[jnews_post_author ]
منذ أن بدأت المعارك الأخيرة بين أذربيجان وأرمينيا، يدور نقاش حاد بين السوريين عن مدى وطنية مواطنيهم وإخوانهم الأرمن الذين هبّوا لنصرة أرمينيا في حربها التاريخية ضد أذربيجان ، المدعومة طبعاً من قبل تركياً ورئيسها أردوغان، على خلفية العداء التاريخي وفي المقابل، يهاجم أرمن سوريا تيارات تمثل بعض مواطنيهم إخوانهم السوريين العرب الذين توجهوا فوراً إلى أذربيجان مدججين بالسلاح، دعماً من وإلى أردوغان. ويتناول المغردون السوريون المدافعون عن موقف الأرمن الثابت من تركيا صوراً ومعلومات عن شخصيات أرمنية سورية، لإظهار مدى تعايش هؤلاء مع مجتمعهم العربي منذ أن جاؤوا إلى هذا البلد هاربين من مجازر وبطش الدولة العثمانية قبل مئة عام.
لا أحد يستطيع أن يُشكك بوطنية أرمن سوريا وحبّهم لهذا البلد الذي فتح ذراعيه لاستقبالهم ونظر لهم على أنهم شركاء في بناء الوطن. لا يوجد إحصاء لعدد سكان سوريا اليوم، فمنهم من قُتل وهُجر وفُقد في المعارك الطاحنة التي عصفت بالبلاد، ومنهم من بقي صامداً في بلاده بالرغم من كل التحديات. ولا نعرف كم من الأرمن هاجر مع موجه النزوح، ولكن المؤكد الوحيد أن الكثير من الأرمن بقوا في سوريا. وقد تجلت مواطنة الأرمن الصادقة في مرحلة ما قبل وصول حزب البعث إلى السلطة عام 1963، حيث وصل عدد من الأرمن إلى مناصب رفيعة في المؤسسة العسكرية، مثل أرام كارمانوكيان، الذي أصبح أمراً لسلاح المدفعية في عهد الرئيس أديب الشيشكلي، وفي قوى الدرك التي ولّي عليها الضابط الفذ هرانت مانولين في عهد الرئيس شكري القوتلي، والمعروف يومها بلقب “هرانت بك.” كلاهما كانا من الأباء المؤسسين للجيش السوري سنة 1946، والذي أنشئ على أنقاض جيش الشرق الفرنسي، والذي كان قوامه العديد من الأرمن السوريين، إضافة للأكراد والشركس والعلويين والدروز والإسماعيليين والمسيحيين. ومن أبرز الأرمن في تلك المرحلة رجل الأعمال والمقاول الشهير ناظاريت يعقوبيان، الذي دخل المجلس النيابي على قائمة الكتلةالوطنية والرئيس القوتلي سنة 1943 ثم قام بإعادة بناء البرلمان بعد أن تعرض لقصف فرنسي يوم 29 أيار 1945.
ولكن المناصب الرفيعة توقفت عند هذا الحد ولم يصل أي أرمني سوري إلى منصب وزاري أو دبلوماسي رفيع كما حدث في لبنان، الذي سمح بتوزير مواطنيه الأرمن ورخّص لأحزابهم “الطاشناق” و”الهنشاك”، أو في مصر التي جاءت برجل أرمني إلى رئاسة الحكومة يُدعى نوبار باشا في القرن التاسع عشر.
ولكن هناك من يقول إن الأرمن لم ينالوا حقهم في المواطنة السورية. صحيح أن الدولة في سوريا سمحت لهم بفتح مدارس واستخدام لغتهم القومية، على عكس موقفها من الأكراد السوريين وباقي المكونات العرقية ، ولكنها ظلّت تمنعهم من المشاركة الفعالة في الحياة السياسي، حيث لا حزب لهم في سوريا ، لا اليوم أو في عهد الديمقراطية في الخمسينيات. ولا وجود يُذكر لهم في أي من الأحزاب الكبرى في البلاد، مثل الحزب الشيوعي والحزب السوري القومي الاجتماعي أو حتى في حزب البعث. وكانت الرئاسة الأولى محظورة عليهم، مثل كافة المواطنين المسيحيين، بموجب المادة الثالثة من كل الدساتير التي عرفتها سوريا منذ عام 1920، والتي أبقت على رئاسة الجمهورية بأيدي المسلمين السنة قبل أن يلغي الأسد الأب كلمة ” السُنّة” ويتركها المسلمين بعد وصوله للحكم مطلع سبعينيات القرن الماضي .
ثم فترة تحرير البلاد من العثمانيين، رفع الملك فيصل الأول ملك سوريا شعاره الشهير: “نحن عرب قبل أن نكون سوريين،” وبذلك قلّل من مواطنة الأرمن في سوريا، سواء عن قصد أو سوء تقدير، وحصر الهوية السورية بالعرب دوناً عن غيرهم من المواطنين. ثم جاء الرئيس جمال عبد الناصر سنة 1958 ليرفع ذات الشعار العروبي ولحقه بذلك البعثيون الذين وصلوا إلى الحكم سنة 1963.
وهناك من يقول إن تعيين الضباط هرانت مانوليان وأرا كارامانوكين لم يكن من باب التأخي في الوطن بل ناتج عن أهداف سياسية مُبطنة لصناع القرار في حينها. فهرانت بك عُيّن قائداً للدرك لأنه محدود الولاء في المؤسسة العسكرية، أي أن أتباعه قلّة ولا يمكنهم القيام بأي انقلاب عسكري. وكذلك الحال مع أرام كارمانوكيان، الذي عُيّن في منصبه من قبل رئيس الأركان العامة في حينها، اللواء شوكت شقير، الذي أراد إشراك كافة الأقليات بعملية قصف ومداهمة جبل الدروز التي أوكلت إليه من قبل رئيس الجمهورية أديب الشيشكلي، لأنه درزي.
بعد تسريحه من الجيش، انتخب كارمانوكيان نائباً عن حلب في زمن الانفصال ثم غادر سوريا نهائياً إثر انقلاب 8 آذار 1963. توجه بداية إلى لبنان حيث درس القانون في الجامعة اليسوعية ومن ثم إلى جامعة السوربون في باريس، ليتخرج منها وهو في خريف العمر سنة 1972. شدّ الرحال من بعدها إلى الولايات المتحدة الاميركية، حيث نال جنسيتها، ومن ثمّ سافر إلى إقليم كاراباخ…ذات الإقليم المتنازع عليه اليوم، لدعم أبناء جلدته من الأرمن في حربهم الضروس مع أذربيجان .
—————————————————————
أمير سعادة