دمشق – بيروت – ميديا – الناس نيوز ::
النهار – بسام بربندي – يجب أن يشمل هذا الاعتذار الجرائم الكبرى مثل اغتيال شخصيات لبنانية بارزة مثل سليم اللوزي، وكمال جنبلاط، والرئيس بشير الجميل، والمفتي حسن خالد، والرئيس رينيه معوض، والصحافي جبران تويني، بالإضافة إلى الاغتيال المأساوي لرئيس الوزراء السابق رفيق الحريري.
إعادة بناء العلاقات السورية اللبنانية تتطلب اعترافًا صادقًا بالماضي والتزامًا بصياغة مستقبل أكثر توازنًا وصحة. إن سقوط نظام الأسد يتيح فرصة غير مسبوقة للبلدين لإعادة ضبط علاقتهما، ومعالجة عقود من الاحتلال والظلم وانعدام الثقة. لتحقيق ذلك، يحتاج الطرفان إلى خطوات جريئة تعكس الشفافية والمساءلة.الاعتراف بالماضي يجب أن يكون البداية. لذا، على القيادة السورية الجديدة أن تخطو خطوة تاريخية بتقديم اعتذار رسمي للشعب اللبناني عن الفظائع والانتهاكات التي ارتُكبت خلال عقود الاحتلال السوري. يجب أن يشمل هذا الاعتذار الجرائم الكبرى مثل اغتيال شخصيات لبنانية بارزة مثل سليم اللوزي، وكمال جنبلاط، والرئيس بشير الجميل، والمفتي حسن خالد، والرئيس رينيه معوض، والصحافي جبران تويني، بالإضافة إلى الاغتيال المأساوي لرئيس الوزراء السابق رفيق الحريري.
كما يجب أن يعترف الاعتذار بمعاناة المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية، والانفجارات التي استهدفت الكنائس والمساجد والأماكن العامة في لبنان، والتي غالبًا ما تمّ إلصاقها زورًا بجماعات معارضة للنظام السوري. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يشمل الاعتذار القصف العسكري العشوائي الذي طال كلّ المناطق اللبنانية دون استثناء، والذي ساهم في تدمير البنى التحتية وإلحاق الأذى بالسكان المدنيين.
إلى جانب ذلك، يجب أن يتناول الاعتذار استخدام النظام السابق للأراضي اللبنانية لتدريب مرتزقة ومجرمين أجانب، في انتهاك واضح للسيادة اللبنانية. كما رفض الاعتراف بالحدود اللبنانية ودعم أحزاب مسلحة تعمل ضدّ السلطة والسيادة والقوانين اللبنانية.
وشكّل الاعتراف بهذه الجرائم خطوة أساسية لبناء الثقة مع الشعب اللبناني ووضع أسس جديدة لعلاقة تقوم على الشفافية والاحترام المتبادل.
التعاون من أجل العدالة وتحقيق الاستقرار
ولن يبدأ التعاون الجدّيّ بين الحكومتين السورية واللبنانية إلّا بإنشاء آلية قضائية مستقلّة للكشف عن الحقائق المتعلقة بالجرائم السابقة وتقديم الحقيقة لعائلات الضحايا. ومعالجة هذه الآلام المشتركة يمكن أن تكون نموذجًا لإصلاح العلاقات وبناء الثقة بين البلدين. هذه الآلية يجب أن تشمل الكشف عن مصير جميع المفقودين اللبنانيين في سوريا، بالإضافة إلى محاسبة الشخصيات السورية واللبنانية التي قدّمت دعمًا ماديًا وقانونيًا وسياسيًا وأمنيًا لنظام الأسد في سياساته ضدّ اللبنانيين، ولاحقًا ضدّ السوريين.
هؤلاء الأشخاص أسهموا في ارتكاب الفظائع، وشاركوا بشكل مباشر أو غير مباشر في قتل السوريين واللبنانيين، وهم أنفسهم من أجبر السوريين على انتخاب بشار الأسد في لبنان بطريقة مهينة شاهدها الجميع عبر وسائل الإعلام.
ومن شأن المساءلة القانونية لهؤلاء الأفراد أن تُظهر التزام لبنان بالعدالة وتضامنه مع الشعب السوري، كما ستوجّه رسالة واضحة عن رفض التواطؤ في انتهاكات حقوق الإنسان.
حلّ النزاعات طويلة الأمد، مثل ترسيم الحدود بين سوريا ولبنان، وخصوصًا إنهاء قضية مزارع شبعا، يُعدّ خطوة حاسمة لبناء الثقة وإظهار الاحترام المتبادل.
إضافة إلى ذلك، على الدولتين أن تعيدا تقييم جميع المعاهدات والاتفاقيات السابقة بينهما، مثل اتفاقية الصداقة والتعاون، لضمان أن تكون هذه المعاهدات منصفة وعادلة للطرفين. يجب أن تعكس أي اتفاقيات جديدة تطلعات الشعبين وتؤسس لعلاقات تقوم على المصالح المشتركة.
