إبراهيم حاج عبدي – الناس نيوز ::
انتظر السوريون، بكثير من الترقب والفضول، عرض مسلسل “ابتسم ايها الجنرال”، الذي تولى إخراجه عروة محمد، لمعرفة ما سيكشفه العمل من خفايا وأسرار “القصر الجمهوري” في دمشق، ذلك أن التسريبات، التي سبقت العرض خلال الموسم الدرامي الرمضاني، قالت إن المسلسل سيتناول سيرة حافظ الأسد، أو وريثه بشار الأسد.
ومبعث هذا الاهتمام هو أن المسلسل نفذ من وجهة نظر المعارضة، خارج سوريا، ومعظم ممثليه هم ممن وصفوا بـ”المعارضين”، علاوة على أن هذا العمل، الذي انتجته شركة “ميتافورا” القطرية، خرج إلى النور بعيداً عن أية رقابة، وهو ما رفع سقف التوقعات لدى المشاهد السوري الذي أمل في رؤية مسلسل مغاير يروي فصولا “قاتمة” من التاريخ السوري ويتناول ملفات مسكوت عنها بجرأة نادرة لن يطالها مقص الرقيب.
“فائض الحرية”
لكن العمل أظهر، مع انتهاء عرض حلقاته الثلاثين، أن “الحرية المطلقة” في إنجاز عمل درامي قد لا تكون في مكانها المناسب ، بل قد تأتي بنتائج عكسية، بحسب ما تجلى في بعض الحلقات من المسلسل ، واستقطب العمل جمهورا من كل الأعمار في العالم ، بتركيزه على حياة العائلة الحاكمة ، واقترب كثيرا من واقعية حياة ” عائلة السلطة ” إذا جازت التسمية ، بتوثيق تحفيزها الدائم للاستحواذ على الثروة والسلطة ، وهي غايتها الوحيد في الحياة ، وهو الواقع المُعاش في سوريا منذ أكثر من نصف قرن من تفرد هذه العائلة في سدة الحكم الديكتاتوري .
وجاء تركيز المسلسل على الانشغال بتصفية الحسابات مع حقبة مضطربة في تاريخ سوريا، وكشف تعامل الرئيس مع إسرائيل من أجل البقاء على الكرسي، واستخدام المدنيين كفئران تجارب لتجريب أسلحة كيميائية، وقتل المعتقلين.. وسوى ذلك من الفظائع، كلها وقائع عانى منها الشعب السوري على مدى عقود من حكم آل الأسد .
ولكن هل كان هذا الانحياز لصالح توثيق الواقع على حساب الجماليات الفنية للدراما ؟ ربما نعم لان اللمسات الفنية تدعم فكرة العمل كلها .
كاتب المسلسل ( المبدع ) سامر رضوان كان قد قدم سيناريوهات من قبل نفذت في سوريا، وتحت أعين رقيب النظام ، وكانت جريئة في مقارعة الفساد والتجاوزات ومافيات السلطة، كما رأينا، مثلا، في مسلسل “لعنة الطين”، و”دقيقة صمت”، والمسلسل الأكثر جرأة في تاريخ الدراما السورية وهو “الولادة من الخاصرة”، وهو ما يؤكد ما أشرت إليه أعلاه من أن “فائض الحرية” قد يغري الكاتب، وكذلك المخرج، بالتمادي في توجيه اللعنات المجانية من دون أية مراعاة للشروط والمعايير الفنية.
يمكن تفهم عبارة تظهر في مقدمة العمل حول رمزية واسقاطات المسلسل والأرجح أن هذه العبارة تدرج في مستهل كل حلقة تجاوزاً للمساءلة، أو ارتباطاً بالضرورات الفنية من أجل سهولة الرد على أي خطأ أو تحريف لحوادث تاريخية بالقول: إن العمل متخيل.
البعض يرى أن التوثيق يتطلب الحرص على تقديم خطوط درامية تاريخية تحاكي وقائع حصلت بالفعل، وكذلك التقيد بإكسسورات المرحلة وتصاميم الديكورات إلى غير ذلك من المفردات والعناصر الفنية التي يجبر صناع العمل على الغوص في الأرشيف، وبذل جهود هائلة من أجل استحضار شخصية ما وتجسيدها على الشاشة، والحرص على الاهتمام بكل كبيرة وصغيرة من ساعة اليد وربطة العنق وصولا إلى السيارات والمباني وديكورات الغرف وغير ذلك من التفاصيل الصغيرة التي ينبغي أن تحاكي الواقع دون تزييف، قدر الإمكان، كما رأينا مثلا في أعمال فنية تناولت سيرة الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر وكذلك أنور السادات، فضلا عن شخصيات تاريخية أخرى من نابليون إلى هتلر وصولا إلى غاندي وجون كنيدي، ففي مثل هذه الأعمال كانت الاستعانة بالوثيقة التاريخية أولوية تفرض تنفيذا مختلفا للعمل.
ومن الواضح أن التوثيق في “ابتسم ايها الجنرال” كان سيفرض شروطا إنتاجية مختلفة، سيضطر معها صناع العمل إلى الالتزام بدقة الحوارات، والأحداث التاريخية، والشخصيات التي كانت لها دورا مؤثرا في المشهد الاقتصادي والسياسي السوري، بأسمائها الحقيقية، فضلا عن الالتزام بشكل المباني والسيارات وديكورات القصر الرئاسي، والتي صممها مهندس الديكور طه الزعبي.
أداء تمثيلي متفاوت
هناك عامل آخر مهم كان يمكن أن يرفع بمستوى المسلسل، والمقصود بذلك أداء الممثلين، لكن حتى هنا شاهدنا تفاوتا أربك سلاسة المسلسل، فقد ظهر الفارق الواسع في الأداء بين ممثلين معروفين مثل مكسيم خليل، الذي أدى دوره بجدارة، وعبد الحكيم قطيفان ومازن الناطور وسوسن أرشيد وريم علي وعزة البحرة … .
ولعل الفوارق في مستوى الأداء التمثيلي خلقت نوعا من التنافر، ولم تنجح في منح العمل التناغم المطلوب، ومن المعروف أن هذا الايقاع الدرامي المتناغم على مستوى التمثيل، يحرص عليه، عادة، المخرجون عبر الاعتناء باختيار ممثلين وفق مقاييس تقود في النهاية إلى “تكامل أدوراهم” على الشاشة ، فيما اعتقد .
ولم يسلم التصوير والإضاءة الذي تولى إدارتهما عصام الصعيدي، من الانتقاد، فقد هيمن على مناخات العمل أجواء الكآبة عبر الاضاءة الخافتة طوال حلقات المسلسل، وهو ما أفقد هذا المقترح البصري وظيفته الدرامية، فهذه الإضاءة الكئيبة والخافتة يلجأ إليها المخرجون في لقطات ومشاهد معينة للتعبير عن حالات درامية خاصة وإبراز أجواء الرعب والخوف والهلع، أما أن تكون جميع مشاهد المسلسل مصورة وفق هذه التقنية الدرامية، فذلك يفقدها التأثير الدرامي المطلوب.