بيروت – الناس نيوز ::
اعتصم أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت الخميس دعماً لمسار التحقيق الذي يقوده القاضي طارق بيطار، بعدما أشعل استئنافه التحقيق مواجهة غير مسبوقة داخل القضاء، تهدّد بانهيار المؤسسات في بلد تنهشه أزمة اقتصادية وانقسام سياسي حاد.
منذ تسلمه التحقيق قبل عامين، يواجه بيطار (48 عاماً)، القاضي المعروف بنزاهته واستقلاليته، عقبات وتدخلات سياسية حالت تباعاً دون إتمامه لمهمته، وتهدّد حالياً بنسف التحقيق في الانفجار المروع الذي أوقع في الرابع من آب/أغسطس 2020 أكثر من 215 قتيلاً و6500 جريح وألحق دماراً واسعاً بالعاصمة.
وتجمع العشرات من أهالي الضحايا، رافعين صور أبنائهم أمام قصر العدل في بيروت، بحضور ناشطين حقوقيين ونواب انتخبوا إثر تظاهرات احتجاجية شهدها لبنان بدءاً من خريف عام 2019 “دعماً لمسار التحقيق”، وسط اجراءات أمنية مشددة في محيط قصر العدل وداخله، وفق مراسل لوكالة فرانس برس.
وقال عبده متى (54 عاماً) الذي خسر ابنه في الانفجار لوكالة فرانس برس “كنا نتأمل بالقضاء، لكن القناع سقط”.
وأضاف “ثمة من قتل أولادنا ونريد أن نعرف من هو”.
رغم عشرات الدعاوى التي علّقت تحقيقاته منذ 13 شهراً واعتراض قوى سياسية رئيسية أبرزها حزب الله على عمله واتهامه بـ”تسييس” الملف، وصولاً إلى المطالبة بتنحّيه، استأنف بيطار الإثنين بشكل مفاجئ تحقيقاته بالادعاء على ثمانية أشخاص، بينهم النائب العام التمييزي غسان عويدات ومسؤولان أمنيان رفيعان.
وحدّد الثلاثاء مواعيد لاستجوابهم مع مدعى عليهم آخرين في إطار دعاوى حقّ عام “بجرائم القتل والإيذاء والإحراق والتخريب معطوفة جميعها على القصد الاحتمالي”. لكن النيابة العامة التمييزية سارعت الثلاثاء الى رفض قراراته كافة.
وتصاعدت المواجهة القضائية الأربعاء مع ادعاء عويدات على بيطار بتهمة “التمرد على القضاء واغتصاب السلطة”ومنعه من السفر. كما قرّر إخلاء الموقوفين الـ17 في التحقيق، في خطوة تعكس حجم الانقسام داخل الجسم القضائي.
واستدعى عويدات بيطار للمثول أمامه صباح الخميس، إلا أنه “رفض المثول أمامه”، وفق ما أفاد مسؤول قضائي فرانس برس.
وقال بيطار لفرانس برس الأربعاء إنه “لا يحق” لعويدات اتخاذ القرارات التي أعلنها كونه مدعى عليه في القضية. وأضاف “مستمر بواجباتي وبتحمل مسؤولياتي في ملف المرفأ حتى النهاية”.
– “نحروا القضاء” –
حظيت قرارات عويدات بدعم مباشر من حزب الله. واعتبرها النائب ابراهيم الموسوي في تغريدة الأربعاء “خطوة في الطريق الصحيح لاستعادة الثقة بالقضاة والقضاء بعدما هدمها بعض أبناء البيت القضائي”.
منذ البداية، عزت السلطات اللبنانية الانفجار إلى تخزين كميات ضخمة من نيترات الأمونيوم داخل المرفأ من دون إجراءات وقاية، واندلاع حريق لم تُعرف أسبابه. وتبيّن لاحقاً أنّ مسؤولين على مستويات عدّة كانوا على دراية بمخاطر تخزين المادة ولم يحرّكوا ساكناً.
لكن كافة محاولات المحقق العدلي السابق فادي صوان والحالي، لناحية استجواب مسؤولين سياسيين وأمنيين، باءت بالفشل وسط ضغوط سياسية وعرقلة وصلت حد تهديد بيطار.
وتنذر المواجهة الحالية بأزمة قضائية تضاف الى أزمتي لبنان الاقتصادية والسياسية في ظل شلل عام في عمل المؤسسات الدستورية كافة.
وقال النائب ملحم خلف أمام قصر العدل الخميس “سقط القضاء ونحروه. لا نعلم اليوم الى أين نتجه، بينما المؤسسة الأم عاجزة عن انتخاب رئيس. هذا الخطر الحقيقي على الديمقراطية”.
وطالب خلف وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال هنري خوري بتقديم حلول “لأنه لا يمكن أن نقف أمام هذه القرارات المتناقضة ونقول نحن عاجزون عن مواصلة التحقيق”. ودعا “مجلس القضاء الأعلى لأن يشرح ماذا يحصل”.
ومن المقرر أن يجتمع مجلس القضاء الأعلى، المرجع القانوني الأرفع في البلاد، عند الأولى بعد الظهر (11,00 ت غ)، بعدما تعذر ذلك سابقاً جراء تباين مواقف أعضائه من عمل بيطار.
وشدّد الخبير القانوني بول مرقص على ضرورة تدخّل مجلس القضاء الأعلى من أجل “تفادي مزيد من التأزم في القضاء”.
وقال في تصريحات لفرانس برس “مستقبل المسار القضائي لملف المرفأ محفوف بالمخاطر، ثمة علامات استفهام كبرى تحوم حوله وما إذا كان سيفضي الى العدالة وكشف الحقيقة أم لا”.
ورأى أن “الأمر صعب جداً ومعقّد وخاضع لضغوط سياسية هائلة لا قدرة للقضاء اللبناني على جبهها، ما أدى به الى هذا الانقسام والشرخ الكبير”.
-“شريعة الغاب” –
أثارت قرارات النيابة العامة التمييزية بالادعاء على بيطار واطلاق سراح كافة الموقوفين غضب أهالي الضحايا وحقوقيين رأوا في الخطوة “انقلاباً” قضائياً يكرّس ثقافة “الإفلات من العقاب” التي لطالما طبعت المشهد العام في بلد يحفل تاريخه باغتيالات وانفجارات وملفات فساد، نادراً ما تمّت محاسبة المتورّطين فيها.
وعنونت صحيفة “لوريان لوجور” الناطقة بالفرنسية على صفحتها الأولى الخميس “العدالة تطلق رصاصة على رأسها”.
ورغم إصدار عويدات منع سفر بحق الموقوفين الذين أخلى سبيلهم، إلا أنّ أحدهم ويدعى زياد العوف، وهو لبناني أميركي شغل منصب رئيس مصلحة الأمن والسلامة في مرفأ بيروت، تمكّن من المغادرة الى الولايات المتحدة، وفق ما أفاد محاميه صخر الهاشم فرانس برس الخميس.
وبحسب مسؤول قضائي، رفض الكشف عن اسمه، مارست الولايات المتحدة ضغوطاً من أجل إطلاق سراحه.
وتثير المواجهة القضائية التي لم تتضح تداعياتها بعد خشية واسعة.
وحذّر رئيس حزب الكتائب اللبنانية النائب سامي الجميل من أن “المعركة القانونية يمكن أن تؤدي الى انهيار كامل للسلطة الق