سالي علي – الناس نيوز :
في البدء كانت العائلة السورية في الحمام تستخدم ليفة واحدة، خشنة ذات بذور دوار شمس سوداء، تنقل لون الجلد من البني الفاتح إلى الأحمر الغامق. لا أحد من الأفراد يعترض، لا أحد يشتكي، ولا أحد يتذمر، الكل يعني الكل، مشتركون بوسيلة تنظيف واحدة لتعب الحياة من فوقِ أجسادهم المثقلة.
أما الآن فلكل فرد ليفة حمامه الخاصة وهي خالية من بذور الشمس، ناعمة الملمس، لها ماركتها، لها لونها وحجمها المناسب لذوقه ورغبته.
من هنا بدأت العائلة تفتقد المشترك، وجاءت الحرب السورية لتثبت حسن نية ابتعادهم عن بعضهم البعض، كأنهم جسد قد عرض للتفكيك والبيع في السوق السوداء لتجارة الأعضاء، حيث يباع كل عضو، على حسب سعر الصرف العالمي. لأننا هنا فقط نُحسَب على بقية العالم، أو يُذكر اسمنا في المؤتمرات العالمية لحقوق الإنسان. الجميع ينطق باسمنا لمصلحته الشخصية، ينطقون بقضيتنا لتأمينِ مستلزمات بقائهم على حساب دمنا.
تفرقت العائلة السورية إلى أفراد، عصابات، مجموعات وفصائل، كتائب ومرتزقة.
تفرقت بعد غلاء سعر المواد الضرورية للبقاء على قيد الحياة بكرامة،في دولة كانت أساسا تصدّر مثل هذه المواد.
تفرقت بعد هبوط أجر اليد العاملة، بعد هجرة الشباب لبلاد تستفيد من طاقتهم، وتقدّر كفاءتهم.
تفرقت بعد انقطاع الكهرباء والماء والهواء. تفرقت بعد ازدياد عدد الجنازات وقلة “الجازات”. تفرقت بعد ارتفاع معدل البطالة، العنوسة، الشهادة الروحية، الجوع، التشرد، الاكتئاب.
كانت ليفة الحمام تعتبر بمثابة نهاية لثورة الإنسان على عادة الاشتراكية وبداية ثورة الاعتماد على الذاتية في غياب كل مؤسسات الرعاية الاجتماعية.
اليوم، تبدلت ملامح الحياة ضمن العائلة السورية بعد أن كانت مليئة بالأمل، أصبحت فارغة من كل حروف الأبجدية التي إن رُكبت سوية فهي لا توحي أو تبشر بالأملِ أبداً.
لم يعد بيت سوري يخلو من صورة شهيد، مفقود، مريض، مكتئب، معتقل، منفي، بائس…
لم يعد شارع سوري يخلو من لافتات تضم أسماء مئات الشهداء،تتنافس الجدران من تمتلك العدد الأكبر من أوراق النعوات وصور الشهداء بكافة المقاسات.
لم تعد مطبعة في وطني ينقصها حبر أسود لطباعة تعازي المواطن وأمسيات الوداع، مسيرات التضامن، إعلانات التعاون والتبرع للعائلات المحتاجة.
ولم تعد بيوت وطني تخلو من عكازة لابنها العطيل، أو أب يدفن وجهه من أسئلة الناس حول غموض غياب ولده وغموض مصيره.
لم يعد في المقابر مساحات فارغة، فتلاصقت القبور وتوحدت كما لم يحدث من قبل.
لم تعد تخلو المجالس من أحاديث ارتفاع الدولار ومعاودة هبوطه مع بقاء لقمة عيشِ المواطن في الارتفاع بعيداً جداً عن معدته.
مجاعة قادمة بكل وسائل القهر قادمة، هي حرب من نوع لم يمتثل الشعب السوري بعد أمامها، حرب الكرامة في البقاء أم في الرحيل عنها. ولكن إلى أين الرحيل؟ وكل الطرق التي كانت تصل إلى روما قد أغلقتها الجائحة. ذكية تلك الفيروسات الخفية، كم كانت تجيد الاختباء خلف عباءة كورونا.
إلى متى؟
إلى أين؟
أدوات استفهام تليها ظروف مكان مجهولٍ مع سابقة حرف جر، لا تدري من مجرورها أم هي ستقع مع لاحقتها في متاهات الحرب السورية.
أمسى الشعب السوري مخيراً، فله إما العيش تحت الأرض أو فوق الأرض بقليل. صحيح أن الأرض للجميع ولكن المحيطات تبتلع أجزاء منها على مدار السنين. إنها الطبيعة وإرادة الأقوى بها أن تتقلص مساحة اليابسة وتزداد مساحة المياه لتنعيم الحيتان فيها.