندرية من وجهة نظره، وبالتالي امتلاك الخصائص الجسدية للجنس الآخر.

هؤلاء يُطلق عليهم مجتمع (Transsexual) أي عابرين، وهم كأشخاص لديهم شعور باليقين بأن الهوية الجنسية الحقيقة لهم هي الجنس الآخر، ويقومون بالتفاعل والتعبير عن ذاتهم بطريقة وأسلوب الجنس الآخر. فالذكور منهم لديهم صفات الذكورة الجسدية البيولوجية (الجنس التشريحي) ولكنهم يرون ويشعرون بهويتهم الجنسية كإناث، أما الإناث منهم فلديهم صفات الأنوثة الجسدية البيولوجية (الجنس التشريحي) ولكنهم يرون ويشعرون بهويتهم الجنسية كذكور. وبالتالي هذا يخلق لديهم عدم توافق، وعذابات، ومعاناة في طريقة حياتهم تؤدي إلى اضطرابات ومشكلات سلوكية مصاحبة.
هؤلاء أيضاً يحتاجون إلى من يأخذ بيدهم ويحتضنهم ويساعدهم، ويرشدهم إلى العلاجات المناسبة سواء أكانت نفسية اجتماعية، هرمونية، أو جراحية. فإن لم يكن لديك المعرفة أو القدرة على ذلك، فأرحهم من جهلك وتقييماتك، واضطهادك لهم مرة تحت مسمّى الدين، ومرة تحت مسمّى الانحراف والفسق. فبدلاً من ذلك ابحث عن عقدك النفسية في السيطرة والتفوّق وامتلاك الحقيقة وحاول إصلاحها.
ما يدعو للأسف أن هناك الكثير من دول العالم مازالت حكوماتها قمعية تجاه هذه الفئة، تفرض قيوداً صارمة عليهم، غير مرحبة بهم، ويعانون من التمييز في العمل والمجتمع والحياة، ربما تصل الى عدم الحماية والقتل أحياناً.

الأكثر شعبية

الملك تشارلز يحتفل بعيد ميلاده بعد سلسلة نجاحات…

أقليّة الأقليّات…


