طرابلس – الناس نيوز ::
انتهى الاجتماع التشاوري لوزراء الخارجية العرب، الذي انعقد يوم في العاصمة طرابلس ودعت له وزارة خارجية حكومة الوحدة الوطنية كونها رئيس مجلس الجامعة العربية على المستوى الوزاري للدورة 158، تاركا وراءه أثرا واضحا في المشهد السياسي الليبي على صعيديه الداخلي والخارجي.
ووفقا لوكالات الأنباء، رغم أن طبيعة الاجتماع التشاوري لا تلزم الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية بالحضور، إلا أن انعقاده في طرابلس في ظل الانقسام وحساسية الأوضاع في المشهد الليبي كان له أثره في مستوى تمثيلية الدول وحضورها أو غيابها، فمن شارك فيه ترك بصمته ومن غاب عنه أيضا، وأبان عن مواقف عربية متباينة.
وشاركت في الاجتماع دولتا تونس والجزائر على مستوى وزيري خارجيتهما، بينما أوفدت قطر وزير الدولة للشؤون الخارجية سلطان بن سعد المريخي، وحضرت دول السودان وسلطنة عمان وفلسطين وجزر القمر بتمثيل دبلوماسي أقل، بالإضافة إلى ممثلين عن الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، مع غياب بقية الدول العربية عن الاجتماع، فضلا عن غياب الأمانة العامة لجامعة الدول العربية.
وخلال كلمتها في افتتاح الاجتماع، أعربت رئيسته وزيرة خارجية حكومة الوحدة الوطنية، نجلاء المنقوش، عن أسفها لمواقف من تغيّب من الوزراء والموفدين العرب، وانزعاجها من افتقاد بلادها التضامن العربي منذ سنوات.
وأشارت إلى دعوات تأجيل تعرضت لها دعوة ليبيا لانعقاد الاجتماع التشاوري، ومحاولات لثني وزراء خارجية دول عربية عن المشاركة والقدوم لليبيا، دون أن تسمي من وراءها، في إشارة قد يرى البعض أنها موجهة لدولة مصر التي سبق أن أبدى وزير خارجيتها، سامح شكري، اعتراضا على ترؤس خارجية حكومة الوحدة لمجلس الجامعة نظر لـ”انتهاء ولايتها”.
وعقبت انتهاء الاجتماع، هاجمت المنقوش، خلال مؤتمر صحافي، أمانة الجامعة العربية، معتبرة أن غيابها عن الاجتماع “وضع الكثير من الدول في حرج الاصطفاف”، بل واتهمها بأنها “أقحمت نفسها بالانحياز الواضح لإحدى الدول العربية”.
وقالت إن الأمانة العامة للجامعة وضعت شرطا مخالفا لمواثيق الجامعة يقضي بضرورة موافقة 14 دولة على الاجتماع التشاوري، ووصفت هذا الشرط بـ”البدعة”، متهمة أمانة الجامعة بـ”محاولة تعطيل الاجتماع”.
وشددت المنقوش على “حق ليبيا في رئاسة” مجلس وزراء خارجية الدول العربية”، واتهمت دولا عربية، لم تسمها، بالحديث بالوكالة عن ليبيا في أزمتها، وأشارت إلى أن المشكلة الملف الليبي تكمن في أنه “يناقش بعيدا عن الليبيين”، مشددة على رفض أسلوب الوكالة أو النيابة عن ليبيا.
ولم يصدر عن الأمانة العامة للجامعة العربية، ولا عن أي من الدول المقاطعة للاجتماع في طرابلس أي موقف حتى الآن، لكن المنقوش علقت على هذا الصمت بتغريدة، مساء الأحد، جاء فيها أن “اجتماع طرابلس أعاد تذكير الرأي العام العربي، كيف أن الحُلم العربي لم يتحقق ويواجه تحديات خطيرة، وقد عجزت جامعة الدول العربية عن تحقيق أقل مستويات التضامن العربي مع بلدي من وسط عاصمته”، وأضافت: “أعلنا إصرارنا أننا في طريق الاستقرار، ولن نتنازل عن حقوق شعبنا، ويدعمنا الأوفياء من أشقائنا العرب”.
وفيما لم تسم المنقوش تلك الدول التي اتهمتها بتعطيل الاجتماع، كشفت تغريدة لرئيس الحكومة المكلف من مجلس النواب، فتحي باشاغا، عن تلك الدول، حين خص بالشكر دول “جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة” من بين الدول التي وجه إليها شكره لعدم مشاركتها في الاجتماع، فيما طالب دولتي الجزائر والتونس، اللتين شاركتا في الاجتماع، بـ”إعادة النظر في سياستهما الخارجية تجاه ليبيا”.
وتعليقاً على الحدث، يرى الباحث في الشأن السياسي الليبي ومدير مركز بيان للدراسات، نزار كريكش، أن القاهرة تتزعم الموقف الرافض لحكومة طرابلس، معتبرا أن الوزن المصري في العالم العربي “ليس بالهين، لذا فإن الاستراتيجية المصرية هي التي غابت، بمعنى آخر إن ما حدث هو أثر الانقسام العربي في الملف الليبي بين مصر والجزائر”.
لكن في ذات الوقت يرى كريكش، في حديثه لـ”العربي الجديد”، وجود أسباب أخرى لتغيّب بعض الدول العربية عن الاجتماع، ومنها “أن دولا عربية لم تشأ أن تدخل في هذا النزاع لذا لم تحضر وانسحبت بهدوء إن جاز التعبير”.
ومن ناحية أخرى، يرى كريكش أن تنظيم الاجتماع في طرابلس “محاولة جادة من حكومة الوحدة الوطنية للحصول على شرعية إقليمية.. هذا فعل إيجابي جعل خصومها في موقف رد الفعل”.
وعن أثر الانقسام العربي في الملف الليبي لا يعتقد كريكش أنه سيعمق حالة الانقسام الليبي، مشيرا إلى أن “موقف مصر وحلفائها العرب الرافض لسلطة حكومة الوحدة الوطنية جاء في توقيت وصول توجيهات أميركية ودولية وأفريقية بضرورة “الذهاب نحو استقرار نسبي” من خلال دفع المشهد نحو إجراء انتخابات قريبا، وبالتالي فموقف مصر وحلفائها لن يعطي ثقلا لحلفائهم الليبيين من خصوم حكومة الوحدة الوطنية.
ومن جهة أخرى، لا يجد المحلل السياسي، سامي الأطرش، أي غرابة في تغيّب أغلب الوزراء العرب، منكرا وجود أي دور إيجابي للجامعة العربية في تاريخ الشعوب العربية، لكنه في الوقت ذاته، يرى أن تغيّب رئيس الجامعة، أحمد أبو الغيط، “لا ينم عن حسن نوايا الرئاسة”.