ترجمة د. علي حافظ
يثير قرار كوبنهاغن قلق المدافعين عن حقوق الإنسان ويخلق مشاكل إضافية للبلاد، وأصبحت مملكة الدنمارك أول دولة أوروبية تعتبر الوضع الأمني في دمشق والمناطق السورية المحيطة بها قد تحسن، وقررت إعادة نحو مئة سوري إلى بلادهم بعدما عاشوا في المملكة وفق تصاريح إقامة مؤقتة. في غضون ذلك، أعرب نشطاء حقوق الإنسان عن قلقهم من أن تُلهم السابقة الدنماركية دول الاتحاد الأوروبي الأخرى بإعادة “سورييهم” إلى وطنهم!
ومع ذلك، لا توجد شروط مسبقة خاصة بهذا الغرض حتى الآن. علاوة على أن مثال الدنمارك يُظهر بأنه ليس من السهل إعادة المهاجرين إلى وطنهم: وفقاً للقانون، يجب أن يكون قرار العودة طوعياً، أو يجب أن يكون لدى كوبنهاغن اتفاق مع السلطات السورية بشأن عودتهم إلى وطنهم، وهو ما لا تريد الدنمارك عقده بشكل قاطع.
ليسوا سعداء دائماً
لم تكن الدنمارك أبداً دافئة بشكل خاص تجاه اللاجئين، ومنذ أكبر أزمة هجرة في أوروبا عام 2015، اتخذت العديد من الإجراءات الرامية لإثبات، بأكبر قدر ممكن من الوضوح، أن الغرباء غير مرحب بهم في البلاد. على سبيل المثال، توصلت كوبنهاغن في عام 2016 إلى قانون يسمح بمصادرة الأشياء الثمينة التي تزيد قيمتها عن 1500 دولار من اللاجئين، موضحة أن الدولة لا تنوي دعم أولئك القادرين على إعالة أنفسهم: سواء كان المهاجر من أصل عربي أو مواطناً دنماركياً، لديه مطالبة بالحصول على إعانات البطالة.
على الرغم من المعوقات، تمكن زهاء 35 ألف سوري من الحصول على تصريح إقامة في الدنمارك منذ عام 2011،. بدا أن أجندة الهجرة قد تراجعت بشكل ملحوظ للوراء، بسبب انخفاض تدفق اللاجئين في السنوات القليلة الماضية، وفوز الاشتراكيين الديمقراطيين في انتخابات عام 2019.
لكن، ظهر موضوع الهجرة مرة أخرى خلال الأيام السابقة: اعتبرت السلطات الدنماركية أن الوضع ليس في دمشق وحدها آمن لعودة اللاجئين إلى هناك، وإنما أيضاً في محيطها الخاضع لسيطرة قوات الحكومة السورية. وأعلنت سحب تصاريح الإقامة المؤقتة من 94 سورياً كانوا يعيشون في دمشق والمناطق المحيطة بها.
قررت كوبنهاغن بأنه يمكن الآن للضيوف الذهاب إلى وطنهم. وعلاوة على ذلك، وعدت دائرة الهجرة الدنماركية بمراجعة حوالي 700 قضية ضد مواطنين سوريين ينحدرون من دمشق والمناطق المجاورة لها خلال عام 2021.
في الوقت نفسه، لا يمكن اتهام كوبنهاغن بالنفاق، بالمعنى الدقيق للكلمة. فقد أوضح وزير الهجرة ماتياس تسفاي، بأن الدنمارك كانت “منفتحة وصادقة منذ البداية” مع اللاجئين القادمين من سوريا، مشيراً إلى أنه يمكن إلغاء تصاريح إقامتهم المؤقت، إذا لم تعد الحماية مطلوبة.
هل سيكون هناك مهاجرون آخرون؟
أصدر المكتب الأوروبي لدعم اللجوء “دليل حول سوريا” في سبتمبر أيلول 2020، والذي يقدم تقييماً مشتركاً للوضع في الجمهورية من قبل أعضاء الاتحاد الأوروبي. في الوقت نفسه، قالت أنيس قصار، المتحدثة باسم الخدمة الصحفية للمكتب، لجريدة “الإزفستيا” (الأخبار): إن هذه الوثيقة لم تتناول بالتفصيل قضية عودة اللاجئين إلى وطنهم، بل تناولت حاجات الحماية الدولية وفقاً لـ “اتفاقية جنيف”. وأضافت أنيس قصار: هذان الموضوعان بالطبع مرتبطان ارتباطاً وثيقاً، لكننا نريد ملاحظة أن الوثيقة لا تعطي إجابة مباشرة لمسألة العودة. يخضع التقييم الأمني (في حالة العودة إلى سوريا) لتحليل فردي لحالة مقدم الطلب الذي يتم النظر في قضيته.
أوضحت المفوضية الأوروبية لصحيفة “الإزفستيا” أن القرارات بشأن عودة اللاجئين تتخذها السلطات الوطنية على أساس فردي. أي أن الدنمارك لها الحق الكامل في حرمان السوريين من الحق المؤقت بالبقاء لمواصلة العيش في البلاد استناداً إلى أنه تمت استعادة السلام والنظام في دمشق وما حولها. ومع ذلك، لم يعجب هذا نشطاء حقوق الإنسان؛ حيث تساءلت العديد من المنظمات المتعاملة مع المهاجرين عما إذا كانت دمشق آمنة حقاً؟!
