الرباط – غزلان أمجود – الناس نيوز :
لأكثر من خمسين سنة، تحمل نحو 3 آلاف و 500 امرأة على ظهورهن، ذهابا وعودة ، أثقال بضائع يعبرن بها “تهريبا”، المركز الحدودي بين المغرب ومدينتي سبتة ومليلية الخاضعتين لإسبانيا، وتطالب الرباط باسترجاعهما.
تنقل يوميا هؤلاء النسوة البضائع والسلع لحساب تجار يبيعونها في المناطق المجاورة، ومنها إلى أسواق في مختلف المدن المغربية، مستفيدات من الإعفاء من الرسوم الجمركية، خلافا لناقلي البضائع في سيارات أو شاحنات.
ذاع صيت حمالات البضائع إعلاميا بلقب “النساء البغلات”، نظرا لطرود السلع الضخمة التي يحملنها فوق ظهورهن في مشاهد قاسية ومؤثرة، قبل أن تشرع بعضهن في استعمال عربات صغيرة مجرورة باليد، قدمت لهن بمبادرة من بعض التجار، بعد سلسلة من الحوادث المميتة بسبب التدافع وظروف غاية في الشقاء، كل ذلك لم يمنع نسوة “التهريب” من مواصلة رحلاتهن اليومية، ومحاولاتهن الصبورة، لأجل العيش.
استمر هذا الوضع، إلى أن قرر المغرب، قبل نحو عامين، إقفال الحدود مع مدينتي سبتة ومليلية، ليغلق بذلك مورد رزق آلاف الأسر المغربية التي تعيش على مدخول هذا التهريب.
القرار المغربي بإغلاق منافذه البرية مع مدينتي سبتة ومليلية، جاء عقب تقرير، كان قد أصدره البرلمان المغربي في أكتوبر تشرين الأول من سنة 2019. حيث أقر التقرير البرلماني بأن النساء المغربيات الممتهنات للتهريب المعيشي، يعشن وضعا مأساويا، وينمن في العراء، ويتعرضن لأشكال مختلفة من التحرش والاعتداء. وأوضح التقرير، الذي أعدته لجنة الخارجية والدفاع الوطني، وجود حوالي 3 آلاف و 500 امرأة يمتهن التهريب المعيشي و200 طفل قاصر، بمعبر سبتة.
وأعلنت السلطات المغربية، في 3 من ديسمبر كانون الأول عام 2019، إغلاق المعابر نهائيا أمام أنشطة التهريب المعيشي.
تسبب إغلاق بوابات سبتة ومليلية في وجه التهريب المعيشي، في كساد اقتصادي غير مسبوق، وفي انتشار البطالة وإغلاق المحلات التجارية التي كانت تعيد تسويق المنتجات المهربة.
ولم تصمد العائلات التي تعيش على مردود التهريب بين المغرب ومدينتي سبتة ومليلية كثيرا، ليخرج المئات في احتجاجات ومظاهرات امتدت لأسابيع، بمدينة الفنيدق المتاخمة للحدود، والمطلب، تقديم بدائل أو إعادة فتح المعبر في وجوههم.
مشاريع بديلة
يقول الخبير الاقتصادي المغربي محمد المسعودي لجريدة “الناس نيوز” الأسترالية الإلكترونية ، إن السلطات المغربية، أطلقت مؤخرا في المنطقة المتضررة جراء إغلاق الحدود مع مدينتي سبتة ومليلية، برنامجا يشمل عدة محاور ستنفذ على مراحل.أولها يتضمن وفق الخبير، إبرام عقود عمل لفائدة النساء المتضررات، وهو ما شرع في تنفيذه بالفعل. ومن ثم بناء منطقة للأنشطة الاقتصادية بمدينة الفنيدق، ستفتح أبوابها قبل نهاية السنة الحالية، وستحوي مجموعة من المستودعات، ستخصص لاستقبال السلع التي ستصل عن طريق ميناء مدينة طنجة ( أكبر ميناء في المتوسط وأفريقيا)، ليتم تخزينها، ومن ثم نقلها للسوق المغربية والأفريقية. وأوضح المسعودي أنه سيجري وضع آليات تحفيزية أطلقتها الدولة، لتشجيع المستثمرين على فتح مشاريعهم في مناطق الشمال المغربي من خلال توفير عدد من التسهيلات لهم، من حيث العقارات ووسائل النقل.
كل هذا يضاف، وفق المتحدث، إلى تشجيع النساء وسكان المنطقة عموما على تأسيس استثماراتهم الخاصة، عبر دعم المقاولات الذاتية والتعاونيات والمقاولات الصغرى، بدعم مالي يتراوح بين 50 ألف درهم (5 آلاف دولار) ويصل إلى 300 ألف درهم (30 ألف دولار).
من ناحية أخرى ، رأى أستاذ العلوم القانونية في جامعة ابن زهر المغربية، الدكتور محمد بن التاجر، في حديثه إلى جريدة “الناس نيوز”، أن منع تهريب السلع من المدينتين “المحتلتين”، بمثابة قرار يهدف إلى حماية الاقتصاد المغربي.
موضحا أن هذا القرار يشكل أيضا، أسلوبا سلميا للضغط على “مستعمري” المدينتين، وفق تعبيره.وأشار بن التاجر إلى أن مورد مدينة سبتة من منسوب المياه يأتيها من المغرب، “فإذا قررت المملكة المغربية قطع الماء عن المدينة فهو سيقطع عنها الحياة”. يشار إلى أن الرباط تعتبر سبتة ومليلية ثغرين محتلين” من طرف إسبانيا التي أحاطتهما بسياج من الأسلاك الشائكة يبلغ طوله نحو 6 كلم. وتشكل المدينتان هدفا لمهاجرين أفارقة ينفذون من وقت لآخر عمليات اختراق جماعية للحدود البرية.