دمشق – الناس نيوز ::
في مقهى شعبي وسط دمشق، تعلو قهقهة مع كل نكتة تطال تقنين الكهرباء أو شحّ المحروقات أو تداعي قطاعات منتجة، يرويها أعضاء أول فريق كوميديا ارتجالية في سوريا، حيث لا محرّمات إلا السياسة والدين.
يفتتح شريف حمصي العرض الأسبوعي بالحديث عن ميزات العريس في سوريا، التي باتت تتخطى صفاته الحسنة لتطال مخزونه من محروقات وألواح طاقة.
تسيل دموع بعض الحاضرين من فرط الضحك حين يروي كيف يسّوق لنفسه أمام فتاة أعجبته، “تزوّجيني فمستقبلي مضمون، عندي مئتا ليتر من البنزين وطاقة شمسية لتوليد الكهرباء وثلاث قوارير غاز”.
ويقول شريف (31 عاماً) لوكالة فرانس برس “الوضع في البلاد هستيري، ونواجهه بالضحك الهستيري (…) في بلد مليء بالمشاكل والكآبة”.
ويضيف “الجميع هنا متفقون على رغبتهم العارمة بالضحك ونسيان مشاكل يعجزون عن حلّها ولا يملكون حيالها سوى الضحك”.
قبل أربعة أشهر،أسّس شريف وأصدقاؤه فريق الكوميديا الارتجالية الأول في سوريا. وأطلقوا عليه تسمية “ستيريا” ليدمجوا بين كلمتي سوريا وهستيريا، ويضم 35 عضواً بينهم فتاة.
قبل كل عرض، يجتمع الفريق في منزل أحد أعضائه لتحضير مضمون العرض. يقف أحدهم أمام رفاقه ويقول لهم “فكرت كثيراً ووجدت أن أكثر ما أعرف أنه مضحك في حياتي هو حياتي”. ينصحه رفاقه بأن يفتح قلبه ويخبرهم عن صبية أحبها. وما أن يبدأ حتى يدوّنوا ملاحظاتهم ويقترحوا عليه تعديلات.
يتناوب أعضاء الفريق على تقديم عروض أسبوعية داخل مقهى “ديز” ذي الأضواء الخافتة، يحضرها عشرات الرواد الذين لا يكلّون من الضحك.
ويقول ملكي ماردنيلي (28 عاماً) “نستقي نكاتنا من حياتنا اليومية المفعمة بالمعاناة، ونتشاركها مع أشخاص عاشوا خلال 12 عاماً أنواع المصائب كافة”.
لا يهدأ الحاضرون حين يظهر ملكي أمامهم ويردّد على مسامعهم دعابات باللهجة المحكية على غرار “نحن بسوريا مكملين حياتنا كنوع من الفضول مو أكتر، يعني بس حابين نعرف شو حيصير معنا بالاخر”، و”بأوروبا، ثلاث أمتار ارتفاع الثلوج والكهربا جايي. عنا بس تغني فيروز +رجعت الشتوية+ بينزل القاطع لحاله” في إشارة إلى انقطاع التيار الكهربائي عن المنطقة بأكملها.
– “خطوط حمراء”-
يتناول الفريق بشكل أساسي يوميات السوريين مع المشاكل الاجتماعية والمعيشية والاقتصادية بعد 12 عاماً من حرب مدمّرة، تسبّبت بمقتل أكثر من نصف مليون سوري، وأتت على الاقتصاد ومقدراته والبنى التحتية، وشرّدت أكثر من نصف عدد السكان داخل البلاد وخارجها. ولا يترددون في إلقاء دعابات حول تجاربهم الشخصية وعائلاتهم، لكنّهم يتفادون القضايا السياسية والدينية.
قبل سنوات، فقد أمير ديروان (32 عاماً) شقيقته وابنها جراء سقوط قذيفة هاون في دمشق، ودخل بعدها في حالة اكتئاب فاقمها الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا قبل شهرين وحصد عشرات آلاف القتلى في البلدين. ويقول إنه لم يخرج من الاكتئاب إلا بعد انضمامه إلى فريق “ستيريا” الذي وفّر له منصة للحديث عن تجربته.
ويقول إن الدعابات باتت وسيلة “لمواجهة مخاوف نختزنها”، مشيراً في الوقت ذاته إلى صعوبات يواجهونها “في مجتمع لا يتقبّل أن نتحدث عن المحظور، على غرار السياسة والدين والجنس”.
ويضيف “لا نقترب من الموضوع السياسي خصوصاً، لكن نلمح أحياناً إلى مواضيع جنسية ودينية ضمن خطوط حمراء نعرفها جيداً”، مضيفاً “أتمنى أن يأتي يوم نستطيع فيه التحرّر فكرياً ومناقشة كل المواضيع من دون مخاوف”.
في كل مرة تشارك فيها في أحد العروض، تعتري الحماسة ماري عبيد (21 عاماً)، الفتاة الوحيدة في المجموعة.
تلقي دعابة تلو الأخرى حول أزمة المواصلات التي تفاقمت خلال السنوات الأخيرة جراء الشح الكبير في المحروقات وتوقّف كثر عن استخدام سياراتهم الخاصة، مفضلين استخدام وسائل النقل العامة الشديدة الاكتظاظ.
يصفّق الحاضرون بحماسة حين تردّد ماري “يمتاز باص النقل الداخلي بأنه يتسع لـ24 مليون نسمة (عدد سكان سوريا قبل الحرب) +على الواقف+.. حفاظاً على التلاحم الوطني”.
ويضحكون معها حين تروي تجاربها مع وضع الماكياج عند انقطاع الكهرباء. وتقول ماري لفرانس برس “من دون مشاكل لا توجد كوميديا، وفي سوريا لدينا الكثير منها”.