الوجود التاريخي للإيزيديين ارتبط ببلاد ما بين النهرين. دلائل وإشارات كثيرة تؤكد على أن (الديانة الإيزيدية)، المثيرة للجدل ، خرجت من رحم (الميثولوجيا الرافدينية) ، التي تركت بصماتها على معظم العقائد الدينية في المشرق. هذا الارتباط الوثيق، يفسر وجود التجمعات القديمة للإيزيديين في الشمال العراقي ، حيث المدن والمراكز البابلية الآشورية (نينوى – أربيل – نمرود )، واحتفاظ الإيزيديين بالعديد من التقاليد والأعياد الشعبية والشعائر الدينية القديمة لسكان بلاد ما بين النهرين. حتى (الإيزيدية) هي كلمة سومرية (a-zi-da) مكتوبة بالخط المسماري، وهي تعني “الروح الخيرة “. ثمة آراء تنسب الإيزيدية إلى معبد( إيزيدا) الخاص بالإله البابلي (نابو) ،المتواجد في مدينة نمرود الأثرية ، غير بعيد عن أقدس المزارات الإيزيدية (معبد لالش) ، فيه ضريح الشيخ الجليل (عدي بن مسافر)،الأب الروحي للإيزيديين. يقول الباحث الإيزيدي أمين جيجو:”إن الأركان والركائز الأساسية للديانة اليزيدية مستمدة من المعتقدات الدينية لشعب بلاد ما بين النهرين ، خصوصاً الديانة البابلية، التي تعود إلى الألف الثالثة قبل الميلاد “.
لمشايخ وعلماء الدين الإيزيدي رأي آخر في أصل وجذور ديانتهم وعقيدتهم . فهم يعتقدون بأن الإيزيدية تعود إلى عهد آدم. وفق الميثولوجيا اليزيدية ” إبليس- المسمى بطاووس ملك لدى الإيزيديين- غير خاطئ برفضه السجود لآدم ، لأن السجود لله وحده. الله سأل طاووس ملك: لماذا لم تكن من الساجدين لآدم؟ . رد: عندما خلقتنا أمرتنا ألا نسجد إلا لك، وأنا لن أسجد لغير وجهك الكريم يا رب. كافأه الله بجعله عظيم الملائكة وأقرب المخلوقات إليه وأناط به حكم الكون “. من هنا تأتي أهمية ومكانة (طاووس ملك) في العقيدة الإيزيدية وفي المجتمع الإيزيدي. فهو الشخصية المحورية والأساسية في الديانة اليزيدية، تجسد في شخص الشيخ الجليل (عدي بن مسافر)، مؤسس الديانة الإيزيدية . الإيزيدييون يرفضون وصفهم بـ” عبدة الشيطان”. فهم لا يؤمنون بوجود كائن شرير مثل الشيطان يعمل على توريط البشر وإغوائهم، وإنما يعتقدون أن الشر نابع من الإنسان نفسه. هذا اللاهوت الإيزيدي، يضعنا أمام ” ديانة إيزيدية مستقلة قائمة بذاتها “. لها عقيدتها وطقوسها وشعائرها وأعيادها وكتبها المقدسة . الإيزيدية ، ديانة غير تبشيرية، كاليهودية . تؤمن بوحدة الإله وبتناسخ الأرواح . أخذت واكتسبت من الديانات والعقائد الأخرى، التي تعايشت وتفاعلت معها عبر التاريخ (الزردشتية ، اليهودية ، المسيحية، الإسلامية).
للإيزيديين لغتهم الخاصة، تفرعت عن عائلة اللغات الرافدينية . بها دُونت كتبهم المقدسة مثل (مسحه ره ش و الجلوة) . مصادر إيزيدية تتحدث عن وجود مخطوطات وكتب دينية إيزيدية قديمة مكتوبة باللغة الإيزيدية في متحف النمسا . ما زالت آثار هذه اللغة على المعابد والمزارات الإيزيدية . الكاتبة الإنكليزية (أجـاثـا كـريـسـتـي)، زارت مواقع أثرية عديدة في العراق منها (معبد لالش) تقول “على جدران مدخل معبد لالش كتابات باللغة اليزيدية القديمة بدأت تفقد وضوحها بسبب عوامل الطبيعة وانعدام الاهتمام بها “. اليوم ، غالبية اليزيديين يتحدثون إحدى اللهجات الفارسية (الكرمانجية – الكردية) لكن هذا لا يعني بأنهم أكراد أو أنهم ينتمون إلى إحدى السلالات الفارسية، كما هو حال (الميديين)، إليهم ينسب الأكراد أنفسهم . تقول الكاتبة الأمريكية ( كايلا وليامز) في مذكراتها عن خدمتها في الجيش الأمريكي في العراق ، عامي 2003 و2004: ” إن مجموعتها تمركزت في شمال العراق بالقرب من الحدود السورية في منطقة يسكنها الإيزيديون. على الرغم من أنهم يتكلمون الكردية، إلا أنهم لا يعتبرون أنفسهم أكرادا “. أمير الإيزيديين ( أنور معاوية) ، في معظم مؤلفاته وكتاباته ومقابلاته الصحفية ، يؤكد على عدم وجود أي صلة عرقية بين الإيزيديين والأكراد، وهو يرفض تصنيفهم ضمن (القومية الكردية).
يُقدر عدد الإيزيديين في مختلف أنحاء العالم بنحو نصف مليون إيزيدي. يرأسهم أمير، ممثل (طاووس ملك) على الأرض، يمثل الإيزيديين ويتحدث باسمهم في المؤتمرات الوطنية والدولية. بسبب انتمائهم الديني، تعرضوا لسلسلة (مذابح جماعية) وتهجير قسري من مناطقهم التاريخية. اجتياح (تنظيم الدولة الاسلامية – داعش) لقضاء سنجار في العراق، صيف 2014 ، والمجزرة المروعة، التي ارتكبها بحق الإيزيديين، دفع بالإعلام العربي والعالمي لتسليط الضوء على هذه الأقلية المنسية. في سوريا ، كان يعيش نحو 50 ألف إيزيدي في منطقة الجزيرة وريف حلب. تناقص عددهم بسبب هجرة الكثير منهم إلى أوروبا. الإيزيديون، أكثر المكونات السورية اضطهاداً. الدولة في سوريالا تعترف بالديانة الإيزيدية .الإيزيديون محرومون من حق تعليم ديانتهم لأبنائهم في المدارس الحكومية. ملزمون بدراسة الديانة الإسلامية . قانون الأحوال الشخصية المعمول به في سوريا، يُلزم أبناء الطائفة اليزيدية، بالخضوع إلى المحكمة الشرعية الإسلامية ، في قضايا الزواج والطلاق والتبني،وغيرها . هذا اضطهاد موصوف و تعدٍ صارخ على حرياتهم الدينية والاجتماعية.
أخيراً : هل سيُنصف الدستور الجديد لسوريا الجديدة، الإيزيديين، ويعترف بالديانة الإيزيدية ، إلى جانب الإسلامية والمسيحية واليهودية؟. نأمل ذلك.
سليمان يوسف