ميديا – الناس نيوز ::
المدن – عمر قدور – في السابع من أيلول الجاري، أصدر إخوان سوريا رؤيتهم للعلاقة مع إيران، تحت عنوان “الموقف من النظام الإيراني-رؤية جماعة الإخوان المسلمين في سورية”. ليس لتاريخ الإصدار أهمية خاصة، ربما سوى ما صار للرقم سبعة من دلالة على دخول الحرب على غزة شهراً جديداً، ويصادف هذه المرة أنه الشهر الثاني عشر.
والبيان-الوثيقة لا يشير صراحةً إلى الحدث الفلسطيني كدافع له، لكن تأخّره على خلفية الحدث يهون، بالمقارنة مع تأخره إذا احتُسب موقفاً من النظام الإيراني بسبب حربه على السوريين منذ اندلاع ثورتهم.
جانب من وثيقة إخوان سوريا الحالية، يتعلق بإعلان الجماعة تمايزها عن تنظيمات الجماعة في بلدان أخرى، إذ تتسم العلاقة بين تلك التنظيمات وطهران بالبراغماتية، وقد وصلت إلى التحالف في العديد من الحالات. لذا تتبرأ جماعة سوريا من ذلك تماماً، فتحيل وثيقتها إلى “تقييم دقيق وموقف واضح من هذا النظام الباطني منذ أيامه الأولى، وأنه يمثل الخطر الداهم على الأمة والمنطقة”. الإحالة هي إلى كتاب سعيد حوى “الخمينية شذوذ في العقائد، شذوذ في المواقف”، وهو بالأحرى كُتيّب صدرت طبعته الأولى العام 1987، وربما جرى تداوله في صفوف الجماعة قبل هذا التاريخ.
العنوان الذي وضعه سعيد حوى، يختصر الكثير من موقف الجماعة، فهو يهاجم مباشرة العقائد التي قامت عليها الخمينية، لتكون مهاجمتها في السياسة حصيلة منطقية لفسادها العقائدي.
وبدءاً من المقدمة، يرى حوى أن صعود الخمينية هو مؤامرة على ما يسمّيه “الصحوة الإسلامية الرشيدة”، وهكذا أعاد أعداء الإسلام “لعبتهم القديمة الجديدة، وتشاور كهنة المجوس وأحبار اليهود يريدون الكيد للإسلام وأهله…”.
“حقيقة الأمر أن المشروع الإيراني يتنافس مع المشروع الصهيوني الغربي على النفوذ في المنطقة العربية”.. هذا ما تأتي به الوثيقة الراهنة، فوراً بعد إحالتها إلى كتاب سعيد حوى، في ما يبدو تحديثاً يتجاوز نظرية المؤامرة، إلا أنها سرعان ما تناقضه بالقول أن التوترات كانت شكلية بين الغرب والثورة الإيرانية، وقد انتهى الأول “إلى نتيجة مفادها أن المشروع الطائفي الإيراني خصم يمكن التعامل معه، أما المشروع الإسلامي الذي تمثله الحركة الإسلامية فهو عدو يجب الإجهاز عليه”.
ثم تسهب الوثيقة في استعراض التدخل الإيراني في دول المنطقة، وفي سوريا على نحو خاص، فتشير إلى مئة ألف مقاتل ضمن الميليشيات الإيرانية فيها، ينتشرون في 50 قاعدة و515 نقطة عسكريتين، وقد تم تجنيس أكثر من 10 آلاف مقاتل منهم. وهي معلومات أهم من التي توردها الوثيقة عن النسبة الضئيلة للشيعة في سوريا، وعدد الحوزات والحسينيات، ثم المدارس والجامعات، وتكاثرها جميعاً في دلالة على التبشير الشيعي. فاستخدام المعلومات الأخيرة لإثبات طائفية سلطة الأسد، وطائفية النظام الإيراني، قد يكتسب صدقية إذا أتى من جهة أخرى غير الإخوان المسلمين.
استهلك التمهيد، متضمناً شرح الأسباب وراء مواقف الجماعة، حوالى نصف الوثيقة قبل الإعلان في النصف الثاني عن المواقف.
فأكّدت الجماعة في أولها وثانيها، على عدم وجود ضغائن مع الشعب الإيراني، وعلى رفض الوجود الإيراني في سوريا، ورفض إقامة علاقات مع النظام الإيراني، ما دام وفق النص: “محتلاً لبلدنا ويحمل فكراً معادياً لأمتنا وميليشياته تقتل أهلنا”. ليأتي بعدها البند الثالث، وفيه ترفض الجماعة أن تُستخدم سوريا لتصفية الحسابات الضيقة لإيران مع الدول العربية والإسلامية وغيرها.
ثم ترفض الوثيقة أي تقارب بين النظام الإيراني والحركات الإسلامية في مختلف البلدان، لئلا يُعطى “بُعداً إسلامياً شعبياً يغطي على جرائمه ويغسل أيديه الملطخة بدماء المسلمين”.
