الناس نيوز – متابعات:
تحولت قرية أوفير سور واز في فرنسا إلى محج فني عالمي بفضل الرسام فنسان فان غوخ الهولندي لتصبح كلمات الإثارة والانبهار والإعجاب ضعيفة جدا صحافيا وأدبيا للتعبير عن موقع جغرافي وتاريخي وفني وحضاري وسياحي ليس ككل المواقع بكل المعايير والمقاييس والمواصفات.
وقال تقرر لملحق “ضفة ثالثة” إن قرية أوفير سور واز التابعة لمقاطعة فال دواز الواقعة شمال شرق باريس، مشهورة فرنسيا وأوروبيا وعالميا، بالرسامين الانطباعيين الذين أسرتهم المناظر الطبيعية الخلابة، وبأشهرهم فان غوخ الذي يصنف نقديا في خانة الرسامين الذين أرخوا لمرحلة الانطباعية وما بعدها.
ورغم الأثر الذي تركه شارل فرنسوا دوبينيه الذي يستقبل الزوار بنصبه التذكاري الذي تطل عليه كنيسة أوفير سور واز، يبقى فان غوخ الاسم الأول والأخير المرادف لقرية خلابة ووديعة أصبحت عالمية بفضل ريشته المرادفة بدورها للجنون الذي دفع به إلى الانتحار متأثرا بأزمة نفسية عاصفة نتجت عن سلسلة من خيبات الأمل والطعنات والصدمات الشخصية والعائلية والعاطفية.

وأضاف التقرير أن القرية التي يدخلها الآلاف سنويا يأتون من كل فج عميق، تخطف أنظار الزائر، وهو يقترب وراء مقود سيارته من الشارع الرئيس للقرية برموز فنية وحضارية وسياحية تقطر بعبق تاريخ قرية اقتحمت بوابة المجد والخلود دون استئذان. ويقف قصر أوفير سور واز عند مدخل القرية بشموخه وجلاله وضخامته وهندسته وجمال محيطه الأخضر، ليفرض على السياح المنهجيين والعارفين بتاريخه اللصيق بقرية الرسامين الكبار، الوقوف الحتمي للتمتع بلوحات شارل فرنسوا دوبينيه وبول سيزان وكامييه كورو وكامييه بيسارو وآخرين. وكما كان منتظرا وكما فعل كل السياح، فقد وقفنا بدورنا أمام شاشات اللوحات البديعة للرسامين الذين أقاموا في القرية العالمية، وقضينا أطول وقت أمام لوحات المعشوق الأول والأخير فنسان فان غوخ الهولندي الذي أعطى حياة جديدة للقرية الخرافية انطلاقا من عام 1853، وحتى غاية تاريخ انتحاره عام 1890 بمسدس عثر عليه في أحد الحقول غير البعيدة عن المقبرة التي يرقد فيها إلى جانب شقيقه تيو، كما سيأتي معنا. ويؤرخ المتخصصون في فن فان غوخ التشكيلي وعلاقته بمساره الإبداعي والشخصي، بربطهم بين لوحة “الهضبة القريبة من أوفير” التي عبر فيها عن تشاؤمه وعن ذروة تأزمه النفسي، وبين انتحاره استنادا لقراءة فنية تعكس تشكيلا فنيا دفع بصاحب “عباد الشمس” أشهر لوحاته إلى التعبير عن قرب نهاية حياته. وعبر فان غوخ في لوحة “الهضبة القريبة من أوفير” عن انسداد أفق مقاومته لجنون عكسته الأشجار المتبعثرة تحت سماء ملبدة تعكس الأسى الذي استولى عليه كشخص أصبح معزولا أكثر من أي وقت مضى. وكتب في رسالة تركها لأخيه تيو الذي أوصى بدفنه قرب شقيقه فنسان جاء فيها: “إنها اللوحة التي تعبر عن حزني الشديد وعن أقصى درجات عزلتي. إن الأفق يزداد سوداوية ويبدو المستقبل قاتما”.

أكثر من 2000 لوحة
فان غوخ الذي رسم أكثر من 2000 لوحة وأبدع فعلاً في سن السابعة والعشرين أي عشرة أعوام قبل رحيله، لم يتميز فنيا إلا بعد أن تشبع بصدى الوسط الفني الأوروبي في نهاية القرن التاسع عشر، وبتأثره بالفنانين الأصدقاء من أمثال أنطون فان رابار وإميل برنار وبول غوغان وفرنسوا مييه ورمبرانت وفرانتز هالز ويوجين دولاكروا وهيرو شيج وكلود مونيه وأدولف مونتشلي وبول سيزان وإدغار دوقا وبول سينياك. فان غوخ الذي لم يكن معروفا بالقدر الكافي حتى قبل وفاته إلا في أوساط فنية فرنسية وهولندية وبلجيكية ودنماركية قليلة، سطع نجمه وصنع الحدث العالمي في الثلاثينيات من القرن الماضي حينما زار معرضه في متحف الفن الحديث بنيويورك أكثر من 120 ألف زائر.
من أشهر لوحاته نذكر بوجه خاص “أكلة البطاطس”، وغرفة فان غوخ في آرل المدينة الفرنسية التي تقع جنوب فرنسا وأقام فيها سنة واحدة (1888 و1889)، و”عباد الشمس”، و”الليلة المضيئة”، و”بورتريه الدكتور غوشيه” (الطبيب النفساني الذي يعد رساما هو الآخر وعالج فان غوخ دون جدوى)، و”البيت الأبيض ليلا”، و”شرفة المقهى في المساء”. مسيرة فإن غوخ المبهرة ملخصة بشكل مثير في معرض اللوحات المعدنية المثبتة قبالة متحفه، وفيها نقرأ أنه عاش كرحالة متنقلا بين هولندا (تيبور ولاهاي وأمستردام)، وبلجيكا (بروكسل وأنفير)، وبريطانيا (لندن)، وفرنسا (باريس وآرل وسان ريميه دو فرانس وأخيرا أوفير سور واز التي تسهر على مجده وتخلده كصاحب ريشة عابرة للأزمنة والأمكنة وللقارات).

الأكثر شعبية

هجرة المسيحيين السوريين بين التفكك الوجودي وتحديات البقاء…

الحكومة الأسترالية تبدأ خطوات “تعليق” العقوبات على سوريا…


