كانبيرا – الناس نيوز ::
أطلقت أستراليا مؤخرًا إستراتيجية جديدة لقطاع المعادن الأرضية النادرة، من شأنها أن تُعيد تشكيل مستقبل صناعة الطاقة النظيفة، وتدعم خطط البلاد لتحقيق الحياد الكربوني بحلول 2050.
وتُعد المعادن النادرة (الحرجة) ضرورية لتطوير صناعة التقنيات منخفضة الانبعاثات، بما في ذلك السيارات الكهربائية والألواح الشمسية وتوربينات الرياح والبطاريات، كما أنها مكون أساسي للتقنيات الطبية والدفاعية.
ووفقًا لتوقعات وكالة الطاقة الدولية فإن إجمالي الطلب العالمي على المعادن الأرضية النادرة اللازمة لتطوير تقنيات الطاقة النظيفة من المتوقع أن يتضاعف إلى 4 مرات بحلول عام 2040.
المعادن الأرضية النادرة في أستراليا
تعمل الإستراتيجية الجديدة على الدفع بأن يصبح قطاع المعادن الأرضية النادرة في أستراليا أكثر من مجرد مورد موثوق به للمواد الخام، استنادًا إلى الموارد الطبيعية المحلية والثروات الجيولوجية وقطاع الموارد ذات المستوى العالمي.
وتدرك أستراليا أن الانتقال إلى مرحلة المعالجة النهائية ما يزال مهمة كبيرة تتطلب اتخاذ إجراءات، وهذا ما تعمل عليه من خلال إستراتيجيتها الجديدة التي أطلقتها مؤخرًا، واطلعت عليها منصة الطاقة المتحصصة.
ويشير تحليل أجرته وكالة الطاقة الدولية في عام 2022 إلى أن العالم سيحتاج إلى نحو 50 منجمًا جديدًا لليثيوم، و60 منجمًا جديدًا للنيكل، و17 منجمًا جديدًا للكوبالت لتحقيق أهداف انبعاثات الكربون بحلول عام 2030.
وبحلول عام 2030، يتوقع أن تمثّل السيارات الكهربائية أكثر من 60% من المركبات المبيعة على مستوى العالم، وهو ما قد يرفع الطلب على معادن البطاريات، وتحديدًا معدن الليثيوم، بمقدار 40 مرة عن مستويات 2020 بحلول عام 2040، في حين يمكن ارتفاع الطلب على الكوبالت والغرافيت بنحو 20 مرة.
التعدين في أستراليا
تواجه مشروعات تعدين المعادن الأرضية النادرة في أستراليا عدة تحديات معقدة، تتمثّل في المخاطر الفنية بسبب خصائص المعادن المعقدة والحاجة إلى معالجة متخصصة، وكذلك مخاطر المشروع المرتبطة بالعمل في المناطق النائية، ورأس المال الكبير.
كما أن العديد من المؤيدين لهذه المشروعات هم صغار عمال المناجم، ومخاطر السوق من سلاسل التوريد المركزة والأسواق غير الشفافة وبيانات التسعير المحدودة.
ويمكن أن تشكل هذه العوامل معًا تحديات في تأمين الشراء، وتمويل الأسهم والديون لمشروعات المعادن الأرضية النادرة في أستراليا، إذ قد تتطلب بعض المشروعات دعمًا مستهدفًا للتغلب على العقبات وتحقيق الجدوى التجارية والاكتفاء الذاتي من الناحية المالية، من الاستكشاف والتصميم والجدوى وتأهيل الشراء، من أجل اتخاذ قرار الاستثمار النهائي.
ويمكن للدعم المصمم جيدًا أن يزيل المخاطر عن الاستثمار، ويزدهر بتمويل القطاع الخاص، ويجذب الاستثمارات الأجنبية، بما يدعم قطاع التعدين في أستراليا في سوق عالمية تنافسية.
دعم حكومي
وفق الإستراتيجية الجديدة -التي اطلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة- من المقرر أن تدعم الحكومة الأسترالية قطاع المعادن الأرضية النادرة من خلال عدة مجالات، بما في ذلك التواصل والتنسيق والتنظيم والدعم المالي، إذ سيجري إعطاء الأولوية لدعم المعادن المستعملة في التقنيات ذات الأولوية.
وتؤكد الإستراتيجية أن الدعم الحكومي هو المفتاح لتسريع الموافقات من أجل تحقيق أهداف إزالة الكربون في العالم، وحشد رأس المال الخاص من خلال دعم البنية التحتية والصادرات وتمويل المنح.
وتتكون قائمة المعادن الأرضية النادرة في أستراليا حاليًا من 26 نوعًا من المعادن يمكن استعمالها في مجموعة واسعة من التقنيات، وهو ما يمثل فرصًا اقتصادية محتملة لأستراليا، إلا أن بعضها فقط يدخل في التقنيات ذات الأولوية التي تدعم المصلحة الوطنية للبلاد.
