د. خالد عبد الكريم – الناس نيوز :
نداءات الأمم المتحدة تتوالى، وتحذيراتها لم تتوقف منذ سبعة أعوام بشأن الكارثة الإنسانية الأكبر، ولم تتوقف الاجتماعات رفيعة المستوى للأمم المتحدة والدول المانحة، آخرها الاجتماع الذي استضافته السويد وسويسرا والاتحاد الأوروبي في سبتمبر/أيلول الماضي، وتعهدهم بتقديم 600 مليون دولار إضافية لخطة الأمم المتحدة للاستجابة الإنسانية في اليمن البالغة 3,85 مليار دولار.
الحكومة اليمنية، المعترف بها دوليا، اشترطت أن تشرف مع المنظمات الأممية على عمل خطة الاستجابة الإنسانية. عاد معظم أعضائها بمن فيهم رئيس الوزراء معين عبد الملك إلى العاصمة اليمنية المؤقتة عدن مطلع أكتوبر/تشرين الأول. أصدرت الحكومة حزمة قرارات لإنقاذ العملة (الريال اليمني 1100 ريال يمني مقابل الدولار الواحد). وتحدثت الحزمة عن إجراءات لوقف ارتفاع أسعار السلع الأساسية وتوفير الكهرباء والمياه ومكافحة كورونا.
لكن سرعان ما ينفجر الوضع أمنياً في عدن بمجرد عودة الحكومة وهذا ما حصل. اندلعت صدامات مسلحة وحرب شوارع بين فصائل تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، في اليوم الأول من وصول الحكومة. وتعرض موكب محافظ عدن ومعه وزير الزراعة والثروة السمكية لحادثة تفجير سيارة مفخخة ظهيرة 10 أكتوبر/تشرين الأول، نجيا بأعجوبة وسقط عدد من القتلى والجرحى.
دائما ما يكون للحرب تأثير مدمر على اقتصادات الدول، واليمن ليس استثناءً. في السنة الأولى من الحرب، انخفض الناتج الاقتصادي بنحو 28 بالمئة وتفاقمت الأمور في السنوات التالية. وأدى الصراع الاقتصادي بين الحوثيين والحكومة إلى تقسيم اليمن بشكل أساسي إلى منطقتين نقديتين واقتصاديتين. في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون. حيث يتم استخدام الأوراق النقدية الصادرة قبل الحرب 2015. بينما في أجزاء اليمن الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية، تنتشر العملة المطبوعة حديثاً عام 2016.
أصبح هذا التقسيم مشكلة اقتصادية حادة عندما حظر الحوثيون في ديسمبر 2019 الأوراق النقدية الجديدة من التداول في مناطق سيطرتهم. وأدى ذلك الحظر إلى تراكم العملة الجديدة في مناطق الشرعية، وبالتالي فقدانها قيمتها، فارتفعت أسعار المواد الغذائية ارتفاعا غير مسبوق، بينما ظلت الأجور راكدة. بالمقابل لم تنتظم رواتب موظفي الخدمة العامة في مناطق الحوثيين منذ سنوات.
ارتفعت أسعار الوقود وسط نقص في توفرها، ونزاع بين الحكومة والحوثيين الذين يستولون على أموال ضرائب واردات ما يصل من وقود إلى ميناء الحديدة المطل على البحر الأحمر.
هذه القضايا يعرفها جيداً المهتمون بالشأن اليمني، لكن هناك قضايا ربما يجهلها البعض وهي لا تقل أهمية في رسم ملامح الإحباط الذي يسود الشارع اليمني. هناك الرسوم الباهظة على الأموال المحولة بين مناطق السيطرة المختلفة في اليمن، في ظل قطاع مصرفي متعثر، وودائع مجمدة. وهناك الطرق المقطوعة بين المناطق اليمنية بسبب القتال والمليشيات المتفلتة المنتشرة على طول خطوط التماس، وهذا سبب آخر في ارتفاع أسعار البضائع، وجرائم أخرى.
المناطق الساحلية مثل عدن والحديدة والمكلا التي تتجاوز فيها درجة الحرارة 35 مئوية، الناس فيها يعانون بشدة بسبب انقطاع التيار الكهربائي المستمر، الانقطاعات أدت كذلك إلى توقف مضخات المياه في الآبار. فانقطعت المياه أيضاً.
وأحوال الخدمات الصحية ليست أفضل، لا أكسجين، لا أجهزة، لا دواء، ولا لقاحات كافية.
الحكومة اليمنية تغادر مجدداً، النعوش تجوب المدن والقرى. و بيانات النعي تملأ وسائل التواصل الاجتماعي.