الحقوق التاريخية للكرد في سورية بين الحقيقي والوهمي
بينت في المقالة السابقة تاريخ المسألة الكردية، التي نشأت بين الحربين العالميتين، نتيجة لصعود موجة القوميات التي اجتاحت أوروبا نهاية القرن التاسع عشر وتسبب صعودها بكوارث الحربين العالميتين. أتمنى على القارئ الانتباه إلى الروابط المعلقة في المقال ففيها دراسات ومصادر تستفيض بالمعلومات بهذا الخصوص.
“كان معظم الأكراد الحضريين يتحدثون العربية وكانوا منفصلين اجتماعيا عن الجماعات الصحراوية والريفية في شمال شرق سورية. آنذاك لم تك هناك أية حركة كردية قومية منظمة، وليس لدينا أية سجلات تشير إلى التماسات مقدمة من الأكراد الذين ربما اعترضوا على تسمية سوريا باسم مملكة عربية، كما لا يوجد أي دليل على مناقشة حقوقهم في المؤتمر”. أفتتح بهذه الفقرة الموثقة في عدد من المصادر التاريخية الغربية والعربية، عن المؤتمر العربي السوري 1920*، والتي تؤكد أنه لم يك للكرد أي مطالب قومية أو سياسية خارج المطالب السياسية
للشعب السوري عامة.
بعدما تخلى الفرنسيون عن سورية الشمالية شن أتاتورك، بمساعدة عشائر كردية جنوب شرق تركيا، حرب تهجير على السريان والأرمن، وقد وثقت العديد من المصادر التاريخية هجرتهم إلى مناطق الحسكة التي تحت الاحتلال الفرنسي المباشر. أقتطف من كتاب (السريان في القامشلي/ لمؤلفه أوكين بولس منوفر برصوم) هذا المقطع:
“في سورية الحبيبة ذات الأمجاد الخالدة تجمع السريان بعد الحرب الكونية الأولى إثر المذابح الجماعية المروعة التي ارتكبها بحقهم الأتراك والأكراد بوحشية لا مثيل لها، فتح لهم إخوانهم العرب باب الهجرة على مصراعيه، ومسحوا آثار الدموع عن مآقيهم بحنو ونبل، والتاريخ سيخلّد لهم هذه المآثرة مدى الزمن” (ص9 و10)، وفي (ص22) يؤكد:
“إثر المذابح المروعة التي ارتكبها الأتراك الطغاة والأكراد بحق شعبنا السرياني النبيل وشعوب أخرى محسوبة على الأقليات في تركيا، (1925) وبدأت الهجرة الجماعية إلى سورية الحبيبة حيث استوطن معظم السريان في الجزيرة السورية المتاخمة للحدود التركية، وهناك أنشؤوا المدن ومنها القامشلي..”. ويقصد بالأقليات الأخرى الأرمن الذي لاحقهم الأتراك والأكراد حتى حدود سورية. فساعدهم السُنة العرب السوريون، آووهم ومنعوا عنهم، واقتطع لهم محافظ حلب محمد نبيه بيك مارتيني (تعود أصوله لآل مارتيني في مدينة إدلب)، منطقة السليمانية في حلب، وتزوج منهم.
نقض كمال أتاتورك عهوده للأكراد، فثاروا عليه بقيادة سعيد بيران 1925، قمعهم أتاتورك بقوة، وهجّر أكثر من 30 ألفا منهم إلى سورية. حينما زار المنطقة، 1931، وزير المعارف السورية في حكومة تاج الدين الحسيني، ومؤسس مجمّع اللغة العربية محمد كرد علي، كردي الأصل، كتب إلى رئيس الوزراء رسالة مطولة، تنبأ بمطالب اللاجئين الكرد إلى سورية اليوم: “… تعلمون أيدكم الله، أن معظم من هاجروا إلى تلك الأرجاء هم من العناصر الكردية والسريانية والأرمنية والعربية واليهودية، وجمهرة المهاجرين في الحقيقة هم من الأكراد نزلوا في الحدود، وإني أرى أن يسكنوا بعد الآن في أماكن بعيدة عن حدود كردستان لئلا تحدث من وجودهم في المستقبل القريب أو البعيد مشاكل سياسية تؤدي إلى اقتطاع الجزيرة أو معظمها من جسم الدولة السورية، لأن الأكراد إذا عجزوا اليوم عن تأليف دولتهم فالأيام كفيلة بأن تنيلهم مطالبهم إذا ظلوا على التناغي بحقهم والإشادة بقوميتهم، ومثل هذا يقال في أتراك لواء الاسكندرونة فإن حشدَ جمهرتهم فيها قد يؤدي إلى مشاكل في الآجل لا يرتاح إليها السوريون، فالأَولى إعطاء من يريد من الترك والأكراد أرضاً من أملاك الدولة في أرجاء حمص وحلب…. ومهاجرة الكرد والأرمن يجب في كل حال أن يُمزجوا بالعرب في القرى الواقعة في أواسط البلاد لا على حدودها اتقاء لكل عادية نظراً ونحن الآن في أول السلم نستطيع التفكير والتقدير”!عريضة إلى الحاكم الفرنسي
بدأت أولى المطالب الانفصالية لبعض الكرد في سورية في ثلاثينيات القرن الماضي، حين قدم بعض المهجرين الكرد والسريان إلى مناطق شرق سورية عريضة إلى الحاكم الفرنسي يطالبون فيها بدولة سابعة أو حكم ذاتي تأسياً بالتقسيم الفرنسي لسورية!؟ رفض الفرنسيون وحذروهم من العصيان.