ووضعت الإستراتيجية عددًا من المحددات التي بموجبها سيجري دعم المعادن الأرضية النادرة في أستراليا، بصفتها تدعم التقنيات ذات الأولوية، ومن بينها الإسهامات الإجمالية في الحد من الانبعاثات، أو الأولويات الأمنية والصناعية والطاقية، والجاهزية التقنية، والإسهام في الميزة النسبية طويلة الأجل لأستراليا، القدرة على دعم الشراكات الإستراتيجية.
وتشمل التقنيات ذات الأولوية الخاصة بالمعادن الأرضية النادرة في أستراليا، البطاريات ومكوناتها، ومحفزات إنتاج الهيدروجين، والرقائق الإلكترونية، ومكونات الطاقة الشمسية، وتقنيات الدفاع، والسبائك والمعادن عالية الأداء مثل المغنيسيوم والسيليكون والتنغستن والتيتانيوم.
وتغطي هذه التقنيات مجموعة من المجالات المدرجة في قائمة التقنيات المهمة على المستوى الوطني، بما في ذلك التصنيع والمواد المتقدمة، وتوليد الطاقة النظيفة وتخزينها.
وستحلل الحكومة الأسترالية سلسلة القيمة لكل تقنية ذات أولوية لتحديد أفضل موقع للحصول على حصة في السوق، وسيحدد التحليل -أيضًا- المنتجات المعدنية المهمة وأنواع المشروعات اللازمة لهذه التقنيات.
وستعطي الحكومة الأسترالية الأولوية لدعم مشروعات المعادن الأرضية النادرة التي تدعم التقنيات ذات الأولوية والإسهام بصورة واضحة في رؤية هذه الإستراتيجية وأهدافها.
تحركات جديدة
تخطط أستراليا -وفق الإستراتيجية الجديدة- لتحديث قائمة المعادن الأرضية النادرة في البلاد، وتحليل سلسلة القيمة لكل تقنية ذات أولوية، من أجل أن تكون قادرة على المنافسة.
وستعمل إستراتيجية المعادن الأرضية النادرة (2023-2030) على تنمية قطاع التعدين في أستراليا، ودعم قدرته من خلال تطوير مشروعات ذات أهمية إستراتيجية، وجذب الاستثمار وبناء الشراكات الدولية، والسعي إلى الريادة في انتقال الطاقة، والترويج لأستراليا بصفتها رائدًا عالميًا في المعايير البيئية والاجتماعية
فرصة لأستراليا
تتميّز أستراليا بجيولوجيا غنية، ولديها خبرات في استخراج المعادن والقدرة على بناء صناعة جديدة من شأنها أن تدعم الوظائف المستقبلية وتضمن مشاركة جميع المواطنين في عوائد المعادن.
وتمتلك أستراليا بعضًا من أكبر الموارد القابلة للاستخراج في العالم من المعادن الأرضية النادرة، بما في ذلك الكوبالت والليثيوم والمنغنيز والعناصر الأرضية النادرة والتنغستن والفاناديوم، وتمتلك سمعة عالمية بصفتها منتجًا ومصدرًا موثوقًا للطاقة والموارد.
وتستهدف رؤية أستراليا الإستراتيجية لتنمية المعادن الأرضية النادرة بحلول 2030 أن تجني البلاد الفوائد الجيوإستراتيجية والاقتصادية لتنمية تصنيع المعادن ومعالجتها، ودعم سلاسل التوريد المتنوعة والمرنة والمستدامة.
وتتوقع أستراليا أنه مع نمو الطلب العالمي يمكن أن يضيف قطاع المعادن الأرضية النادرة نحو 71.2 مليار دولار إلى الناتج المحلي الإجمالي، ويزيد عدد الوظائف بأكثر من 115 ألفًا بحلول عام 2040.
ومع ذلك، فإن بناء قدرات التكرير والمعالجة النهائية وتأمين حصة أكبر من التجارة والاستثمار يمكن أن يوفر 133.5 مليار دولار للناتج المحلي الإجمالي، ويزيد عدد الوظائف بمقدار 262.6 ألفًا بحلول 2040.
وتعمل الحكومة الأسترالية على جعل البلاد قوة عظمى في مجال الطاقة المتجددة، إذ يسلط مشروع الموازنة 2023-2024 الضوء على التزام البلاد بالتحول إلى الحياد الكربوني بحلول منتصف القرن.
وتدعم الإجراءات والتدابير المستقبلية لمشروعات المعادن الأرضية النادرة تعزيز مرونة أستراليا وتأمين الطلب محليًا، والوفاء بالتزامات خفض الانبعاثات، وأن تصبح البلاد مُصدرًا عالميًا رائدًا للطاقة النظيفة والمنتجات ذات القيمة المضافة المنخفضة الانبعاثات.
