تمسك الأكراد بهويتهم القومية إلى درجة التزّمت ، لم يحل دون انقسامهم وتشرذمهم السياسي. في سوريا، بدؤوا بحزب واحد عام 1957. اليوم أكثر من مئة حزب وتنظيم ومنظمة، لأقل من 2 مليون كردي سوري . على خلفية الأزمة السورية والمقاربات المتباينة للحالة الكردية، انقسم الشارع الكردي بشكل أساسي بين ( حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) المقرب من حزب العمال الكردستاني الذي يتزعمه عبدالله أوجلان ، والمجلس الوطني الكردي المقرب من حزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتزعمه مسعود البرزاني/العراق. تبعية أكراد سوريا لمرجعيات من خارج الحدود السورية (أربيل – قنديل) ، هي على خلاف تاريخي وأيديولوجي عميق، زاد من تعقيدات المشهد الكردي السوري ، بشقيه (السياسي و العسكري). الديمقراطي الكردستاني، يريد لأكراد الشمال الشرق السوري ما حققه لأكراد الشمال العراقي “إقليم فيدرالي” ، فيما العمال الكردستاني يريد أن يقيم ما يسميه بـ”الأمة الديمقراطية ” في الجزيرة السورية ( محافظة الحسكة ) ، التي يتصف مجتمعها بالتنوع القومي والديني والإثني، والخاضعة لسيطرة ذراعه السوري(الاتحاد الديمقراطي).
إثرَ الفشل في تنفيذ الاتفاقيات، التي رعاها السيد مسعود البرزاني، أربيل 1 عام 2012، وأربيل2 عام 2013، ودهوك 2014 ، بين المجلس الوطني الكردي وحزب الاتحاد الديمقراطي ، ساءت كثيراً العلاقة بين الطرفين. وسيطرة تركيا على منطقة تل أبيض ورأس العين، شمال شرق سورية ، خريف 2019 ، دفعت بـ (مظلوم عبدي – القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية) لإطلاق مبادرة جديدة لتوحيد الصف الكردي. تجاوباً مع (مبادرة) عبدي، ومع الرغبة الأمريكية بتوحيد رؤية الأكراد لقضيتهم وموقفهم من الأزمة السورية، عادت الكتل السياسية الاساسية لأكراد سوريا حزب الاتحاد الديمقراطي ومن معه من الأحزاب الأخرى و(أحزاب المجلس الوطني الكردي) إلى الحوار والتفاوض، بعد سنوات من القطيعة والحرب الكلامية والاتهامات المتبادلة بالتخوين والعمالة لأطراف إقليمية. جولات الحوار(الكردي- الكردي)، التي انطلقت في نيسان ابريل الماضي برعاية الجانب الأمريكي، لا يبدو أنها حققت نتائج مهمة حتى الآن. مع تضارب مصالح (المرجعيات والمحاور) السياسية ، التي تتبع لها الأطراف الكردية المتحاورة، من غير المتوقع أن تطوى صفحة الخلافات الحادة بين الكتلتين الكرديتين. إذا ما أصر حزب الاتحاد الديمقراطي pyd ، على رفض تقاسم السلطة في “الإدارة الذاتية” الكردية ، وهو الحزب الحاكم في هذه الإدارة ، مع غريمه ، المجلس الوطني الكردي، يصبح الحوار الكردي عقيماً وبلا جدوى. لأن الشراكة الكاملة ( سياسية ، إدارية، عسكرية ) في الإدارة ، مطلب أساسي للمجلس الكردي، لا بل هي شرط لأي اتفاق نهائي مع الاتحاد الديمقراطي.
من الأهمية بمكان، إشراك بقية السوريين في الحوار الكردي ، إذا ما كانت حقاً قضية أكراد سوريا “قضية وطنية سورية تخص جميع السوريين، وليس الكُرد وحدهم “. ومن الأهمية بمكان أيضاً، أن يكون الحوار الكردي رافداً للحوار الوطني العام، وأن تصب نتائجه في خدمة القضية الوطنية السورية العامة . لكن بالنظر لكون الأحزاب الكردية عابرة للوطنية السورية وغارقة في أحلامها القومية، يُستبعد أن تنخرط بشكل فعلي وجاد في أي مشروع سوري وطني ديمقراطي، لا يلبي طموحاتها القومية. تطلعات أكراد سوريا وتعاظم قوتهم العسكرية وتلقيهم دعماً أمريكيا أوروبيا، بدأت تثير قلق ومخاوف السوريين على وحدة ومستقبل بلدهم. هذه المخاوف دفعت أكثر من 800 شخصية سورية من مختلف الأطياف (القومية ، الدينية ، السياسية) لإصدار بيان انتقدت واستنكرت فيه المفاوضات بين المجلس الوطني الكردي وحزب الاتحاد الديمقراطي، “لتقرير مصير ومستقبل الجزيرة السورية”. من بين الموقعين على البيان معارضون أكراد مستقلون وشخصيات وازنة وشركاء المجلس الكردي في الائتلاف المعارض . جاء في البيان “فرض الإدارة الذاتية كأمر واقع، وتطويرها إلى فيدرالية أو حكم ذاتي يشكل خطراً على مستقبل وحدة الدولة السورية ومصادرة لحقوق وحريات المكونات الأخرى، سريانية آشورية، عربية، تركمانية، في المنطقة “
المجلس الوطني الكردي، حمل بشدة على البيان واتهم الموقعين عليه “بمعاداة الكرد ورفض الآخر بمنطق قومي استعلائي “. المعارض السوري ميشيل كيلو ، استغرب في تصريح له ، رد فعل المجلس الوطني الكردي وتوجيهه الاتهامات بالشوفينية والتعصب القومي لشخصيات ناضلت ضد حزب البعث ومن أجل حقوق الأكراد. كيلو، قال ” إن البيان الذي وقعنا عليه كان يريد، بشكل واضح، التذكير بأن حواراً يجري بين طرف سوري وآخر غير سوري لديه مشروع إقليمي، وبالتالي أنا أخشى من أن تكون الغلبة للمشروع الإقليمي وهو ما لن يحل القضية الكردية ” .
سليمان يوسف .