فواز حداد – الناس نيوز ::
نجحت حرب العشر سنوات حتى الآن في تشتيت السوريين في الخارج، هناك دول إقليمية تشتري ولاءاتهم، وأجهزة مخابرات توظفهم لديها.
وهناك رعيل من السياسيين رافق الثورة حتى الآن أخذ على عاتقه سواء يدري أو لا يدري التشكيك بأي فكرة أو شخصية أو حزب، بحيث بات تحرير سوريا فكرة خيالية، يظنون أنه سيأتي يوم يتخلى فيه الروس عن النظام المجرم، وكأن روسيا مع إيران سيلعبان دور الرجل الطيب، بعدما لعبا دور الشرير بكفاءة يحسدهما عليها شيطان رجيم متخصص في سلب الدول الصغيرة لحساب الكبيرة. طبعاً، الحصيلة، انتظار بائس بلا جدوى.
ما يدور، حروب نفوذ باقتطاع كل منهم جزءاً من سوريا والتخندق في الداخل بقواعد ومطارات، والتغلغل في جامعات ومدارس، وتدشين مراقد مقدسة، وإنشاء حسينيات، وشراء ذمم، وتمزيق النسيج الاجتماعي، عدا عن تجربة الأسلحة الحديثة، واستقدام مرتزقة، وتجنيد مرتزقة، وتشكيل ميليشيات، وكما في الأحلام، قد تستعاد امبراطوريات وتنصيب أباطرة.
الروس والإيرانيون لن يفتروا عن المطالبة بثمن لإنقاذ سوريا من “الإرهابيين”، فالدين لم ينتهِ سداده، بينما هو المقابل لاستمرارية النظام، طمعاً بالاستيلاء على المزيد من المكاسب التي تتراوح بين الاستراتيجية واستثمار الغنائم، للمساومة عليها فيما بعد.. لذلك يخوضون حرب الأكاذيب بمهارة كذاب أشر.
وفي الإعلام، يدافع عن السياسة الروسية والإيرانية في سورية محللون أفاكون، وفي مجلس الأمن، لافروف الكريه الذي يتقن التضليل، ولا يقنع سوى السذّج. ويعجب به الدبلوماسيون العرب لمقدرته على الجدل والادعاء.
بينما العالم ترك السوريين وحدهم بين الذئاب، بالتالي عليهم إدراك أنهم وحدهم، وأن يعملوا واعين أن لا أحد معهم.
ليس عليهم إقناع العالم بأن قضيتهم محقة ، وباتت معروفة. المأساة الأكبر عدم التوافق بينهم . ومن السخرية العلة فيهم، يختلفون من أجل سوريا، ولا يتنازلون من أجل سوريا، يشجعهم عملاء النظام، لا عمل لهم سوى تفتيت أي تجمع، والتشكيك بأي تحرك، والإساءة إلى أي شخصية، وفي حال طرحت أي قضية يجري تمييعها، فما أصاب مسألة العلمانية من جدل حوّلها إلى مشكلة إيمان وإلحاد وحجاب وسفور وبوركيني وتعدد زوجات.
وإذا طرحت وحدة المعارضة، أصبح هناك خارجون عن الدين والملة، ومهادنون ومتعاملون في الخفاء وسياحة سياسية.
كم السوريين بارعون في ابتكار مصطلحات توحي بالشبهات!، بينما يجب علينا ابتكار ما يجمع بينهم لا ما يفرقهم. إن الاستمرار على هذا النمط من التحجر إلى حد أنهم تحولوا إلى تماثيل من صوان، لن يحقق السوريون ما يعدون أنفسهم به، ما داموا يستخدمون ادعاءاتهم محرقة لطموحاتهم.
أما النظام فماض برعاية إيرانية وروسية في التمويه، بمأثرة الصمود، يدعو إليها، وهي ادعاء سافر، ليتحمل الشعب ما خلفته الحرب من كوارث، تمهيداً لما بعدها، لن يكون القادم إعادة الإعمار، فالانتظار طويل.
ومادام التلاعب سيكون باستثمار الوقت، فربما أتاحت له الفرص سبيلاً للاستمرار في خطة الوراثة والتوريث. أما إذا اقترب سقوطه، فسيحمل ملياراته ويفر هاربا.
حالياً، يخوض معركته في الداخل، بتطويع الشعب على العيش في الحدود تحت الدنيا للفقر، على شفا المجاعة والإبادة، ويشجع على الهجرة، لينتشر الشبان في أرض الله الواسعة، يشتغلون ويرسلون للوطن ما يعين أهاليهم على العيش، فالنظام يحكم وليس مسؤولاً، إلا عن التضييق على الناس، لا تسهيل سبل الحياة، المسؤولية تقع على عاتق المهاجرين واللاجئين وهي التكفل بإطعام أهاليهم.
التركيز على الداخل ينحو إلى إعادة الاعتبار لدولة ليس لديها ما تقدمه لشعبها غير مواصلة استنزافه، عبر النهب المنظم بإصدار قوانين ومراسيم لا تراعي الأحوال المتردية للبلد، ولئلا يحصل احتجاج على هذا الظلم والتورط بانتقادات وشتائم، جرى تنبيه المواطنين بأن عليهم توجيه الاحتقار للموظفين، هذا أسلم من توجيه اللوم للدولة، فالعقوبة أقل وذلك بعد جدل استمر نحو شهرين، حول مادتين أعيدت صياغتهما لجعلهما أكثر دقة فكان “النيل من هيبة الموظف” أخف وطأة وعقوبة من “النيل من هيبة الدولة”، هذا ما أعلنته لجنة الشؤون التشريعية والدستورية في مجلس الشعب السوري.
فـ”الإساءة إلى الدولة أشد من الإساءة إلى الأشخاص، ويجب الفصل بين الجريمتين وعقوباتهما، إذ إن العقوبة في حال كانت الإساءة لموظف الدولة بصفته الوظيفية، أشد من الإساءة له بصفته الشخصية”، أي أن شخص الموظف غير مهم، بينما الوظيفة أهم، تمثل الدولة.
فما بالنا بتلك المادة التي تعاقب على “نشر أنباء كاذبة توهن عزم الأمة”، من دون أن نعرف ماذا يُقصد بعزيمة الأمة، ولا ماذا يوهنها، أو ماذا تكون تلك الأخبار الكاذبة؟ إذا كانت الشكوى من الغلاء ورفع الدعم، وعدم كفاية الراتب الشهري لإطعام العائلة أكثر من يومين، إذن ما هي الأخبار الصحيحة يا ترى؟
في إدراك، حقيقة مأساة السوريين، ما يشكل تقدماً في تفهمها، فهي لم تعد حرب الروس ضد الأمريكان، ولا الأتراك، أو حتى إيران، ولو كانوا يخوضون حروبهم على أراضينا، باتت حرب النظام ضد لقمة الشعب.
إذا أردنا استعادة سوريا، فهي حرب السوريين وحدهم. وما يطالبون به من الصمود، فما هو إلا ترسيخ الفقر والجوع، لحساب بقاء النظام .