وكالات – بغداد – الناس نيوز :
تنبض ضفاف نهر دجلة في بغداد مجدداً بالمهرجانات المسرحية والموسيقية ومعارض الكتب والأعمال الفنية، معيدة إحياء أشكال الثقافة التي أفتقدها العراق منذ عقود بفعل الحروب.
ولم يمض شهر على أفتتاح “ذي غاليري” على مقربة من صالة ألعاب رياضية ومقهى شبابي حديث، حتى بات هذه القاعة الفنية مقصداً للمهتمين، إذ يتوافد العشرات لمشاهدة لوحات المعرض الذي أقامه الفنان العراقي الكندي رياض غنية أكراماً لوالدته الراحلة “غنية”.
ويقول هذا الفنان ذو الشارب الرفيع وهو يرتدي بدلة سهرة سوداء، إن “غنية هي الأم وهي الوطن وهي الاحداث التي مرت بالعراق” وتابع “غنية عانت كل المراحل التي مر بها العراق من حروب وحصار وجوع وانتكاسات وتغيرات في المجتمع”.
وأضاف هذا الفنان الذي عاد إلى بغداد عام 2011 “لم أجد عند عودتي غنية ولا الوطن الذي غادرته”، في إشارة للأحداث التي عاشها العراق وخصوصا العاصمة بغداد.
وعادة ما تتصدر العاصمة العراقية عناوين الصحف الاجنبية و نشرات الاخبار الدولية باحداث العنف ومواجهات مسلحة أو توترات سياسية.
وشهد العراق عقب الغزو الذي قادته الولايات المتحدة لإسقاط نظام صدام الحسين عام 2003 سنوات قاسية عرف خلالها موجة عنف طائفي بلغت ذروتها بين عامي 2006 و2008، أعقبتها هجمات أرهابية نفذها تنظيما القاعدة والدولة الإسلامية.
رغم ذلك، تسجل خلف الكواليس نهضة خجولة تذكر بالعصر الذهبي لبغداد التي كانت لسنوات طويلة مركزاً للثقافة والإبداع الفني للعالم العربي.
وتشهد بغداد اليوم نشاطات بينها افتتاح صالات فنية وإقامة عروض مسرحية وسينمائية ومهرجانات، تجذب كل مساء حشوداً من المتحمسين لاستعادة ما فقدوه.
فخلال الأسابيع القليلة الأخيرة، أقيم مهرجان بابل للمرة الأولى بعد انقطاع دام نحو عقدين، واحتضنت العاصمة العراقية كذلك حفلات غنائية بينها للفنانة اللبنانية إليسا.
ـ”علاج نفسي”ـ
ويعترف أمير ، وهو صيدلي في الخامسة والعشرين يعمل في مستشفى حكومي، بأن طفولته كانت عبارة عن “حروب، من عام 2003 حتى داعش”، في إشارة إلى تنظيم الدولة الإسلامية الذي هزمته القوات العراقية نهاية عام 2017.
وأضاف “جميل أن ينفتح العراق أخيراً على الفنون والثقافة والغناء” بعدما كان “الاهتمام بها معدوماً”.
ورغم خبرته المحدودة في الرسم، إذ تقتصر هواياته على السينما والأفلام القصيرة للمخرج كريستوفر نولان، يمعن الشاب النظر في لوحات الفنان غنية، ويقول “أتي هنا للاسترخاء، أعالج نفسي بالفن من ضغط حياتنا اليومية”.
وأضاف “الناس يبحثون عن متنفس وتغيير حالهم اليومية، للخروج من جو التوتر السياسي”.
ويعيش العراقيون دوامة أزمات لا تنتهي، من أنتشار فيروس كورونا إلى الاحتجاجات المناهضة للسلطة عام 2019، إلى التشنجات السياسية.
وتلاحظ مديرة قاعة “ذي غاليري” نور علاء الدين إن “الناس مهتمون ومتعطشون للفن ويعتبرونه متنفساً”. وتضيف “من حقنا كاي بلد آخر أن نمتع الناس بالفن الموجود لديهم”.
وتعتمد النشاطات الفنية في العراق الغني بثرواته النفطية على مبادرات فردية ودعم مؤسسات ثقافية أجنبية.
ـ”اغرورقت أعيننا بالدموع”ـ
ومن المؤشرات الكثيرة على عودة الروح إلى الحياة الثقافية في بغداد اليوم ، إقبال الآلاف بعد منتصف نهار أحد أيام تشرين الثاني/نوفمبر الفائت على حضور الدورة الثامنة من مهرجان الكتاب التي حملت شعار “أنا عراقي ..أنا أقرأ”، ووزعت خلالها مجاناً ثلاثون الف نسخة في الأدب والفلسفة واللغات الأجنبية.
وينتمي الزوار الذين حضروا بكامل أناقتهم إلى فئات عمرية مختلفة، وتولى متطوعون مساعدتهم في الحصول على طلباتهم، فيما صدحت أغنيات وموسيقى من الفلكلور العراقي تخللها عزف على العود والسنطور، مشيعة أجواء من البهجة.
وعلى النحو نفسه، بدت الحماسة واضحة لدى من توافدوا لحضور الدورة الثانية من “مهرجان المسرح الدولي” الذي نظمته وزارة الثقافة نهاية شهر تشرين الثاني/نوفمبر.
ويقول مدير مسرح الرشيد علي عباس، بحماسة “في الأيام الأولى، كانت الصالة تغص بالجماهير والمقاعد لم تكف”.
وتضمن المهرجان عروضاً مجانية أدتها فرق من مصر وتونس وألمانيا وإيطاليا، وأخرى لفنانين عراقيين بينهم المخرج أنس عبد الصمد الذي قدم مسرحية “نعم غودو”.