د . أحمد برقاوي – الناس نيوز ::
قال ماركس يوماً: الدين صرخة قلب في مجتمع لا قلب له. وهذا يعني بأن حضور الشر، الشر بوصفه اعتداءً على الإنسان، قد ولد البحث عن الخلاص من الشر الإنساني. فالدين هو جملة من القيم الحامية للحق الإنساني.
هذه المقدمة تفضي إلى نتيجة مهمة جداً ألا وهي: كل وعي ديني مخالف لهذه الغاية النبيلة خيانة للدين نفسه.
وتأسيساً على ذلك: كل حزب سياسي ديني أصولي سواء كان يهودياً أو مسيحياً أو إسلامياً أو بوذياً…الخ، ليس سوى اعتداء على الإله واعتداء على الإنسان.
وآية ذلك فإن كل حركة أصولية دينية تحول الإله إلى إله جماعة فقط، وتسلب المعنى الكلي لتصور الإله بوصفه إله البشر أجمعين، وهذه الحركات سلب للوعي الشعبي الإنساني لكلية الإله، لأن كل المعتقدات الدينية تنظر إلى الإله بوصفه إله العالمين أجمعين.
وليس هذا فحسب، فإن الأصولية اليهودية المتمثلة الآن في الوسخ التاريخي الحاكم في إسرائيل، والأصولية المسيحية التي تمثلت في التاريخ بالحركة الصليبية، والأصولية الشيعية الحاكمة في العراق وإيران وميليشياتها الإجرامية، وأصولية حزب الله والحوثية، وأصولية داعش وما شابهها، وأصولية حماس والنصرة، وأصولية طالبان الخ، ليست سوى حركات معادية للديانات الثلاث من جهة، ومعادية للإله والإنسان من جهة أخرى.
إنها اعتداء على حق الإنسان في حب الله كما يشاء لأن الحب هو الأصل في علاقة الإنسان بالإله.
ولهذا فكل الأحزاب الدينية أعداء محبة الله من قبل الإنسان.
فجوهر هذه الحركات الأصولية هو نفي المختلف أياً كان، لأنها تنطوي على الماهية العنصرية نفسها، وأن لم تكن مرتبطة بعنصر قومي. فماهية العنصرية هي نفي الآخر المختلف عبر قتله وكرهه.
وهناك اعتداء آخر لا يقل خطورة على الإله والإنسان، ألا وهو تحويل بعض الأشخاص والأشياء إلى أنماط من المقدس، وتوظيف البشر في خدمة المقدس هذا. في الوقت الذي ليس هناك أشياء أو أفراد تنطوي على صفة المقدس.
فالدكتاتور هو عدو حقيقي للإله وللإنسان. ولهذا نجد التشابه بين سلوك الدكتاتور وسلوك الحركات الدينية المتعصبة خصوصاً.
فالدكتاتور يتحول مع الأيام بفعل طغامه ورضاه عن خطاب طغامه إلى كائن لا يقول إلا الحق والحقيقة، بل ويتخذ صفات الإله نفسه، والكل يتذكر صباح المدارس في سوريا وترديد: حيث يصرخ المعلم قائدنا إلى الأبد، ويأتيه جواب التلاميذ بصرخة مدوية: الأمين حافظ الأسد.
ومفهوم الأبد يدل على ما لا نهاية له في الزمان. وهذا يعني بأن الدكتاتور يتصف مع الإله الذي يؤمن به كثير من الناس بصفة الأبدية.
الأصولي والدكتاتور يتوسلان العنف أداة لقهر الإنسان. ولهذا فلا حرية ولا كرامة للإنسان دون التحرر من الدكتاتورية بكل أشكالها الأصولية الدينية والدنيوية. فكل دكتاتور هو أصولي متخلف، وكل أصولي هو الآخر دكتاتوري متخلف.
فإذا كان الأصولي اليهودي يرى الزلزال في سوريا وتركيا غضب الإله على غير اليهود، كما غضب على فرعون، فإن الأصولي الدكتاتوري الذي يمثله ولي الفقيه والخليفة والعسكري إذا غضب فإنه يقوم بالتدمير، كأنه شبيه بتدمير الإله كما يتصوره الأصولي بعامة.
بل إن البراميل المتفجرة التي ألقيت على مدن وقرى سوريا، وتدمير قرى وبيوت فلسطينية من قبل الأصولية اليهودية أكثر كارثية مما يُعتقد وهماً بأنه غضب إلهي.
بقي أن نقول: إنه لا يكون الإنسان إنساني وعاقل إن هو كان مع شر ضد شر آخر.