د. نائل جرجس – الناس نيوز ::
أطلقَ الأمين العام للأمم المتحدة دراسة بعنوان “المفقودون في الجمهورية العربية السورية”، وذلك بالتزامن مع اليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري الواقع في 30 أغسطس/آب وفي ظلّ استمرار المطالبات على الصعيدين السوري والدولي، لمعالجة ملف مفقودي سوريا الذين يقدّر عددهم بأكثر من 130 ألف شخص.
تأتي هذه الدراسة استجابة إلى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 76/228 لعام 2021 من أجل البحث عن سبل تعزيز الجهود الرامية إلى كشف مصير الأشخاص المفقودين في سوريا، وتحديد هوية أصحاب الرفات وتقديم الدعم للعائلات.
وقد بذلت مجموعة من روابط أسر ضحايا الإخفاء القسري والناجين من المعتقلات جهوداً حثيثة في إطار الضغط للتقدم في معالجة ملف المفقودين، لاسيما من خلال إطلاق “ميثاق الحقيقة والعدالة” الذي قدّمَ رؤية مشتركة للتعبير عن مطالبهم وتطلعاتهم، فضلاً عن طرحهم لدراسة بعنوان “هم بشر ليسوا أرقاماً”، طالبوا عبرها بإنشاء آلية دولية لكشف مصير المختفين قسراً.
وجاء في استنتاجات دراسة الأمين العام للأمم المتحدة بأنّ “بقاء الحال على ما هو عليه فيما يتعلق بمسألة الأشخاص المفقودين في الجمهورية العربية السورية لا يمكن أن يستمر”، وبأنّه لابدّ من إنشاء كيان جديد تُناط به ولاية واسعة النطاق بخصوص المفقودين في سوريا.
أمّا أبرز توصيات الدراسة، فهو النظر في إنشاء هيئة دولية جديدة من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة لتعمل وفقاً للقواعد والمعايير الدولية على توضيح مصير وأماكن وجود الأشخاص المفقودين في سوريا، من ناحية، وتقديم الدعم الكافي للضحايا والناجين وأسر المفقودين، من ناحية أخرى.
مارست أغلب أطراف النزاع في سوريا، لا سيما النظام السوري، عمليات الإخفاء القسري للأشخاص بشكل ممنهج بما يرقى إلى مستوى الجريمة ضدّ الإنسانية، وهذا ما أكّدته المادة الخامسة من الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، والتي تنصّ على أنّه “تشكل ممارسة الاختفاء القسري العامة أو المنهجية جريمة ضد الإنسانية، كما تم تعريفها في القانون الدولي المطبق وتستتبع العواقب المنصوص عليها في ذلك القانون”.
كما أشارت لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بالجمهورية العربية السورية في العديد من تقاريرها إلى الممارسة الممنهجة لإخفاء الأشخاص في سوريا، وأكّدت بأنّ “القوات الحكومية والقوات الموالية للحكومة تستخدم الإخفاء القسري كاستراتيجية حرب من أجل قمع المعارضين، وبث الرعب في المجتمع. وتُرتكب هذه الأفعال كجزء من هجمات واسعة النطاق ضد سكان مدنيين، وهي تشكّل بالتالي جريمة ضد الإنسانية”.
يعدُّ إخفاء الأشخاص من أكثر انتهاكات حقوق الإنسان جسامة، لا سيما في ظلّ ترافقه مع انتهاكات حقوقية أخرى من بينها الاعتقال التعسفي والتعذيب والمعاملة اللا إنسانية والقتل بإجراءات موجزة التي يتعرض لها المخفيين. كما لا تقتصر المعاناة على الضحايا فقط، بل تشمل أسرهم أيضاً الذين يعانون بشدة على الصعيد النفسي وحتى الاجتماعي والاقتصادي في ظلّ فقدان معيلهم. كما تعاني أسر الضحايا من مصاعب قانونية جمّة من بينها صعوبة التصرف بأملاك المفقود.
تبقى قضية مفقودي سوريا من أبرز التحديات التي ستواجه المعنيين بتحقيق السلام المستدام، والتأسيس لدولة القانون التي لا تتكرر فيها الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. في هذا الإطار، تتقاطع مطالب أسر ضحايا الإخفاء القسري مع تدابير العدالة الانتقالية التي من بينها الكشف عن الحقيقة، تعويض الضحايا أو أسرهم، ومحاسبة المتورطين بارتكاب الانتهاكات الجسيمة.