[jnews_post_author ]
إنه أسبوع الأرقام القياسية.، منظومة الحكم في لبنان تتفوق على نفسها وكأن البلد عصفورية! دجل وخداع وشعبوية وسقطات متتالية مرة في السعي لشهادة من موفد ما، وأخرى في الإصرار على المضي في نهج تناتش المواقع حفاظاً على المكاسب، وثالثة ورابعة.. وكل ذلك يندرج في خانة “ميزات” السلطة عندما تنتهي صلاحيتها الوطنية. سلطة عارية من أي شرعية شعبية تستند إلى فائض قوة الدويلة وتعرف بدقة أنها موجودة بقوة الاستمرار نتيجة غياب البديل السياسي، فتسعى لتمويه الحقيقة ويتتالى “التخبيص”، وهاجس كل فريق من أطرافها شد وتر جماعته واستعادة عصب الحالة الزبائنية التي استثمر فيها.
في موقف شعبوي خطير يصف النائب جبران باسيل الدستور بأنه “نتن وعفن”، وهذا كلام غير مسبوقٍ لسياسي لبناني، وهنا تكون الطامة أكبر عندما يكون عم مطلق هذا الكلام هو رئيس الجمهورية المفترض أنه الساهر على احترام الدستور والتزام تطبيقه!
وفي موقف شعبوي آخر، يستقيظ الاتحاد العمالي العام من غفوته السيبيرية تلبية لإشارة من سيده نبيه بري( رئيس مجلس النواب) ويدفعه إلى قطع الطرقات تحت عنوان الحفاظ على سياسة الدعم كي يستمر التهريب لدعم النظام في سوريا من جهة، ويستمر استنزاف المتبقي من الأموال التي تذهب إلى جيوب كبار المحتكرين من مافيا المحروقات والدواء والطحين شركاء المافيا السياسية ويدفع المواطن الثمن وهو المحاصر بتقنين المحروقات وانقطاع الدواء!
وبين المواقف المثيرة للغثيان، بعدما قررت طهران “القتال التراجعي” أمام ضغط العقوبات الأميركية، ينصاع حزب الله ويتم الهرب إلى القرار الكبير بترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل. مصلحة لبنان أكيدة والترسيم ضروري لحماية الحدود والحقوق، لكن ما تريده طهران وفريقها من رسالة “حسن النية” إلى البيت الأبيض، تعليق العقوبات الأميركية، ولتتم المفاوضات ولبنان بدون حكومة وبدون مرجعية دستورية، وذراً للرماد في العيون ينشر حزب الله غبار المناكفات مشككاً بتركيبة الوفد فقط لإرضاء جمهوره المصدوم بعد إسقاط كل قاموس الممانعة من لحظة إعلان بري “الاتفاق الاطار” للترسيم بين لبنان وإسرائيل!
بين المواقف اللافتة ما برز مؤخراً من تعاطي القصر الجمهوري مع اجتماع عون إلى ديفيد شينكر الموفد الأميركي، إلى المفاوضات بين لبنان وإسرائيل لترسيم الحدود البحرية. أورد متحدث باسم القصر أن شينكر” نوه للدور الايجابي الذي يلعبه الرئيس عون في قيادة مسيرة مكافحة الفساد وتغيير النهج الذي كان سائداً في السابق”، وسرعان ما تبخرت هذه الشهادة عندما أوضحت السفارة الأميركية أن السفير شينكر الذي لاحظ العبارة المحفورة على سيف معلق في غرفة الاجتماع وتقول إن “الشفافية هي السيف الذي يقضي على الفساد”، حضّ عون على “استخدام الشفافية لتغيير نهج الحكم”.