وأخيراً تصل في بندها السابع إلى ما نراه بيت القصيد، إذ تؤكد على “أن النظام الإيراني عنده مشروع يتنافس مع المشروع الصهيوني – الغربي على النفوذ في هذه المنطقة من العالم، ولذلك يرفع شعار المقاومة وتحرير فلسطين مقابل الغرب الذي يدعم دولة الاحتلال الصهيوني… ومن خلال عمليات التنافس والتقاسم والتبادل يتم دعم حركات المقاومة الإسلامية الفلسطينية، وبنفس الوقت يتمّ سحق شعوب المنطقة في سورية والعراق ولبنان واليمن، بإدامة الاستبداد الواقع عليها، وتهجير أهلها، وتغيير هويتها وديموغرافيتها، وبذلك يحطمون الوقود الحقيقي لتحرير فلسطين”.
لا يخفى أن القسط الأهم من عتب الجماعة على شقيقاتها، موجَّه إلى حركة حماس، على أرضية تحالفها مع النظام الإيراني الذي قتل ويقتل السوريين.
وفي هذا يُفترض أن تلاقي وثيقة الجماعة أسئلة المعارضين السوريين عموماً، فلا يخفى أيضاً أن تحالف حماس مع طهران له مفعول سلبي لدى نسبة ملحوظة منهم. ويصحّ القول أن بيان الإخوان أتى متأخراً على أسئلة عمرها يقترب من السنة، وإن لم يكن في الأصل مُنتظراً من النسبة الأكبر للمعارضين كي يتخذوا مواقفهم بناء عليه.
وبيان الإخوان، فوق تأخره، لم يذهب مباشرة إلى صلب المسألة، ثم لامسها على استحياء، فضلاً عن تكرار كليشيهات غير نافعة في تحليل الحدث الحالي، أو غير نافعة على الإطلاق.
من ذلك مثلاً أنه يختم بما هو مزايدة على شعارات طهران وتوابعها، والقول أن شعوب البلدان العربية التي تسيطر عليها إيران هي الوقود الحقيقي لتحرير فلسطين. فالواقع أن هذه البلدان هي في أسوأ أحوالها، لأسباب يطول شرحها، منها التمدد الإيراني، ولا يمكن إقناع فلسطينيٍّ من حماس أو سواها بأن شعوبها ستقدّم ما لم يقدّمه الحليف الأقوى راهناً.
أما تحرير فلسطين، بما للتعبير من معنى، فهو شعار يستثمر فيه حلف الممانعة المُراد تفنيد دعايته.
ما يُلاحظ بسهولة أن بيان الجماعة لا يقول شيئاً محدداً وواضحاً عن الحرب الحالية. ورغم الإسهاب، لا يتناول صراع النفوذ في المنطقة بما يليق به بعيداً عن منطق المؤامرة.
بل إن السياسة نفسها، كتعبير عن المصالح الدولية، تتوارى إذ تُعطى الأولوية لمفردات جوهرانية. لقد تكرر، على سبيل المثال، القول أن معركة الأمة اليوم هي معركة الهوية، تُضاف إليها ختاماً الحرية والتنمية والعيش الكريم، ما يقتضي حسب البيان: “الوقوف صفاً واحداً أمام المشاريع الأجنبية المعادية التي تعبث بقيم الأمة وثوابت دينها وتعمل على استدامة تخلفها وتبعيتها”.
المعنى الوحيد الذي يمكن استخلاصه، ربطاً بالراهن، هو التأكيد على أن موقف طهران من الحرب الحالية على غزة “بصرف النظر عن دوافعه”، لا يغسل دماء السوريين الذين قتلتهم في بلدهم الميليشيات الإيرانية وتوابعها، وهذا يُفترض أن يكون من المسلَّمات، بحيث لا يحتاج وثيقة لإعلانه. وإذا كان من المراد أيضاً إشهار الانفكاك عن الشقيقة في الفكر الإسلامي، “حماس”، فهذا يجب ألا يأتي مرفقاً بالمزايدة على الفلسطينيين في أصول قضيتهم، والاكتفاء بالتضامن معهم رغم تسجيل الاختلاف مع واجهتهم التمثيلية. نذكّر بأن المنطقة عموماً فيها الكثير من التنظيمات التي لا تُعدّ تمثيلاً متناسباً مع الحقوق والطموح، بما فيها تنظيمات يسيطر عليها إخوان سوريا ولا تحظى باحترام السوريين.
من المرجح أن الإخوان أرادوا بوثيقتهم ملاقاة توجُّه يعتقد أصحابه أن الأولوية هي لسوريا، ولتقرير التحالفات والتضامن بناء على المصلحة السورية المباشرة. على ذلك، قدّمت الجماعة “بلا ضجيج” بياناً يؤكد على معاداة طهران، ويومئ إلى الانفكاك عن حماس.
إلا أن سياسة جديدة، براغماتية كما تُصوَّر، ستأتي بلا أسس مقنِعة ما دامت تتكئ على الأيديولوجيا القديمة ذاتها، ومن المتعذّر على أنصار الأمة وهوية الأمة النكوص إلى ما يرونه “أدنى” منها. من هذه الزاوية، استعجل الإخوان في إصدار وثيقتهم التي يلزمها مزيد من النضج.