سامر الحسيني – الناس نيوز ::
الحاجة أم التنازلات. وقد تنازلتم إلى أن نزلتم إلى قعر الخيانة العظمى. بغياب غير مسبوق للضمير الوطني، رسمتم حدود لبنان البحرية بالممحاة.
بها انمحى الخط 29، وانمحت بمعيته مساحة 1430 كيلومتراً بحرياً، على اعتبار أن خير الخرائط ما قلّ ودل.
وبإسقاط الجنسية اللبنانية عن 1430 كيلومتراً، سقطت الجنسية اللبنانية بالتبعية عن حقل كاريش، وسقط معه نصف حقل قانا، وكنا قد قلنا وقال معنا الأمريكي، أنه ملك لبنان من فوق إلى تحت، ومن شماله إلى جنوبه.
إذاً، كيف نكون قد أخذنا حقوقنا كاملة، وقد أخذت إسرائيل أطماعها وأكثر مما كانت تطمع!!
بعد كل هذه الإنجازات، من حقكم وصف من ينكر جميل ممحاتكم بالحماقة. فلو لم تفعل الممحاة ما فعلت بالخط 29، لكانت المفاوضات ستفوض أمرها لزمن بلا نهايات، وبالتالي لا غاز نستخرجه، ولا ثروات تخرجنا من جهنم.
لكن كيف بلا نهايات، وقد أصدعتم رؤوسنا بالأوروبي المتجمد صقيعاً، والمهدد بالفناء، إذا لم ينقذه غاز كاريش من الموت؟
وكيف تكون المفاوضات بلا نهايات، ودوي الإنذار بالتزامن بين الاستخراجين اللبناني والإسرائيلي، مازال يدوي في مسامع حكومة العدو وجيشه؟
وكيف تكون المفاوضات بلا نهايات، وقد غلبت شطارة مفاوضنا الياس أبو صعب شطارة الشيطان الأميركي الأكبر؟
ألا يستدعي كل ما سبق أن تكون الممحاة إسرائيلية لا لبنانية؟ أي هي تتنازل ونحن نأخذ، وهي تستعجل ونحن نتريث.
وهذا ليس كل شيء. ففي امّحاء الخط 29 تنفضح أشياء، وتبعث على الضحك في عهد البكاء.
وقبل استعراض “المضحكة العونية”، من المفيد استباقه بالتذكير أنه في يوم 29 من شهر مارس/آذار في العام 1949، وقع لبنان اتفاق الهدنة مع إسرائيل. وفي صفحة واحدة، وجنباً إلى جنب، وقع الطرفان ولم يتهم الموقّع اللبناني بالخيانة، ولا اتهم لبنان بالاعتراف بإسرائيل.
حدث هذا قبل أن يكتشف الجنرال المقاوم “المحضر” الذي سينقذ لبنان من التوقيع المشترك.
تصوّروا أن اتفاقاً قاد مفاوضاته فخامة الرئيس ميشال عون ينتهي إلى “محضر”، مثله مثل مخالفة سير يكتبها شرطي مرور في محضر يعلقه على واجهة سيارة مخالفة.
ويتابع مخرج الروائع مخارجه الرائعة، فما وصل إليه لبنان وإسرائيل ليس معاهدة، ولا يعتبر اتفاقاً.
إذاً، إقراره لا يحتاج إلى توقيع فخامته. لا شي، ليس معاهدة… ممكن.
لكن كيف لا يكون اتفاقاً؟ هل هناك عبارة تحل محل “اتفق الطرفان”؟ وهل يمكن تنفيذ أدبيات حزب الله وتعليماته بعدم ذكر “دولة إسرائيل” في الصيغة المعتمدة؟ أيضاً هذا ممكن.
ممكن أن نكتب في أوراق “المحضر” اللبناني: أذعن العدو الصهيوني للمطالب اللبنانية. أو اعترف الكيان المغتصب بحق لبنان في حقل قانا. أو وافق العدو المحتل على بدء توتال بالعمل.
وهكذا يكون فخامة الممانع، قد تحرر من الاعتراف بدولة إسرائيل، وأصبح بإمكانه إرسال “المحضر” إلى الأمم المتحدة… لتضحك من جهلنا الأمم.
وفي مصيبة، خارجة عن نص ممحاة الخط 29، ستستخرج إسرائيل غازها الآن وفوراً، ونحن علينا الانتظار من خمس إلى سبع سنوات لنشم رائحة غاز قانا، هذا إذا عاش الشعب اللبناني، المنطلق سريعاً نحو الهلاك، السنوات السبع هذه.
والمصيبة أن هذه المصيبة قد تفرّخ مصائب أخرى. فماذا عن لعنة الأواني المستطرقة؟ أي ماذا لو كان حوض قانا منفتحاً على حوض كاريش؟
هذا يعني أن ما يُستخرج من حوض إسرائيل، يُستخرج مثله تماماً من حقل لبنان. وهذا يعني أيضاً أن إسرائيل ستشفط على مدى سبع سنوات، معظم غاز قانا، طالما أن الله لم ينقل جبال هملايا لتفصل بين الحقلين.
إنها خاتمة تليق بإنجازات فخامته.