سيدني – الناس نيوز ::
ما زال الجدل مستمرًا حول جدوى الاستثمار في مشروعات تعويضات الكربون التي طرحتها أوروبا منذ 18 عامًا، بهدف المساهمة في جهود خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري عالميًا.
ورغم أن فكرة الاستثمار في مشروعات تعويض الانبعاثات تبدو جذابة من الناحية البيئية؛ فإن بعض الأصوات ما زالت تحذر من ضعف جدواها وتأثيرها السلبي في مشروعات الطاقة المتجددة ذات الأثر المحسوس في التحول المناخي.
“Methane emissions from Australian coalmines and gas production could be more than 60% higher than federal government estimates suggest, according to satellite and ground data released by the International Energy Agency.” https://t.co/ukqZ6kBD7m
— Australia Institute (@TheAusInstitute) February 25, 2023
وأظهرت بعض البيانات المجمعة حديثًا في أستراليا صحة تحذيرات المشككين في جدوى مشروعات تعويضات الكربون، بسبب دخولها في المنافسة على جذب الاستثمارات المتجهة لمشروعات الطاقة المتجددة، وفق ما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
تضاعف تعويضات الكربون
انخفض حجم الاستثمارات المتجهة لمشروعات الطاقة المتجددة (الجديدة) في أستراليا بنسبة 50% خلال عام 2022، مقارنة بحجمها في عام 2018، رغم طفرة المشروعات المتعاقد عليها -مؤخرًا-.
بينما تضاعف حجم مشروعات تعويضات الكربون المسجّلة في عام 2022 بنسبة 100% عن مستوياتها في عامي 2020 و2021، وفقًا للبيانات الصادرة عن معهد أستراليا لأبحاث السياسات العامة.
فقد بدأت مشروعات الطاقة المتجددة في أستراليا عام 2018، باستثمارات بلغت 8 مليارات دولار، ثم انخفض هذا الرقم إلى قرابة 4 مليارات دولار في أعوام 2020 و2021 و2022.
بلغ عدد المشروعات المسجلة بوحدات ائتمان الكربون في أستراليا قرابة 385 مشروعًا في عام 2022، مقارنة بـ199 في عام 2021، و158 في عام 2020.
وتشير الأرقام الأولية إلى احتمال تسجيل عام 2023 عدد مشروعات أكبر في مجال تعويضات الكربون.
ويخشى المعهد الأسترالي لأبحاث السياسات العامة من تأثير هذا التحول الاستثماري في تأخير أو الحد من خطط إزالة الكربون المباشرة من الغلاف الجوي عبر مشروعات الطاقة المتجددة وغيرها.
فقد نجحت مشروعات الطاقة المتجددة في الحد من انبعاثات الكربون بنحو 45 مليون طن خلال عام 2022، مقارنة ببيع 18 مليون طن في سوق تعويضات الكربون الأسترالي.
وتقوم فكرة تعويضات الكربون على إصدار تصاريح تسمح للشركات أو المؤسسات الصناعية بإصدار كمية محددة من انبعاثات الكربون مقابل التعويض عن كل طن تتسبب فيه.
ويكون التعويض عن طريق الإسهام في مشروع منخفض الكربون في البلد نفسه أو في بلد آخر أو دفع مقابل مالي يوازي سعر طن الكربون يعاد توجيهه إلى المشروعات المتجددة، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
وعادة ما تنصرف مشروعات التعويضات إلى تجنب الإضرار بالطبيعة عبر المساهمة في مشروعات حماية الغابات وإعادة التشجير، وتجنب أو تقليل الانبعاثات من مكبات النفايات، وصولًا إلى إزالة الكربون من الغلاف الجوي عبر مشروعات احتجازه وتخزينه.
الطاقة المتجددة أولًا
قال مدير وحدة أبحاث المناخ والطاقة في معهد أستراليا للسياسات بولي همينغ، إن الحكومة الأسترالية الفيدرالية أصبحت في مفترق طرق للاختيار بين الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة وإزالة الكربون أو الاستمرار في الألاعيب والحيل المحاسبية المتعلقة بأرصدة الكربون وائتماناته.
وليست لدى أستراليا في الوقت الحالي سياسات تدفع الاستثمار نحو مشروعات حقيقية لإزالة الكربون، كما أن بعض الصناديق المنشأة للحد من الانبعاثات انحرفت إلى تحويل أغلب أموالها إلى مشروعات تعويضات الكربون، وفقًا للمعهد الأسترالي.
وتؤدي سياسات الطاقة المتجددة إلى إزالة الكربون بصورة دائمة من الصناعة، بينما تؤدي عمليات شراء تصاريح الكربون من قِبل الشركات الملوثة إلى تأخير خطط التغير المناخي في أستراليا والعالم.
اختلال البوصلة
عند شراء الصناعة أو الحكومة أرصدة الكربون لتعويض الانبعاثات -ولو كان بنزاهة عالية- فإن هذا الأموال لا تُنفق في الحقيقة على التقنيات التي تحل محل استخدام الوقود الأحفوري بصورة دائمة أو تقلل من الانبعاثات بصفة مستدامة.
وتدق هذه البيانات أجراس الإنذار لتنبيه الجهات المعنية بقضايا البيئة والمناخ في أستراليا والعالم إلى انحراف بوصلة مشروعات تعويضات الكربون وتآكل جدواها في محاصرة الوقود الأحفوري ومصادر انبعاثاته.
لهذا السبب يعتقد بولي همينغ -جازمًا- أن مشروعات تعويضات الكربون تعرقل العمل البيئي والخطط المناخية في أستراليا والعالم، مطالبًا الحكومة بإعادة النظر في هذه المسألة على وجه السرعة.
يُشار إلى أن أوروبا هي المبتكر الأول لأسواق تعويضات الكربون في العالم، عبر إنشاء سوق تداول تشبه سوق الأسهم، تتداول فيها تصاريح الشركات بين بعضها بعضًا بهدف إلزامها بخفض الانبعاثات في أسرع وقت ممكن.
وتحصل جميع الشركات على تصاريح تسمح بإطلاق الانبعاثات إلى حد معين فقط، وفي حالة قدرتها على تحقيق الحياد الكربوني؛ فيمكنها بيع تصاريحها لشركات أخرى متأخرة في السباق النظيف؛ ما يجبرها على اللحاق بمرور الزمن وإلا واجهت معضلة هدر الفرص البديلة لاستثمارات الطاقة النظيفة.
ولم تسلم فكرة أسواق تداول تعويضات الكربون من النقد منذ إطلاقها في الاتحاد الأوروبي عام 2005، وسط مطالب بإحلالها بفكرة فرض ضرائب متصاعدة على أنشطة الشركات الملوثة.
أسواق أستراليا والصين
تستحوذ سوق الكربون الأوروبية على 90% من إجمالي التصاريح المتداولة في أسواق الكربون العالمية التي لم تثبت أركانها بعد، مثل أسواق الأسهم المشهورة في أغلب دول العالم.
وتضاعفت أحجام تصاريح الكربون المتداولة في العالم بنسبة 164% لتسجل مستوى قياسيًا بلغ 760 مليار يورو (851 مليار دولار وقتها) خلال عام 2021.
وبلغ حجم سوق الكربون الأوروبية وحدها قرابة 683 مليار يورو، تليها سوق كربون أميركا الشمالية بقيمة 49 مليار يورو، ثم السوق البريطانية بقيمة 23 مليار يورو، وفقًا لتقديرات مؤسسة ريفينتيف البريطانية.
ولم تستحوذ أستراليا والصين على قيم تذكر بسبب حداثة نشأة أسواق الكربون بها، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة