طهران – الناس نيوز :
اتهمت إيران إسرائيل بالوقوف خلف عملية اغتيال العالم النووي البارز محسن فخري زاده قرب طهران الجمعة، متوعدة بـ”انتقام قاسٍ” من المسؤولين عنها.
ويعدّ فخري زاده من أبرز العلماء الإيرانيين في مجاله، وكان يشغل منصب رئيس إدارة منظمة الأبحاث والإبداع في وزارة الدفاع.
أدرجت وزارة الخارجية الأميركية اسمه على لائحة العقوبات عام 2008 على خلفية “نشاطات وعمليات ساهمت في تطوير برنامج إيران النووي”، وسبق لإسرائيل اتهامه بالوقوف خلف البرنامج النووي “العسكري” الذي تنفي إيران وجوده.
وحذّر محللون ومسؤولون سابقون، من أن العملية التي تأتي قبل أسابيع من نقل السلطة في الولايات المتحدة، تهدد بزيادة التوتر في المنطقة، لا سيما بين طهران من جهة، وواشنطن وحليفتها تل أبيب.
وأعلنت وزارة الدفاع الإيرانية في بيان وفاة فخري زاده متأثرا بجروحه بعيد استهدافه من قبل “عناصر إرهابية”، موضحة أنه أصيب “بجروح خطرة” بعد استهداف سيارته من مهاجمين اشتبكوا بالرصاص مع مرافقيه، و”استشهد” في المستشفى رغم محاولات إنعاشه. وفق وكالة الصحافة الفرنسية .
ووقعت العملية في مدينة أبسرد بمقاطعة دماوند شرق طهران. وأفاد مراسل للتلفزيون الرسمي من المكان، أن شاحنة صغيرة على متنها متفجرات، انفجرت أمام سيارة العالم، وأطلق مسلحون النار عليها.
وأظهرت صور عرضها التلفزيون، سيارة سوداء الى جانب الطريق اخترق الرصاص زجاجها الأمامي. وبدت علامات دماء على الاسفلت.
وبعيد تأكيد وفاة فخري زاده، وجه وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف عبر تويتر، أصابع الاتهام الى الدولة العبرية.
وكتب “قتل إرهابيون عالما بارزا اليوم. هذا العمل الجبان – مع مؤشرات جدية لدور إسرائيلي – يظهر نوايا عدوانية يائسة لدى المنفذين”، داعيا “المجتمع الدولي، لا سيما الاتحاد الأوروبي، الى الكفّ عن معاييره المزدوجة المعيبة وإدانة عمل إرهاب الدولة هذا”.
وسبق لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن وصف فخري زاده بأنه “أب البرنامج النووي العسكري الإيراني”.
ورفض متحدث باسمه التعليق على الاغتيال اليوم.
لكن صحيفة “نيويورك تايمز” نقلت عن مسؤول أميركي ومسؤولَين استخباريين أن إسرائيل “تقف خلف الهجوم على العالِم”.
وفي طهران، توعد رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد حسين باقري بالانتقام لاغتيال العالم النووي.
وكتب في تغريدة عبر تويتر نقلتها وكالة الأنباء الرسمية “إرنا”، أن عملية الاغتيال شكلت ضربة “مرّة وقوية لنظام الدفاع في البلاد”.
وأضاف “على المجموعات الإرهابية والقادة ومنفذي هذا العمل الجبان، أن يدركوا أن انتقاما قاسيا ينتظرهم”.
من جهته، قال وزير الدفاع أمير حاتمي في تصريحات تلفزيونية إن فخري زاده كان صاحب “دور مهم في الابتكارات الدفاعية، ونحن أيضا كنا نعلم أنه هَدّد مرارا وتكرارا بالاغتيال، وأنه (كان) مراقبا”.
وأشار الى أنه أدى دورا أيضا في “الدفاع النووي”، من دون أن يقدم تفاصيل إضافية.
وأفادت وسائل إعلام محلية أن فخري زاده كان في التاسعة والخمسين من العمر. وتصدرت صورته صفحات أولى لصحف إيرانية نشرت مساء الجمعة عبر الانترنت. وكتبت صحيفة “رسالت” المحافظة، إن الراحل كان “فخر الصناعة النووية” في الجمهورية الإسلامية.