كما تضمن استفادة المجتمعات من طاقة أرخص وأنظف وصناعات جديدة، والبقاء شريكًا موثوقًا به وذا مصداقية في العمل العالمي بشأن تغير المناخ.
سلاسل إمداد متنوعة
تهدف الإستراتيجية الجديدة للمعادن الأرضية النادرة في أستراليا إلى إنشاء سلاسل إمداد متنوعة ومرنة ومستدامة من خلال شراكات دولية قوية وآمنة، وبناء القدرة الوطنية في معالجة المعادن الحرجة، واستعمال المعادن للمساعدة في أن تصبح أستراليا قوة عظمى في مجال الطاقة المتجددة، واستخلاص المزيد من القيمة من الموارد المحلية، وخلق فرص العمل.
كما تعمل إستراتيجية المعادن الأرضية النادرة في أستراليا على تعزيز فرص الاستثمار في البنية التحتية للتعدين، وربط قطاع المعادن بالأسواق المحلية والعالمية، لتقليل التكاليف والمخاطر وجذب الاستثمار على نطاق واسع.
ومن المتوقع أن يوفر ذلك فوائد اقتصادية كبيرة لأستراليا، تتمثّل في الإسهام بتنمية البنية التحتية المحلية مثل تطوير الطرق والسكك الحديدية والمواني والتجمعات الصناعية، لتمكين سهولة الوصول إلى الخدمات وخفض تكلفة المعالجة والتصنيع للمعادن.
كما تعزز الإستراتيجية تطوير نشر التقنيات البيئية والتقدم نحو الاقتصاد الدائري، من خلال تنفيذ عمليات تعدين أكثر كفاءة وأمانًا، تستهدف تقليل البصمة البيئية للقطاع والتقدم نحو مفهوم الاقتصاد الدائري الذي تعوّل عليه أستراليا.
كما تُعد المعادن الأرضية النادرة أمرًا حيويًا وبالغ الأهمية في تمكين تحقيق للجهود العالمية لبلوغ الحياد الكربوني وخفض الانبعاثات.
وعلى الرغم من أن عمليات تعدين المعادن ومعالجتها تعد من القطاعات كثيفة استهلاك الطاقة، إذ تتطلب في مراحل معالجتها كميات كبيرة من الطاقة، فإن الإستراتيجية عملت على دعم تدابير الكفاءة في استعمال الطاقة وتخفيض انبعاثات الكربون، بالعمل على تعزيز توليد الكهرباء المتجددة في قطاع المعادن الحيوي من خلال الأطر التشريعية والسياسية، التي بدورها ستُسهم في تعزيز الاستثمار في التقنيات لإزالة الكربون من عمليات التعدين.
تحول الطاقة
تُعد الإستراتيجية إحدى خطوات أستراليا نحو تحقيق انتقال الطاقة، بما يدعم طموحاتها المتعلقة بالمناخ والطاقة النظيفة، إذ تُعد اليوم مُصدرًا رئيسًا لكل من الوقود الأحفوري والمعادن المهمة المستعملة في العديد من تقنيات الطاقة النظيفة.
ووفقًا لتقرير وكالة الطاقة الدولية، فإن التحول الناجح إلى الطاقة النظيفة من شأنه أن يدعم التنوع الاقتصادي في أستراليا والنمو الصناعي، مع توفير مرونة طويلة الأجل ضد صدمات سوق الطاقة العالمية.
وفي عام 2022، أقرت أستراليا قانون تغير المناخ، الذي استهدف مضاعفة خفض الانبعاثات بحلول عام 2030، وحدد هدف الوصول إلى الحياد الكربوني بحلول عام 2050.
كما وقّعت الحكومة الأسترالية على تعهد الميثان العالمي في عام 2022، لتنضم إلى 130 حكومة تستهدف بصورة جماعية خفض انبعاثات الميثان بنسبة 30% على الأقل بحلول عام 2030.
بالإضافة إلى ذلك ولتعزيز جهود إزالة الكربون في قطاع الطاقة بصفة كبيرة، عملت أستراليا على زيادة حصة توليد الطاقة منخفضة الكربون بحلول عام 2030، الأمر الذي سيتطلب تنفيذًا سريعًا لمناطق الطاقة المتجددة.
وتمتلك أستراليا -أيضًا- القدرة على تقديم دور رئيس في توفير المعادن المهمة والتكنولوجيات الجديدة لتحولات الطاقة النظيفة على مستوى العالم، إذ تنتج الكوبالت والعناصر الأرضية النادرة والليثيوم، وهي أكبر منتج منفرد لها.