د. نائل جرجس – الناس نيوز ::
تشكّل الانتخابات جزءاً أساسياً من الديمقراطية التي تغيب وتضحيمزيّفة في ظلّ الأنظمة السياسية التي لا تُنظّم فيها انتخابات دورية حرّة ونزيهة وتنافسية لتعبّر عن إرادة الشعب .
غير أنّه لا يكفي تنظيم مثل هذه الانتخابات لينبثق نظام سياسي ديمقراطي، فقد تُنتج أنظمة تنهي وعودها بمجـرد وصولها إلى السلطة أو تبسط حكماً ديكتاتورياً، وبالتالي الخروج عن غاية الانتخابات الأساسية ومقاصدها السامية المتمثلة بالديمقراطية .
فينبغي أنّ تؤسّس الانتخابات لنظام حكم ديمقراطي يحفظ كرامة وحقوق جميع المواطنين ويعاملهم بعدالة وبمساواة تامة. ومن هنا تبدو أهمية أن تسبق العملية الانتخابية تهيئة لأجواء ديمقراطية، بما في ذلك إجراء تعديلات قانونية تُنتج مؤسسات دولة قوية تحكم حتى الفائزين بالانتخابات ومن هم في السلطة، وتحدّ أو تقيّد أية تجاوزات أو انتهاكات حقوقية .
فالمؤسسات الديمقراطية تكون قادرة على ردع الحاكمين من تسخير السلطة لمصالحهم الشخصية والأيديولوجية ومن التعدي على مبدأ سيادة القانون .
يتحقق إذاً الهدف السامي للانتخابات من خلال وجود عدّة مقومات وعوامل، قد يكون أهمها وجود مرجعيات أو مبادئ قانونية عليا، منبثقة عن أركان الديمقراطية التي لا تنفصل عن حقوق الإنسان والحريات الأساسية، فهي أمور مترابطة ويعزز بعضها بعضاً، كما أكّده إعلان وبرنامج عمل فيينا لعام 1993.
فتتسم النظم الديمقراطية بوجود مثل هذه المرجعيات، لاسيما في دساتيرها التي تحكم جميع اللاعبين السياسيين بمن فيهم الفائزون في الانتخابات ومن هم في السلطة بحيث تمنعهم من سنّ تشريعات متعارضة مع حقوق الإنسان والحريات العامة وأسس الديمقراطية .
وتؤدّي الهيئات القضائية العليا، مثل المحاكم الدستورية، دوراً أساسياً في السهر على تطبيق هذه المبادئ العليا، لاسيما من خلال استبعاد مشاريع القوانين المتعارضة مع الدستور وبالتالي وقف أي تعسف قد يصدر من طرف السلطتين التشريعية والتنفيذية .
تتطلب أيضاً الانتخابات الحرّة والنزيهة توفر مقومات الديمقراطية التي من أهمها الإعلام المستقل والصحافة الحرة وحرية تشكيل الأحزاب والجمعيات، بالإضافة إلى الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وضمانات لتداول السلطة والشفافية والمساءلة، فضلاً عن غياب البعد الإيديولوجي للحكم واستئصال كافة أوجه التمييز بين المواطنين وتعزيز المشاركة السياسية للفئات المهمّشة .
تتحقق أيضاً الأهداف السامية للانتخابات من خلال نشر ثقافة حقوق الإنسان والمواطنة التي تعني ليس فقط السير باتجاه فصل الدين عن الدولة والقوانين، إنما أيضاً تقييد الروابط الأخرى اللاوطنية، بما فيها القبلية والعشائرية والإثنية، حال تعارضها مع الانتماء الوطني ومصلحة الدولة العليا .
فالانتخابات الديمقراطية تقوم على أساس اختيار الأنسب بحسب البرنامج الانتخابي للمرشحين وما سيقدّمه كل منهم، بينما تتعارض هذه الانتماءات، عند زجّها في السياسة والقوانين، مع الانتخابات الديمقراطية. فتُكتسب في هكذا حالة أصوات الناخبين، ليس استناداً إلى برنامج المرشح وسمعته وكفاءته، إنما إلى انتمائه بالدرجة الأولى .
وهكذا لابدّ من بناء منظومة انتخابات تسهم قدر الإمكان في الحدّ من التحزبات والاصطفافات الدينية والطائفية والإثنية والعشائرية، وفي حسن توجيه السلوك الانتخابي للمواطنين، لكن دون إهمال ضرورة تمثيل جميع فئات الشعب في مراكز السلطة .
ومن ضمن أمور عديدة، يجب منع إنشاء الأحزاب على أساس ديني أو طائفي أو أثني، ومراقبة الدعاية الانتخابية التي تؤثّر في سلوك الناخبين وتستخدم شعارات دينية أو طائفية. كما يمكن الحدّ من الإقصاء والانتماءات الضيقة من خلال حسن تقسيم الدوائر الانتخابية في المناطق ذات الانتماءات العرقية والدينية المتجانسة بشكل لا يحرمها من اختيار ممثلين لها، ولكن مع الأخذ بعين الاعتبار الهدف الأسمى للانتخابات والابتعاد عن الطائفية والتحزب والأيدلوجية، بما في ذلك تطبيق النظام الانتخابي الأنسب الذي يضمن مشاركة أشخاص من خلفيات متعددة على قوائم الترشيح .
تواجه عمليات الانتقال الديمقراطي في العديد من بقاع العالم بما فيها المنطقة العربية مجموعة من التحديات ذات الصلة بتنظيم الانتخاباتالحرّة والنزيهة .
هذا ويرتبط غياب الديمقراطية ومثل هذه الانتخاباتبشرعية الحاكمين ومن هم في السلطة مما يؤثّر على إمكانية بناء السلام المستدام ووقف النزاعات الحالية أو تلك التي قد تنشب مستقبلاً في ظلّ استمرار الأنظمة الديكتاتورية .