د. أمير سعادة – الناس نيوز ::
تعرف سوريا بالانقلابات العسكرية التي عصفت بها منذ سنة 1949 وقد وصل عددها إلى العشرين، ما بين انقلاب ناجح وفاشل.
وقد ألهمت سوريا عدداً كبيراً من الانقلابيين العرب، كان في مقدمتهم الضباط الأحرار الذين انقلبوا على العهد الملكي في مصر سنة 1952.
والبعض يعتقد مخطئاً بأن ثورة 14 يوليو/تموز العراقية، التي أطاحت بالملك فيصل الثاني سنة 1958، كانت هي أيضاً مستلهمة من الانقلاب السوري الأول: انقلاب حسني الزعيم على الرئيس شكري القوتلي في 29 مارس/آذار 1949.
حان الوقت لنسف تلك الأساطير والقول إن فاتح الانقلابات العسكرية في الوطن العربي كان الضابط العراقي الشاب بكر صدقي، الذي انقلب على رئيس وزراء العراق ياسين باشا الهاشمي سنة 1936. وكان بكر صدقي نفسه قد استلهم انقلابه ليس من السوريين (الجيش السوري لم يكم موجوداً يومها)، بل من انقلاب عسكري ناجح نفذ في العاصمة الإيرانية طهران سنة 1921.
انقلاب إيران .
في صبيحة الواحد والعشرين من شهر فبراير/شباط سنة 1921 تحرك ضابط مغمور باتجاه مدينة طهران، لوضع حد لفساد العائلة المالكة والاستباحة التي جرت لأراضي بلاده على يد الإنكليز والروس منذ منتصف القرن الثامن عشر.
كان اسمه رضا خان، وهو من أصول قروية، عاش يتيماً وفقيراً قبل أن يلتحق بجيش الكوساك، ويصعد الهرم العسكري بثبات قبيل أن يُنفذ انقلابه الشهير وهو في الثالثة والأربعين من عمره سنة 1921.وللم يتسلم رضا خان السلطة فوراً، خوفاً من تداعيات الانقلاب، بل فضل أن يحافظ على السلالة القاجارية الحاكمة ويفرض على ملكها الفتى أحمد شاه (23 عاماً) تعيين الصحفي والسياسي ضياء الدين الطبطبائي رئيساً للحكومة، ليكون عين رضا خان داخل السلطة التنفيذية.
وقد فرض رضا خان نفسه حاكماً عسكرياً على البلاد، وفي سنة 1923، تسلّم رئاسة الحكومة من الطبطبائي، كما عيّن نفسه وزيراً للحربية وقائداً للجيش الفارسي.
ولو عدنا إلى كتب التاريخ لوجدنا أن تصرفه الحكيم هذا قد تكرر في سوريا سنة 1951، عندما رفض العقيد أديب الشيشكلي تسلّم الحكم مباشرة وتولّى فقط رئاسة أركان الجيش، مع تعيين اللواء فوزي سلو رئيساً للدولة.
وتكرر المشهد في مصر بعدها بأشهر، عندما عيّن البكباشي جمال عبد الناصر نفسه وزيراً للداخلية بعد نجاح ثورة 23 يوليو سنة 1952، وأعطى رئاسة الجمهورية للواء محمد نجيب.
من ألهم رضا خان على انقلابه؟ كل المؤرخين الإيرانيين والأجانب أجمعوا أن رضا خان كان ينوي بداية نسف النظام الملكي وأخذ إيران نحو نظام جمهوري، على غرار تجربة كمال أتاتورك في تركيا.
ولكن فضل الإبقاء على النظام الملكي، بعد أن راق له الحكم، وقرر أن يصبح ملكاً في بلاده ويؤسس لسلالة حكم، لم تستمر إلا جيلاً واحداً من بعده.
خلال السنوات الأولى من القرن العشرين، حدث انقلاب عسكري في صربيا سنة 1903، أدى إلى مقتل الملك ألكسندر الأول، وفي سنة 1905 كانت هناك محاولة انقلاب فاشلة في البرازيل.
والد الشاه أحمد نفسه الذي انقلب عليه رضا خان كان قد خُلع عن عرش بلاد فارس سنة 1909، عندما أمر بقصف المجلس النيابي للتخلص من الدستور الذي فُرض عليه من قبل الإصلاحيين.
وفي 23 يوليو/تموز 1908 كان الانقلاب الأشهر في تاريخ المنطقة، الذي قادته جمعية الاتحاد والترقي ضد السلطان عبد الحميد الثاني في إسطنبول.
نجح الاتحاديون بفرض إصلاحات مؤلمة على السلطان عبد الحميد، تمثلت في فرض دستور والعودة إلى الحياة النيابية، قبل خلعه عن العرش بشكل نهائي، واستبداله بشقيقه السلطان محمد رشاد الخامس، في أبريل/نيسان 1909.
وأخيراً كانت الثورة البلشفية في روسيا، التي أطاحت بالقيصر نقولا الثاني وكامل أفراد أسرته سنة 1917، وهو العدو اللدود للملكة القاجارية في طهران. أي أن رياح التغيير كانت تعصف بشعوب المنطقة، ولم يكن طموح رضا خان غريباً أو بعيداً عنها، بعد أن رأى سلسلة النجاحات في صربيا وإسطنبول وسانت ببطرسبورغ.
بناء على ذلك، يكون الانقلاب الأول في العالم الإسلامي قد حدث في إسطنبول، والثاني في طهران. ثم في الوطن العربي، فكان العراق هو مشهد الانقلاب الأول سنة 1936، وسوريا هي المسرح الثاني عام 1949.
وبذلك، يكون انقلاب حسني الزعيم في دمشق هو رابع الانقلابات العسكرية في العالم الإسلامي، بعد إسطنبول وطهران وبغداد.
ظلّ رضا خان يحكم إيران من خلف الستار طيلة أربع سنوات، من فبراير/شباط 1921 وحتى ديسمبر/ كانون الأول 1925، حينما غادر الشاه أحمد قصره إلى رحلة “قصيرة” إلى أوروبا، لم يعد منها أبداً.
اجتمع المجلس النيابي بغيابه في طهران وقرر عزله عن العرش واستبداله بقائد الجيش ورئيس الحكومة رضا خان، مهندس انقلاب عام 1921، الذي بويع ملكاً على بلاد فارس، وصار يعرف بلقب “شاه أن شاه” (ملك الملوك).
لم تكن له يومها أية كنية أو اسم عائلة، لأنه ابن عائلة مغمورة مجهولة النسب، فقرر اتخاذ كلمة “البهلوي” اسماً رسمياً لسلالته، وهو اسم لغة فارسية قديمة، أصبحت اسماً له ولأولاده وأحفاده من بعده، ولا تزال قائمة حتى اليوم، على الرغم من مرور أكثر من 100 عام على انقلاب عام 1921. ولكنه لم يجري لنفسه حفل تنصيب حتى شهر أبريل/نيسان 1926، عندما بلغ ابنه الوحيد السابعة من عمره، ليتم تعيينه ولياً للعهد (وهو شاه إيران المستقبلي، محمد رضا بهلوي).
أنهى رضا خان حكم السلالة القاجارية التي حكمت بلاد فارس منذ سنة 1789 وأنجبت له سبع ملوك، كان أحمد شاه آخرهم، وأسس سلالة حكم جديد، تمثلت به وبابنه الذي حكم إيران من بعده منذ سنة 1941 ولحين الإطاحة به وبعرشه على يد الثورة الإسلامية سنة 1979.


الأكثر شعبية



الشرع يستقبل عضو الكونغرس الأميركي كوري ميلز والوفد السوري…
