دمشق ميديا – الناس نيوز ::
فوربس – سلمى حمزة – تحوّل القطاع الصناعي في سوريا إلى أحد أبرز ضحايا الحرب التي دمرت البنية التحتية وأثرت بشكل كبير على الإنتاج المحلي.
كانت الصناعة السورية، بما تحتويه من مصانع نسيجية وكيميائية وغذائية، قبل عام 2011 عنصراً أساسياً في دعم الاقتصاد الوطني، إلا أن الحرب أجبرت العديد من الصناعيين على مغادرة البلاد بحثًا عن الأمان والفرص الجديدة في دول الجوار. ومع سقوط نظام بشار الأسد، بدأ التركيز على إعادة بناء القطاعات الاقتصادية المنهارة، والفرص المتاحة لعودة المنشآت الصناعية التي هجهرت أو تدمرت إلى تحريك عجلات إنتاجها داخل البلاد.
تدهور حاد
يعاني الاقتصاد السوري منذ بداية الحرب الأهلية في عام 2011، من تدهور حاد نتيجة الدمار الذي لحق بالبنية التحتية وأضعف القطاعات الإنتاجية الرئيسية. وقد تفاقمت الأزمة بفعل العقوبات الدولية، ما أدى إلى انهيار العملة، وانتشار الفقر، والبطالة، وارتفاع التضخم إلى نحو 93% في 2023 في ظل خفض الدعم الحكومي.
ووصل سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار 12,625 في 5 ديسمبر/ كانون الأول 2024 (وهو تاريخ سقوط النظام السوري) مقابل 47.17 ليرة للدولار الواحد بنهاية عام 2010 قبل اندلاع الحرب، وهي تتداول حاليًا عند نحو 9500 ليرة للدولار.
كان القطاع الصناعي يساهم قبل اندلاع الحرب عام 2010، بنحو 30.4% من الناتج المحلي الإجمالي، بقيمة مضافة بالأسعار الثابتة تقدّر بـ 8.6مليار دولار، بحسب بيانات البنك الدولي. وقد بلغ عدد المشاريع الاستثمارية بسوريا 385 مشروعًا بكلفة استثمارية بلغت 1.8 مليار دولار في ذلك الوقت، وكان لقطاع الصناعة الحصة الأكبر بـ 201 مشروع.
أما في عام 2022، ومع استمرار الأزمة وتفاقم آثارها، تراجعت مساهمة القطاع الصناعي في الاقتصاد السوري بشكل كبير، لتبلغ حوالي 12% من الناتج المحلي الإجمالي، بقيمة مضافة لا تتجاوز 26.4 مليون دولار، وفقًا لسعر الصرف الرسمي آنذاك.
وشهد القطاع الصناعة السوري دمارًا هائلاً نتيجة الأزمة التي عصفت بالبلاد. فعلى سبيل المثال، عانت الصناعات النسيجية التي احتلت المركز الأول فيما يتعلق بعدد المنشآت وتساهم بنسبة 40% من الناتج الصناعي عدا تكرير النفط و45% من الصادرات غير النفطية بشدة جراء الأزمة.
وبلغت كمية القطن المستلمة رسميًا من قبل المؤسسة العامة لحلج وتسويق الأقطان 628 ألف طن عام 2010، وسجل القطن المحلوج المنتج 220 ألف طن، في حين وصل انتاج الغزول القطنية في شركات المؤسسة العامة للصناعات النسيجية نحو 112415 طن
وفيما يتعلق بالصادرات السورية، فقد بلغت عام 2010 نحو 569 مليار ليرة (12.1 مليار دولار)، وشكلت الصادرات المصنعة ونصف المصنعة 50.5% من إجمالي القيمة، بحسب المكتب المركزي للإحصاء.
وتراجعت نسبة الصادرات من الناتج المحلي الإجمالي بشكل حاد، حيث انخفضت من 32.2% في عام 2010 إلى 6% فقط في عام 2022، وفقًا لأحدث بيانات صادرة عن البنك الدولي.
وفي عام 2010، شكلت المنتجات المعدنية (لا سيما النفط والفوسفات) 52% من قيمة مجموع الصادرات. أما الباقي فكان من المنتجات النباتية 9.9% والمواد الغذائية 7% والمواد الكيميائية 4.9% والحيوانات والمنتجات الحيوانية 4.6%.
وبسبب تدمير المنشآت الصناعية، ونزوح السكان، وصعوبة توفير الموارد، انخفضت حصة الصناعة في إجمالي العمالة إلى النصف تقريبًا بين عامي 2010 و2022، وكان هناك زيادة مقابلة في حصة العمالة في قطاع الخدمات، الذي شكل في عام 2022 ما نسبته 64% من عمالة الذكور (48% في عام 2010) و86% من عمالة الإناث (68% في عام 2010)، بحسب إحصائيات البنك الدولي.
