جوانا إحسان أبلحد – الناس نيوز :
الإيقاع الداخلي لو نراه كأحد معايير قصيدة النثر،لا أدري لماذا أراهُ معياراً هُلامياً لها، وأراه يأتي جوازاً وليس وجوباً بها. وللتنويه مُقدَّماً بالذي يضمن عدم تناول هذهِ الرؤيا بالذي هو أوسع مِنها وَ أبعد عنها، أقول: أنا هُنا أريد التفكُّر بـِ معيارية الإيقاع الداخلي في قصيدة النثر، ولستُ هنا لأتجاذب أطراف الرؤى عن مفهوم الإيقاع عموماً وأهميته البالغة بالقصيدة الموزونة سواءً العربية أو غير العربية، فهذا موضوع يطول شرحه ونتفق جميعاً على وجوبه ، وقد تناولهُ الكثير من الأجلاء بدراسات أكاديمية أكثر من وافية/ أكثر من مقنعة. كما تمَّ تناول الإيقاع الداخلي كمفهوم وإشكالية، لكن بالذي اختلفتْ حوله الآراء والتطبيقات.
أعتقد تلك الشروحات وعلى قيمتها المعرفية ومجهودها التدارسي انشغلتْ بالماهية وتغافلتْ صلتها بالمبدع تطبيقياً/ معيارياً وتبيان ارتياحه الفني على أرضية القصيدة، لو مثلاً اقتنع بالإيقاع الداخلي كمعيارٍ فاعل بقصيدة النثر ويفكِّر بكيفية تحقيقه في نتاجهِ اللاحق أو الاستدلال عليهِ في نتاجهِ السابق.
ومن باب تبيان رأي المبدع تجاه الإيقاع الداخلي أقول: أراهُ كخاصية هُلامية تنأى تبين بعوالم قصيدة النثر، أراهُ يأتي جوازاً وليس وجوباً بها ، تتأرجح القصيدة النثرية على أوتاره ببعض المواضيع وتنفصل عن آلتهِ الوترية بمواضيع أخرى، وكل مبدع حسب زاوية ميله الإيقاعية وارتياحه بتحقيقه قصدياً أو تلقائياً.
ولو أبدأ برؤيا تساؤلية مِنْ منظورٍ آخر – أعمق وَ أعتى – :
هل الإيقاع الداخلي مفهوماً واصطلاحاً ليس إلا خرافة فنية أو مخاتلة نقدية ابتدعها يوماً مؤيدو قصيدة النثر وهذروا كثيراً بها لإقناع المعارض لها بأنها بنت الشِعر ، لو كان المعارض لها – ولم يَزَلْ- يرى الشِعر العربي مقروناً بالإيقاع.
وهل الاعتراف بشرعية الشِعر في قصيدة النثر كان ولم يزل رهن ( الإيقاع ) ، دون الالتفات والإنصاف لمزاياها الشِعرية الأخرى ؟!
وماذا بشأن الذي يؤمن أن الإيقاع لايتحقَّق إلا من فوهة العروض ؟
وهنا لايسعني إلا أن أحترم قدسية التزامه الفني وأفهم/أتفهَّم لماذا يرى قصيدة النثر ليستْ بقصيدة بل مجرد نثر..
وبشأن الإيقاع عموماً لو نمَّشَ بَشْرة قصيدة النثر ، أتساءل :
ما الشاغل الإبداعي الذي يجعل شاعر قصيدة النثر ينهمك – أحياناً – بـإبراز
الإيقاع ، ومِنْ منظور واقعي وليس فني.
هل مثلاً يريد الذهاب بقصيدته النثرية لإطلالة منبرية ويرى قبولها بالأكثر وملامستها بالأطيب يكون بتضمينِ إيقاعٍ ما..لو سلفاً الذوائق الحاضرة/السامعة تأنس لرنين المُقفى..
هل مثلاً يريد لقصيدته النثرية التصالح مع الشِعر الموزون، أو بصورة أدق يريدها منفتحة/مقبولة لزملائه مِنْ شعراء الموزون لو يجمعهم مكان واحد لطرح النتاجات الشِعرية على الفضاء الإلكتروني حالياً أو الصالونات الشِعرية سابقاً.
برأيي لو أراد شاعر قصيدة النثر مُساورة الإيقاع يجب أن ينتبه جيداً بألا يترك الذات الشاعرة على سليقة التنغيم، لاسيما لو كان صاحب خلفية اطلاعية كثيرة على الشِعر العربي الموزون والتفعيلي خاصةً. لأنه برأيي سيتوارد ويتناغم مع المخزون الذي بذاكرته وعندها سيجرُّ قصيدة النثر إلى درب التفعيلي بل التفعيلي المُشوَّه أكاديمياً وفق تقطيعات الموزون ، لأنه سلفاً ينثر ولا يزن..
وعلى مفترق هذا المعيار الملغوم سيقف تصنيف النص كونه قصيدة نثر أم قصيدة تفعيلية، بغض النظر لو أؤمن أن تصنيف النص/القصيدة كقصيدة نثر يتوقف بالأقوى على عمقها الفلسفي ونوعية رؤاها بتقنية مغايرة بالانزياح والاستعارة عن التي بالشِعر الموزون، باعتبارها المعيار الأهم الذي يُحدِّد هويتها كقصيدة نثر وتحت قبة الشِعر وليس النثر.
أعتقد لو نريد تضمين الإيقاع بقصيدة النثر ولو أردناه داخلياً بأداة فاعلة وفارهة معاً، والأهم أن يكون خاصاً بها فلا يتشاكل مع إيقاع الموزون، عندها يجب أن يأتي وفق تخليق ثيمات لغوية معينة تُبدي هذا الإيقاع داخلياً/شعورياً ولاتظهره شكلياً، سواءً بالمقروء أو المسموع مِنْ قصيدة النثر.
وبرأيي هو معيار ليس سهلاً ، لأن هكذا إيقاع لايتبع البوصلة الفراهيدية بل يتوقف على تناغُم الصورة شعورياً والمتلازمة سلفاً مع مقدرة الابتكار اللغوية الخاصة بكُلِّ شاعر، باختيار المفردات المُنغَّمة والشاعرية في آن، وطريقتهِ بـصَوْغ العبارة نحوياً أو هيكلة العبارات بصرياً، ثم قولبة المقطع بهيئة مُجدِّدة/مبتكرة بآلية التكرار والتوازي كيّ نضمن عدم تلوُّن النتاج بالصبغة التفعيلية. وأعتقد مِنْ خلال هكذا إيقاع داخلي نستطيع الحفاظ على هوية النص/القصيدة كقصيدة نثر بالشكل والشعور.