طوني شربل – ( صوت لبنان ) – الناس نيوز ::
السلام عليك يا معلم ، ستون عاماً من الفلسفة والإبداع والعطاء، قضى بعدها شهيداً مظلوماً على درب الحرية والعدالة والإنسانية ، في زمنٍ كانت قد سقطت فيه قيّمُ الحقِّ والجمال ،وما عاد لها قيامة منذ ذاك التاريخ .
ستون عاماً ، على مولد رجلٍ افتقدناه – نحن معشر اللبنانيين – في الليالي الظلماء ، إمتدت اليه يدُ الغدرِ وهو في عزِّ العطاء ، لأنه كان يحلم بوطنٍ ليس كوطن الصغار ، حمله في الفكر المبدع ، والرؤية الثاقبة ، والعقيدة الراسخة ، وهو ما لا يتلاقى مع الجهل في زمن العهر والحديد والنار .
كمال جنبلاط ، النور الذي انبثق من دخان الحروب والدمار والقتل ، حمل مع ولادته في السادس من كانون الأول لعام 1917 ، الأمل والرجاء ، لشعبٍ لا يليق به إلا عيش الكرامة والإنسانية التي هي من صنع الله.
وهكذا ، مشى على دربٍ ما كان يَعتقدُ أنها ستكون جلجلةً من اجل الوطن ، بشراً وحجرا ، فكتب وحاضر وعلّم ، وصار منارةً تطال الشمس وتُضاهيها في نشر العلم والوعي والثقافة الوطنية والإيمان المطلق بحياةِ الإنسان الكريمة التي هي حقٌ طبيعي منحته له السماء والأرض معاً .
دربُ كمال جنبلاط – الجلجلة ، مشاها سيما في سنواته الأخيرة بعزمٍ وثبات ، شامخ الرأس ، كثير الزرع ، يجمع بين عزة الإنسان وعمله وان لا يكون إلاّ كما أراده الله على صورته ومثاله .
كان قائداً بامتياز ، بل فريدَ عصره ، استطاع إلى ثروته الفكرية ان يبني ثروةً اجتماعية ووطنية ، وتمكّن بإنسانيته وتواضعه وكرمه وعطاءاته وبُعد نظره ، ان يجمع تحت جناحيه ، فريقاً كان الأوسع في اصعبِ الظروف وأحلكها ، وراح يعمل على طريق التهدئة والأمن والسلام بين أبناء الوطن الواحد ، دون ان يسيء إلى مشاعر هذا او ذاك.
خصامه السياسي ، كان شريفاً ويُحتذى به ، ما آمن لحظةً بجدوى حربٍ او امتشاق سلاح إلا أمام العرض والأرض ، غيرُ ذلك كان عامل خيرٍ وفرحٍ وسلامٍ وطمأنية وعيشٍ حرٍ سليمٍ وكريم .
كمال جنبلاط ، لا يُمكن لانسانٍ مهما جال وصال في العلم والنضوج ان يقرأه ، او يعرفه ، او ان يغبرَ عباب فكره ، او أن يحدَّ تطلعاته .
لقد كان العلم والمعرفة والفكر في وقتٍ واحد ، فكيف لنا نحن – ومن نحن – ، ان نحكي عن هذا العظيم ونكتب عنه ونفيه بعضاً من حقه ومما اعطى ؟
ستون عاماً ، وأيُ رقمٍ هذا في عمر الزمن ؟ الاّ انه كان بالنسبة لكمال جنبلاط تاريخًا من النضال المتكامِل الذي ما استطاع احدٌ ان يكتبه ولن .
ستون عاماً ، وجاءته يد الظلام مرتجفةً وقتلته لأنها تخاف النور .
في السادس من كانون الأول لعام 2024 ، كم نفتقدك أيها المعلم وكم يفتقدك لبنان الذي لم يعد يشبه شيئاً إلا الموت والدمار ورذالة النفوس ودناءتها .
وكم تفتقدك فلسطين ، حبيبتك التي ذبح الإجرامُ فيها ستين الفاً من ناسها . كمال جنبلاط ، أيها المعلم ،نستذكرك اليوم ، وقلوبنا محروقة كما هو لبنان وفلسطين ، كما أطفالنا والنساء .
حقاً ، نستفقدك اليوم ، ونستفقد رجاحة عقلك ، وصوابية فكرك ، وصدق مواقفك ، ولكن من أين لنا ، او بالحري ، كيف نأتي بكمال جنبلاط آخر ؟
في ذِكرى مولدك أيها المعلم نُردد مع اهلك وناسك : “السلام عليك يا معلم ، يوم ولدت ، ويوم غُدرتَ ، ويوم تُبعثُ حيا .”