أزمة نزوح
أقرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بأن سوريا شكلت أكبر أزمة لاجئين في العالم. فمنذ عام 2011، أُجبر أكثر من 14 مليون سوري على الفرار من منازلهم بحثًا عن الأمان حتى ديسمبر/ كانون الأول 2024.
ففي داخل سوريا، يعاني أكثر من 7.2 مليون شخص من النزوح الداخلي، فيما يحتاج 70% من السكان إلى المساعدات الإنسانية، ويعيش 90% من السكان تحت خط الفقر.
وفي الخارج، يعيش حوالي 5.5 مليون لاجئ سوري في الدول الخمس المجاورة لسوريا – تركيا ولبنان والأردن والعراق ومصر. وألمانيا هي أكبر دولة مضيفة غير مجاورة بأكثر من 850 ألف لاجئ سوري.
وهناك ما يقارب 30 ألف مستثمر سوري في مصر، أكثر من نصفهم من المصنعين، ويوظفون عشرات الآلاف من الأشخاص.
وعلى الرغم من التحديات القانونية، ظلت مصر واحدة من أكثر البلدان جاذبية لرجال الأعمال السوريين لإنشاء وتوسيع شركاتهم بالمقارنة مع الدول المجاورة لسوريا (الأردن ولبنان وتركيا)، خصوصًا بالنسبة لأصحاب الأعمال الكبيرة وذلك بفضل امتلاكها سوقًا محليًا كبيرًا ، وسهولة الوصول إلى الأسواق الأفريقية والخليجية والأوروبية وفقًا لتقرير صادر عن مشروع المسارات السورية الممول من قبل الاتحاد الأوروبي وألمانيا.
كما بلغ عدد الشركات التي يملكها السوريون في تركيا حوالي 20 ألف شركة عام 2021 وفقًا لتقرير بحثي صادر عن ((Akdeniz İİBF journal. ومركز الحوار السوري، حيث ساهمت الشركات السورية العاملة في تركيا بما يقارب 1.96% من إجمالي الناتج المحلي التركي، مع توقعات بارتفاع هذه النسبة إلى 4.05% بحلول عام 2028.
ورغم من أن قرار العودة مسألة معقدة ومليئة بالتحديات للاجئين السورين في الخارج، أفادت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بعودة نحو 210 ألف نازح سوري إلى بلادهم من الدول التي نزحوا اليها منذ تغيير النظام في سوريا في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024 وحتى 23 يناير/ كانون الثاني 2025. ويظهر استطلاعًا أخر أجرته المفوضية زيادة عدد الراغبين بالعودة إلى سوريا من حوالي 1.7% في إبريل/ نيسان 2024 إلى 27% من اللاجئين في المنطقة يعتزمون العودة إلى ديارهم.
فرص العودة
وسط دعوات لإصلاحات جذرية تضمن استقرار الأوضاع السياسية والأمنية وتعزيز الثقة بالمناخ الاستثماري. يرى الخبراء أن عودة الاستثمارات تتطلب تغييرات تشريعية ودعماً للبنية التحتية، إلى جانب سياسات اقتصادية مشجعة تعيد جذب رؤوس الأموال لدفع عجلة الاقتصاد السوري نحو التعافي.
صرح الرئيس التنفيذي لشركة“Global Real Estate investment GmbH” العقارية وشركة ” A&J commercial services” للخدمات التجارية بألمانيا، محمد العجيبل، لفوربس الشرق الأوسط، بأن عودة الاستثمار في سوريا مطروحًا شريطة أن يستتب الوضع الأمني والسياسي في البلاد، مشيرًا إلى أهمية وجود سلطة سورية وحكومة محل ثقة.”
وأضاف العجيل إلى أن اللوائح والتشريعات السورية التي اتخذتها الحكومات السابقة أدت إلى هروب الاستثمارات حيث أجبر رجال الأعمال في إطار تلك القوانين لمشاركة أصحاب السلطة والنفوذ بالبلاد لإتمام أعمالهم وهو ما قد كبح شهية المستثمرين، مشيرًا إلى أهمية تعزيز البنية التحتية وبخاصة مصادر الطاقة.
من جهته، يرى الباحث الاقتصادي بالمعهد العالي لإدارة الأعمال بدمشق، خلدون عليوي، أن الاقتصاد السوري بحاجة إلى إعفاءات ضريبية وجمركية لدخول الاستثمارات وأدوات الإنتاج الحديثة ضمن مناخ استثماري مشجع يسمح بعودة النشاط الاقتصادي الحر، مؤكدًا أن استمرار الأزمة وعدم الاستقرار السياسي والأمني يشكلان عائقًا كبيرًا أمام تعافي القطاع الصناعي.