الحديث عن غياب الشفافية يقود فوراً إلى الأزمة الحكومية، وكيفية التعاطي مع الدستور كأنه مجرد وجهة نظر، فمن اجل مطامح الصهر وفريقه يتم إرجاء الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف شخصية سياسية بتأليف الحكومة الجديدة، ومعروف أن الحكومة – الواجهة التي شكلها حزب الله وترأسها حسان دياب سقطت غداة الرابع من آب إثر الجريمة ضد الانسانية التي ضربت بيروت. ويتتالى الافتئات على الدستور وإطلاق البدع من أن التكليف برئاسة الحكومة ينبغي أن يحوز “ميثاقية مسيحية”، يلي ذلك بدعة أخرى أطلقها القصر أسماها “الميثاقية المناطقية”، وكل ذلك لتغطية البدعة الأساسية في انتهاك الدستور والتطاول على صلاحيات رئيس الحكومة بالذهاب إلى “التأليف قبل التكليف”، أي الاتفاق على تركيبة الحكومة وأعضائها وتوزيع الحقائب كشرط للتكليف! ويتم كل ذلك تحت يافطة الحرص على المبادرة الفرنسية وما يجري نقيض كل المطروح والممارس!
وهكذا فإن الرئيس الذي وعد يوماً أنه سيسلم البلد أفضل مما استلمه، يبدو مرتاحاً في نهاية السنة الرابعة على الولاية. البلد بين أيدي حكومة تصريف اعمال فاقدة للأهلية، وبين تطيير الاستشارات لأن نتائجها غير ملائمة لصهره وفريقه، ولو أن الأكثرية الساحقة اعتبرت ذلك جريمة بحق البلد، وبحق المواطنين الذين يتعرضون يومياً للإذلال أمام باب المصرف بعدما تحدد سقف السحب الشهري من حساباتهم، بمليوني ليرة فقط أي ما يزيد قليلاً عن 200 دولار وفق سعر الصرف الآن! أو الإذلال أمام باب الصيدلية بعدما أخفى كارتل المستوردين للأدوية وخصوصاً أدوية الامراض المستعصية إلخ..
في سياق الرهان على النسيان والاعتقاد أن ذاكرة الناس مثقوبة يندرج بالتأكيد أداء الحريري الذي رشح نفسه لرئاسة الحكومة، وهو يعتقد أن الثورة ومعها المواطنين الذين أسقطوا حكومته قبل نحو السنة تناسوا ارتكابات حكوماته التي سرعت الانهيار، وتناسوا دوره في الصفقة الرئاسية عام 2016 يوم انتخبوا مرشح حزب الله رئيساً للجمهورية وبدأ تسارع الانهيار!
هذه المظاهر تتزامن مع دخول ثورة تشرين عامها الثاني، حيث تؤكد محاولات المنظومة السياسية إعادة تجديد نظام المحاصصة الطائفي وفساده أنها “لم تتعلم ولم تتغير”. بل إنها تمضي بعيداً في الرهان على ما تعتقده أن الثورة تحولت إلى ذكرى، وأنه مع خيار الطغمة السياسية، الاستقواء على الناس بالتحالف مع الجوع والجائحة وجريمة الرابع من آب، بات من الماضي الحديث عن إمكانية تمكن الثورة من بلورة ميزان قوى حقيقي ينتشل البلد من خلال فرض بديل سياسي عن السلطة المتداعية.
هذا المنحى يضع ثورة تشرين أمام تحدٍ كبير لاستنباط وسائل المواجهة الفعالة، وابتداع التحركات الاحتجاجية السلمية التي تستنزف مافيا الحكم، وتعميم التحركات وفق الممكن في ظل خطر الوباء مستفيدة من حقيقة أن التحالف الحاكم يعاني من التصدع، بعدما نزعت الثورة كل شرعية عنه وعرّته أمام الداخل والخارج، وأظهرته على حقيقته كتجمع فاسدين ولصوص يستند في تحكمه بالبلاد على بندقية دويلة حزب الله ويختطف الدولة ويرتهن البلد إلى محور الممانعة الذي تقوده طهران.
ويضع هذا المنحى على عاتق الثورة ضرورة الذهاب إلى التجمعات السكانية وبالأخص الشباب والنساء وهم أبرز ميزات الثورة والاستماع إليهم، وأن تبلور معهم السبل لاستعادة الساحات، ودفع خطوات إقامة شبكة أمان وطنية عابرة للمناطق إلى الأمام، على طريق إقامة مظلة جبهوية تمتد على طول الخريطة اللبنانية، وتشبك مع تجمعات المغتربين، فتجمع الطامحين لتنكب مهمة بلورة البديل السياسي لإعادة تكوين السلطة تحت مظلة الدستور والقوانين.
——————————————————————————–
حنا صالح