وكان من المثير للقلق أيضاً أن مثال الدنمارك، التي أصبحت أول دولة أوروبية تقرر إعادة السوريين إلى وطنهم، يمكن أن يدفع دولاً أخرى إلى فكرة طرد “لاجئيها” من هناك!
كما هو معلوم، كانت ألمانيا هي الأكثر ترحيباً باللاجئين في أوروبا. بحلول بداية عام 2020، استقر أكثر من 789 ألف سوري في هذا البلد (ثالث أكبر جالية بعد الأتراك والبولنديين). وكما قالت المتحدثة باسم مكتب الإحصاء الألماني نيكول ستومبي لصحيفة “الإزفستيا”: حصل أكثر من 661 ألفاً من هذا العدد على تصاريح إقامة مؤقتة في البلاد.
عندما سُئلت عما إذا كان يتم النظر في إمكانية سحب هذا النوع من الحماية، لم ترد وزارة الداخلية الألمانية على الجريدة. ومع ذلك، في وقت سابق، سمحت سلطات البلاد فقط بطرد اللاجئين الذين ارتكبوا جرائم جنائية إلى سوريا!
سيكون من المنطقي افتراض أن المثال الدنماركي يمكن أن تتبعه النرويج المجاورة. منذ بداية أزمة الهجرة، بدت هذه البلدان على الدوام وكأنها تتصرف مسترقة النظر إلى بعضها بعضاً. عندما بدأت أوسلو في تشديد إجراءات الهجرة في عام 2016، أشار البرلمانيون المحليون بالإجماع إلى الدنمارك، حيث توجهت وزيرة الهجرة والاندماج النرويجية السابقة سيلفي ليستاوغ إلى كوبنهاغن لتتعلم من الجيران كيفية ترتيب مخيمات اللاجئين!
ومع ذلك، على الرغم من الخطاب المعادي للهجرة الذي يُسمع كثيراً من أوسلو، في الواقع، منذ عام 2014، تمت تلبية طلبات الأشخاص الذين فروا من سوريا للحصول على تصريح إقامة بنسبة 99-100 ٪. في المجموع، كان هناك حوالي 13.5 ألف شخص ضمناً بين أعوام 2014 – 2020.
أكد رئيس قسم اللجوء في مكتب الهجرة النرويجي ميران سكيتش لجريدة “الإزفستيا”: “تم إصدار تصاريح لجميع طالبي اللجوء من سوريا تقريباً مع أسس للحصول على الإقامة الدائمة. لم يتم حتى الآن رفض أو ترحيل أي من السوريين الذين يطلبون الحماية”.
لم يكتمل الحل
من نواح كثيرة، لدى المثال الدنماركي، فرصة ضئيلة لكي يصبح معدياً أيضاً، لأن الدولة لم تحل مشكلة اللاجئين غير الضروريين بقدر ما أوجدت مشكلة جديدة. بموجب القانون، لا يمكن إجبار المهاجرين على المغادرة؛ ويجب أن يكون قرار العودة إلى وطنهم طوعياً. وأولئك الذين لم يرغبوا في مغادرة الدنمارك (وهم الأغلبية على ما يبدو)، نُقلوا ببساطة إلى معسكرات الترحيل بعد حرمانهم من حق الإقامة المؤقتة.
أثار هذا على الفور مخاوف من أنه بدل العودة إلى سوريا، سيبقى اللاجئون عالقين في المملكة لفترة غير محددة، لكن في نفس الوقت سيعيشون أسوأ بكثير.
دعا حزب الأحرار اليميني المعارض مؤخراً إلى تسريع عودة السوريين من خلال اتفاق مع نظام بشار الأسد. لكن الحزب الحاكم، الذي يُعتبر زعيم الجمهورية، مثل أحزاب كثيرة في الاتحاد الأوروبي، لا يرغب بالمصافحة، ويرفض هذا الخيار رفضاً قاطعاً. في هذا الصدد، قالت النائبة عن “حزب الشعب الدنماركي” اليميني المعارض ماري كراروب لجريدة “الإزفستيا”: الحل الأفضل هو التفاوض مع الأسد على العودة إلى الوطن، لكن الدنمارك لا تريد الدخول في حوار مع “الرجل السيئ” كأول دولة في الاتحاد الأوروبي؛ وفي مثل هذه الظروف، أصبح إرسال اللاجئين إلى المخيمات هو أفضل خيار ممكن. الأفضل بالطبع ليس للاجئين أنفسهم، ولكن لبلد لا يريد تدفقاً جديداً للمهاجرين.
كذلك أوضحت ماري كراروب بأنه إذا سُمح للسوريين بدخول المجتمع مرة أخرى، والعمل والعيش حياة طبيعية، فستكون هذه “إشارة خاطئة للغاية بالنسبة لبقية المهاجرين في العالم؛ وتعني أنه يمكنهم القدوم إلى الدنمارك، وعدم الاستماع للمخاطر، وأنه لا يزال بإمكانهم البقاء”.
* المقال موجود على الرابط التالي:
https://iz.ru/1134346/nataliia-portiakova/pogostili-i-khvatit-daniia-otpravliaet-siriitcev-domoi
ناتاليا بورتياكوف – صحيفة الإزفستيا
علي حافظ