وتستحق مدن مثل طرابلس السنية، التي عانت بشكل كبير تحت وطأة الظلم السوري ووقفت مع الثورة السورية منذ اليوم الأول، اعترافًا خاصًا من السوريين، مع الاحترام الكامل لكل المناطق والمدن اللبنانية الأخرى التي عانت من احتلال نظام الأسد لها.
وهذا الاعتراف يقودنا إلى ضرورة قيام العائلات والقيادات السنية اللبنانية بمراجعة مواقفها ومواقف قياداتها وموقعها في لبنان، وإنتاج شخصيات سنية قوية تحمي لبنان كما كان الحال عند الاستقلال. وقد تكون الانتخابات الرئاسية القادمة فرصة حقيقية لإظهار الدور السني الوطني وإعادته لموقعه الأصيل، بعيدًا عن التبعية، ولاسيما التبعية للمشاريع الإيرانية في لبنان التي تأتي على حساب المصالح السنية والوطنية اللبنانية.
وتكمن الخطوة الأولى نحو تحقيق العدالة وإعادة بناء الثقة بين البلدين أن تقوم السلطات اللبنانية بتسليم كل مجرمي الحرب من النظام السابق أو الداعمين له الذين هربوا إلى لبنان، ومحاسبة أي شخص أو جهة رسمية لبنانية ساعدت في تسهيل هروبهم مع أموالهم.
كما يجب أن تمتد العدالة إلى القضايا الاقتصادية أيضًا. على الحكومة السورية الجديدة اتخاذ إجراءات قانونية لاسترداد مليارات الدولارات المفقودة من أموال المواطنين السوريين والبنوك السورية التي كانت مملوكة للنظام السابق في المصارف اللبنانية.
علاوة على ذلك، يتوجب على الحكومتين السورية واللبنانية العمل معًا لتحديد وتتبع أي أموال تابعة لنظام الأسد أو رموزه ما زالت في المصارف اللبنانية، أو تم غسلها بمساعدة بنوك أو مصرفيين لبنانيين.
إقامة عملية شفافة وتعاونية لمعالجة هذه المظالم المالية أمر ضروري. لن يساعد ذلك في إعادة بناء الثقة بين البلدين فحسب، بل سيضمن أيضًا الاستقرار الاقتصادي من خلال تصحيح الاختلالات المالية التي تسبّبت بها عقود من الاستغلال والفساد.
إلى جانب ذلك، تُعد مشاريع إعادة إعمار سوريا فرصة مثالية لإيجاد حالة من التكامل الاقتصادي تسهم أيضًا في إعادة إعمار لبنان. ويمكن الاستفادة من خبرات الشعبين المنتشرَين في جميع أنحاء العالم لتأسيس علاقة مؤسساتية، اجتماعية، وسياسية مبنية على أسس واضحة وسليمة.
الالتزام بالديمقراطية
على الحكومة السورية الجديدة الالتزام بالديمقراطية ومفهوم المواطنة وسيادة القانون. ويشمل ذلك احترام الحريات الفردية، وتمكين المؤسسات، وضمان المساواة بين جميع المواطنين بغض النظر عن الانتماءات الطائفية أو العرقية. وهذه التحوّلات ضرورية لإعادة بناء الثقة مع لبنان والمجتمع الدولي على حدّ سواء.
من خلال تبنّي المبادئ الديمقراطية، يمكن لسوريا ليس فقط إعادة بناء هياكلها الداخلية، بل أيضًا خلق بيئة تساعد على إقامة علاقات ثنائية مستقرّة ومتعاونة. والثابت أن سوريا ديموقراطية يمكن أن تكون قوة استقرار في المنطقة، وكسرًا للإرث الاستبدادي الذي ميّز تاريخها.
بداية صعبة لكنّها واعدة
في أيّ حال، طريق المصالحة والتعاون بين سوريا ولبنان لن يكون سهلاً. عقود من انعدام الثقة والاستغلال المنهجي والمناورات السياسية لا يمكن محوها بين ليلة وضحاها. لكنّ معالجة الآلام المشتركة، وتعزيز المساءلة، والالتزام بالاحترام المتبادل والشفافية يمكن أن يمهّد الطريق لعصر جديد من العلاقات الثنائية.
ومن خلال إعطاء الأولوية لرفاهية مواطنيهما فوق المصالح السياسية الضيّقة، يمكن للبلدين أن يخطوَا نحو الاستقرار والازدهار. معًا، يمكن لسوريا ولبنان إنشاء إطار للتعاون الاقتصادي والسياسي يعود بالنفع ليس فقط على شعبيهما، بل على المنطقة بأسرها.