لم تعش سورية حالة ديمقراطية تنشئ عقدا اجتماعيا يمنح مواطنة وحقوقاً متساوية لعموم السوريين. صحيح أن حكومات ما بعد الاستقلال قدمت بعض الممارسات الديمقراطية وحاولت إنتاج عقلانية حوكمية لكن بدء العمل بالعقلانية، كلف سورية حرمانها من الأنظمة المدنية ومن فرصة تأسيس شرعيتها، حينما تدخل “الجيش السوري” الذي تأسس على أنقاض جيش الشرق الفرنسي الأقلوي الطائفي الأيديولوجي المتحزب وغير الوطني، بانقلابات متكررة انتهت بانقلاب، 1963، الذي أسس لانقلاب شباط 1966 فتعززت السيطرة الطائفية العسكرية والأمنية تحت ستار الحزب الواحد، والتي أسست للسيطرة الطائفية الكاملة على المجتمع والدولة السورية بانقلاب حافظ الأسد 1970، الذي عطل حركة المجتمع وقسمه إلى طبقات وفئات متعادية تجترع أحقادها قديمها وحديثها، الحقيقي منها والمزيف، وهذا الدور المتصاعد للجيش الطائفي أدى الى استفحال الانقسام الطائفي والعرقي والاجتماعي والمعيشي وشجع التعبئة بين الفئات المستبعدة من الشعب السوري، والأكراد إحدى تلك الفئات، وجعل حكم أسد الأب والولد من هذه السياسة ورقة لتقسيم المجتمع السوري وإرهاب بعضه بعضا، فاستفحلت المظلومية الكردية وانفجرت عام 2004 لكن جيش أسد قمعها بشدة!
الثورة السورية وتشكيل قوات سوريا الديمقراطية
بعد اندلاع الثورة عمت التظاهرات المناطق الكردية أيضا. ارتفع صوت قيادات الأحزاب الكردية التي وجدت في الثورة متنفسا لها وحصانا تركبه، بعضها للخلاص من ظلم البعث والنظام الأسدي، وهذه ضعفت وتلاشت باغتيال قادتها وأهمهم مشعل تمو، وبعضها كحزب العمال استغلت الثورة لتحقيق الانفصال او الحكم الذاتي. نال مظاهرات الكرد قليل مما نالته مظاهرات السُنة العرب من عسف مليشيا أسد، اذ كان أسد يخطط لاستخدام المسألة الكردية في الضغط على السُنة العرب وتخويفهم من تمزيق وحدة سورية بانفصال الكرد إن استمرت الثورة. كما بدأ الإعلام يتحدث عن عمليات عسكرية يقوم بها حزب العمال بدعم من ميليشيا أسد في الأراضي التركي.
الولايات المتحدة ساهمت بتجميع الكرد وتأسيس قسد رسميا، 2015، بحجة الدفاع عن المنطقة ضد تنظيم داعش. كان لا يمكن للأمريكان دعم وحدات حماية الشعب الكردية والتي هي أساس قسد لأنها جزء من حزب العمال المصنف أمريكيا كمنظمة إرهابية، لذلك لجأت إلى خلط وحدات حماية الشعب بميليشيا عربية صغيرة وأخرى آشورية لا قيمة ولا رأي ولا قوة لها للتمويه على المساعدات الكاملة التي تقدمها لوحدات حماية الشعب، وذلك لتقوم بحماية آبار النفط السورية التي استولى الأمريكي عليها وجعل من قسد حراساً عليها. استغلت قوات قسد المساعدات الأمريكية، حيث وردت تقارير إعلامية وعن منظمات حقوق الإنسان أنها هدمت مئات القرى العربية وجعلت أهلها بين قتلى ومهجرين وأسرى في معسكرات ذات ظروف مميتة، مدعية أنهم دواعش! كتب مظلوم عبدي 2019 “نحرس أكثر من 12000 سجين إرهابي تابع لتنظيم الدولة الإسلامية ونتحمل عبء زوجاتهم وأطفالهم المتطرفين، كما نحمي هذا الجزء من سوريا من الميليشيات الإيرانية”، تخيلوا يتهم حتى أطفالهم بأنهم متطرفون!