ماردين – الناس نيوز :
تأخذنا مدينة ماردين في تركيا على الحدود مع سورية إلى رحلة نوستاليجية خارج الزمن ، عبر أزقتها التاريخية وبيوتها الأثرية وأدراجها العتيقة، في تمازج حضاري وثقافي وديموغرافي متفرد ومنقطع النظير، إذ يعتقد أنها مأهولة منذ أكثر من 10 آلاف عام قبل الميلاد .
وتضم ماردين التي تعرف بمدينة التسامح، آثارا تعود لـ25 حضارة، بينها السومرية والأكادية والبابلية والحثية والآشورية السريانية ( لا يزال قسم من أهلها الحاليين مسيحيين ومسلمين يتحدثون اللغة السريانية ) والرومانية والعباسية والسلجوقية والعثمانية.
تتميز مادرين الواقعة جنوب تركيا بالقرب من الحدود السورية، بالحجر والطين الخاص بالمنطقة، وعثر فيها على أقدم ختم طيني في العالم، حيث استخدمت الألواح الطينية في حضارة الرافدين للكتابة، وكانت عنصرا مهما في التعليم بالتاريخ القديم.
بنيت المدينة على سفح جبل ماردين، وتقع أسفل قلعة معلقة أعلى تلة صخرية في موقع استراتيجي، وترتصف بيوت المدينة على السفح بحيث لا تغلق إطلالة البيوت الأخرى، في مشهد استثنائي يمنح السكان إطلالة رائعة على السهول الخصيبة الواصلة إلى الحدود السورية.
أديان وحضارات كثيرة تعاقبت على المدينة، الأمر الذي شكّل غناها الثقافي المتنوع، حيث حكم الآشوريون والسريان ( طابع المنطقة لمئات السنين طبع بالحضارة الآرامية ) والأكاديون والحوريون المنطقة قبل الميلاد، كما أن المدينة خضعت لحكم البابليين، ووصلت ذروتها في حكم حمورابي، ولإمبراطورية روما آثارها في المنطقة أيضا، حيث كانت هذه المنطقة ساحة نزاع مع الساسانيين الفرس لتعود لحكم البيزنطيين ومنها للحكم العربي الإسلامي في عام 641 م.
كما لعبت عشائر بني تغلب وبكر وتميم دورا هاما في تاريخ ماردين، وكانت المدينة مرتبطة بالخليفة في مكة ومن ثم بدمشق في زمن حكم الأمويين، وهكذا انتقلت بين الحضارات الإسلامية وصولا إلى الدولة العثمانية.
ومن أبرز معالم مدينة ماردين مسجد “أولو جامع”، وهو مسجد بني في القرن الثاني عشر في فترة حكم الآرتوقيين المسلمين للمدينة، ومنارته المتميزة المرتفعة التي تظهر بشكل واضح من كافة أرجاء المدينة القديمة، وبني المسجد على الشكل القديم في صورة مستطيل كبير، ويضم باحة بنفس الشكل ومنارة مدون عليها بـ 16 كتابة مختلفة تعبيرا عن الحقب التاريخية والحضارية التي تعاقبت عليها.
وقبل ذلك بينت فيها واحدة من اقدم الكنائس السريانية ولا يزال دير الزعفران شاهداً على كتفها كمنارة عمرها مئات السنين يقطنه الرهبان ويرتادون سنوياً آلاف السياح من كل العالم كمعلم حضاري ومكتبة تاريخية مليئة بالوثائق…
يقطن ماردين اليوم نسيج اجتماعي وديني متنوع يجمع بين طياته المسلمين والمسيحيين والعرب والأتراك ، يشكلون جميعهم لوحة فسيفسائية مميزة للتعايش المشترك.