– “استفزاز إيران” –
ويأتي الاغتيال قبل نحو شهرين من تسلم الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن مهامه، وهو الذي وعد بـ”تغيير مسار” سلفه المنتهية ولايته دونالد ترامب مع إيران. واعتمد الأخير سياسة “ضغوط قصوى” حيال طهران، شملت على وجه الخصوص الانسحاب الأحادي عام 2018 من الاتفاق حول برنامجها النووي، وإعادة فرض عقوبات اقتصادية قاسية عليها.
وأعاد ترامب نشر تغريدات عن اغتيال فخري زاده دون أن يعلق عليها.
وهذا الاغتيال هو الأحدث في سلسلة عمليات اغتيال طالت خلال الأعوام الماضية عددا من العلماء الإيرانيين في المجال النووي. ودائما ما وجهت طهران أصابع الاتهام الى إسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة.
وتدعو الدولة العبرية إلى عقوبات دولية مشددة” على إيران بسبب برنامجها النووي، علما بأن طهران تنفي أي مسعى لتطوير سلاح نووي.
ورأى حسين دهقان، مستشار المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية للشؤون العسكرية والضابط البارز السابق في الحرس الثوري، أن عملية الاغتيال نفذتها إسرائيل للدفع نحو “حرب شاملة”.
وكتب عبر تويتر “في الأيام الأخيرة لحليفهم المغامر (ترامب)، يحاول الصهاينة زيادة الضغط على إيران للتسبب بحرب شاملة”.
وشهدت العلاقات المقطوعة منذ عقود بين إيران والولايات المتحدة، زيادة في التوتر خلال عهد ترامب، لا سيما في أعقاب اغتيال واشنطن اللواء قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري، بضربة جوية قرب مطار بغداد في كانون الثاني/يناير الماضي.
وتحدث حاتمي عن وجود “ارتباط تام” بين “هذا الاستشهاد (…) واستشهاد اللواء سليماني”.
وحذّر محللون من أن اغتيال فخري زاده، ينذر بزيادة منسوب التوتر.
ورأت إيللي جيرانمايه من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، عبر حسابها على تويتر أن الهدف من هذا الاغتيال “ليس التأثير على برنامج (إيران) النووي، بل تقويض الدبلوماسية”.
وأشارت الى أن الزيارات التي قام بها مسؤولون أميركيون في الآونة الأخيرة الى إسرائيل والسعودية، الخصم الإقليمي لإيران، وأبرزهم وزير الخارجية مايك بومبيو “أثارت القلق من أنه يتم التحضير لأمر ما” هدفه “استفزاز إيران وإعاقة المقاربة الدبلوماسية لبايدن” الذي كان نائبا للرئيس باراك أوباما لدى إبرام الاتفاق النووي بين طهران والقوى الكبرى عام 2015 في فيينا.
كما رأى المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية “سي آي ايه” جون برينان، أن الاغتيال “عمل إجرامي ومتهوّر”، محذّرا من أنه قد يدفع الى “تصعيد (…) وجولة جديدة من نزاع اقليمي”.
وأضاف عبر تويتر “يجب على القادة الإيرانيين أن يكونوا حكيمين لانتظار عودة قيادة أميركية مسؤولة الى الساحة العالمية، ومقاومة الرغبة في الرد على المذنبين”.
ويأتي اغتيال فخري زاده بعد نحو أسبوعين من تقرير لـ”نيويورك تايمز” عن اغتيال المسؤول الثاني في تنظيم القاعدة عبدالله أحمد عبدلله المكنّى “أبو محمد المصري”، سرا في طهران في آب/أغسطس الماضي، على يد “عملاء اسرائيليين”، بناء على طلب أميركي.
لكن طهران اعتبرت التقرير مبنيا على “معلومات مختلقة”.
ودانت حركة المقاومة الإسلامية “حماس” في بيان اغتيال فخري زاده المتزامن مع “تهديدات أمريكية وصهيونية متواصلة للجمهورية الإسلامية في إيران بهدف حرمانها وحرمان الأمة من امتلاك أدوات التقدم العلمي والقوة”.