دمشق – الناس نيوز ::
مئة وتسعة وعشرون يوما مضت على انطلاقة احتجاجات محافظة السويداء جنوبي سورية، المطالبة بالتغيير السياسي والانتقال السلمي للسلطة في البلاد، ولا تزال ساحة الكرامة تستقبل المحتجين كل يوم جمعة إصراراً منهم على مطالبهم.
وشهد يوم الجمعة مظاهرة ضمت الآلاف من أبناء المحافظة بمظهر منظم لا يختلف عن الأسابيع السابقة من حيث حضور النقابات المتنوعة والأجسام المدنية والسياسية المنبثقة من الحراك، وحضور لافتات متنوعة اختلف المحتجون حولها.
وقالت سهام العلي، إحدى الناشطات المدنيات المشاركات في الحراك: “لن نستسلم ولن نرجع عن مطالبنا حتى تحقيقها، وسنستمر حتى يتحقق لنا ولكل السوريين ما حلمنا به منذ 13 عاما، فالحرية والدولة المدنية العلمانية ذات السيادة مطلبنا ومطلب كل الشعب السوري، وكلنا ثقة بما تنتجه الساحة من كتل مدنية وتيارات سياسية ذات مشروع وطني ذو امتدادات سورية وعروبية، حتى وإن كان يؤرق بعض الذين ينادون بمشاريع ضيقة”.
وجاء كلام الناشطة رداً على محاولة حزب اللواء الذي دخل الساحة اليوم “للتسلق على اكتاف المنتفضين ضد النظام”، كما قالت.
وشارك الجمعة في ساحة الكرامة في السويداء، حزب اللواء السوري بشكل منظم وبشعارات واضحة تدعو للإدارة الذاتية والانفصال عن النظام الحاكم، وتؤكد أن جميع الشعارات التي تدعو للوحدة الوطنية ولتطبيق القرار 2254 لن تجدي وليس لها أي مستقبل لسورية الجديدة، ولم يخل دخولهم من مشاحنات نتيجة رفض الغالبية من المشاركين لهذه الشعارات الانفصالية.
ويقول الناشط المدني عدنان أبو عاصي: إن “ساحة الكرامة تتسع للجميع ضمن شرط ألا نستفز الآخرين بشعاراتنا، خاصة عندما نكون أقلية وآخر من يشارك في الحراك الشعبي، ولهذا على حزب اللواء أن يشارك لأننا نقبل الآخر ولسنا بديلاً لحزب البعث، ولكن ضمن أخلاقيات الأكثرية هذه التي أظهرت وعياً وتماسكا وموقفا حضاريا بقبولها بحشد لا يزيد عن 100 شخص ويعارض كل الحضور”.
وفي الوقت الذي يحاول فيه حزب اللواء إضفاء الطابع الانفصالي على الحراك، حمل مئات المحتجون لافتات وبطاقات طرحوا خلالها شعارات رافضة للانفصال ولأي شكل من أشكال الفيدرالية الخارجة عن السياق الوطني الذي يمثل أبناء المحافظة، والذي أكدته وثيقة مشتركة وقعت عليها أبرز القوى الشعبية المنبثقة عن الحراك أمس الخميس، تضمنت مبادئ وطنية ترفض أي شكل من أشكال الانفصال عن الوطن الأم سورية.
وقال الناشط المدني هاني عزام:” من الطبيعي أن يحصل ما يحصل في أي حراك شعبي حول العالم، فالاختلاف في التفكير طبيعة بشرية لا يمكن نكرانها، ولكن الخروج عن المفاهيم والقيم الضرورية والمبدئية يخرج عن سياق حرية التفكير ويدخل حيز التشويش”.
وتشبه الناشطة الحقوقية سلام عباس (اسم مستعار)، ما يسعى له هؤلاء “بحمى التعافي للحراك”، لأن فشلهم باستجرار المحافظة لمشروعهم المرفوض جملة وتفصيلا، جعلهم أمام خيار المحاولة الأخيرة لتثبيت أقدامهم، وخاصة مع انطلاق مشاريع واضحة في توجهها الوطني الرافض لما يرمي إليه هؤلاء، معتبرة أنهم والنظام في الحال سيان بالنسبة للمجموع العام في حال ظلوا متمسكين بمطلبهم الانفصالي.
وأشار الناشط المدني علي الحسين إلى أن “المشاريع الفيدرالية للدول لا يكتب لها النجاح في حالة مثل الحالة السورية، بل وحسب تجارب عديدة فإن تطبيق اللامركزية الموسعة في هكذا أوضاع يكون دعماً للحكومة المركزية واعترافاً حتمياً بها، ولذلك ستكون نتيجة اي مكون لا مركزي في سورية شرعنة لنظام الأسد في الوقت الراهن”.
ودعا الحسين أتباع هذا الفكر في السويداء إلى التعرف بشكل جيد على الشروط التي تؤدي لنجاح الفيدرالية، كما دعاهم للتمعن في طرحهم والتفريق بين اللامركزية الموسعة التي لا يمكن أن تبنى إلا من خلال وجود دولة مستقلة ذات سيادة وطنية، وبين اللامركزية الانفصالية التي لن تجني إلا ويلا اقتصاديا جديدا على محافظة فقيرة بالموارد كالسويداء، مضيفا أن “كل ما يروج له أتباع اللامركزية الجديدة في سورية في ظل المقدرات الاقتصادية في السويداء ليست إلا أضغاث أحلام لا صحة لها في الظروف الحالية”.
ودعا ناشطون مدنيون لاستحداث برلمان مصغر للحراك يتم من خلاله طرح الرؤى ووجهات النظر بين المحتجين انفسهم، ومن الساحة للرأي العام.
وقالت الناشطة المدنية رامية العيد (اسم مستعار): “اختلط على العامة مشروع الساحة الوطني واختلطت عليهم مفاعيل الحراك، وبات الجميع يسأل ماذا حقق الحراك منذ اربعة اشهر؟ وللحقيقة من لا يخوض عباب البحر يظن الابحار مستحيلا وبلا جدوى”، مؤكدة أن من أهم مفاعيل الحراك عودة الحياة السياسية للمحافظة وفق سياق ذو ابعاد وطنية، فضلا عن عودة المجتمع المدني ليتصدر المشهد والمبادرة في التغيير، ولكن “من ينتظر نتائج سريعة سيكتفي السؤال، ومن يريد نتائج ولو على مدى بعيد قليلا عليه أن يسعى لها لا أن يجلس جانبا ويطلب”، على حد وصفها.
ويرى الناشط المدني وافي سلام أن المرحلة هي مرحلة مطالب وطرح حلول ومن الطبيعي ان يسبق أي حل بمطالب واطروحات ولن يأتي الحل على طبق من ذهب دون أن يكون هنالك من يطالب به.
وأضاف: “نعلم أن الحاضنة الشعبية تدعم وتنتظر نتائج، ونحن نثق بأن النتائج قادمة والحل قادم، ولن يأتي ذلك إلا من خلال الاستمرار بالمطالبة بالتغيير والسعي لتحقيقه من خلال العمل المدني والسياسي الموازي للتظاهر”.