د. خالد عبد الكريم – الناس نيوز :
كثيرة هي الكتب التي صدرت مؤخراً عن الحرب في اليمن، الملفت أن جميعها كتبت بالإنجليزية ولمؤلفين بريطانيين مهتمين بالشأن اليمني.
يبقى غامضاً سبب عزوف اليمنيين عن تأليف الكتب والروايات التي توثق لحرب أليمة . حرب فرقت اليمنيين وحصدت الأرواح. حرب لم تبق ولم تذر.
نتساءل متى يخرج المسؤولون والدبلوماسيون والكتاب اليمنيون عن صمتهم ونرى كتباً تخاطب العالم عن حقيقة الحرب. المكتبة العربية والعالمية تتوق إلى كتبٍ تبين التراكمات التاريخية والأبعاد الجيوسياسية للحرب والصراع في اليمن.
هناك قلة من المسؤولين والدبلوماسيين يكتبون في مواقع التواصل الاجتماعي اليمنية، منشورات، شذرات في واتسآب وفيسبوك. حديثنا هنا عن النطاق الأوسع.
كتاب أزمة اليمن عالميا وإقليميا ومحليا
عبارة عن دراسة في تاريخ اليمن المعاصر، تشرح في 321 صفحة التباين في الرؤى الدولية والإقليمية، وتناقضات القوى المحلية الفاعلة، للكاتبين ستيفن داي، ونويل بريومي صدر عام 2020.
مقدمة الكتاب وضعها المؤلفان لغرض وصف منهجية البحث العامة. هذه المنهجية تأتي من مفهوم أساسي في دراسة العلاقات الدولية جوهره أن الحكومات تعمل على أساس الدوافع المستمدة من مصالحها المختلفة. وأن يكون لديها الحق في اتخاذ الإجراءات التي تخدم تلك المصالح.
المؤلفان اعتبرا أن تزايد القوى المرتبطة بالحرب في اليمن، وتعدد المصالح والدوافع لتلك الأطراف، أدى إلى صعوبة التوصل إلى تسوية.
تجد في الكتاب أراء لصحفيين وسياسيين يمنيين عن عملية الانتقال السياسي في اليمن بين عامي 2011 و2014، والظروف المحيطة بانهيار حكومة الكفاءات الأولى التي استمرت من سبتمبر/أيلول 2014 حتى يناير/كانون الثاني 2015 والأسباب التي أدت إلى الحرب في مارس/آذار 2015 والعوامل التي أدت إلى استمرار الحرب. ويتوقف الكتاب عند العام 2019.
فقدما شرحاً شاملاً للأزمة السياسية والحرب في اليمن من خلال تقديم تفسيرات مختلفة لذات الأحداث. وتوسعا في رسم صورة أكثر تعقيداً للصراع وشرحا مواقف الأمم المتحدة وبريطانيا، وأمريكا، والاتحاد الأوروبي، وروسيا، والصين، وكذا القوى الإقليمية والمحلية.
الكتاب ثبت فرضية واحدة هي أن الحل في اليمن ليس بيد اليمنيين، بقدر ما هو بيد القوى الدولية والإقليمية، وبالذات الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وأن الدفع نحو وقف إطلاق النار لا يعتبر بالضرورة ضمانا للسلام الشامل والدائم في اليمن.
معجم تاريخ اليمن
كتاب آخر هو عبارة عن موسوعة من 620 صفحة تقوم بمقاربة صعبة للغاية لعرض العديد من القضايا المتعلقة بالتاريخ اليمني، باستخدام وسيلة مزدوجة بين المعجم والموسوعة وهي طريقة مبتكرة لإيصال أكبر قدر من المعلومات في كتاب شامل.
قاموس تاريخ اليمن للمؤلفين، شارلز شميتز وروبرت بوروز اللذين عملا في اليمن ومن المهتمين بالشأن اليمني.
ويعتبر القاموس الموسوعة خلاصة التجربة اليمنية للمؤلفين، والخبرات المكتسبة من خلال تعرفهما عن قرب على الواقع السياسي والاجتماعي في اليمن.
يتضح ذلك من مقدمة الكتاب المكونة من 70 صفحة تبدأ بتسلسل زمني يعود إلى 1200 قبل الميلاد، وينتهي في إبريل/نيسان 2017.
يؤخذ على الكتاب القاموس الموسوعي، مروره السريع والسطحي على تاريخ اليمن القديم، واهتمامه بتفاصيل صراع السنوات الأخيرة. كما زخرت صفحات الكتاب بالمقالات التحليلية المطولة التي كتباها عن خلفيات الصراع السياسي، والأحداث الرئيسة التي أثرت على اليمن حتى أوائل عام 2017.
تجد في الكتاب وجهات نظر المؤلفين وتحليلاتهم التفصيلية في المقالات التي أعادا نشرها كاملة عن الربيع العربي في اليمن، وعن مكافحة الإرهاب، وعن الاقتصاد، وعن مؤتمر الحوار الوطني 2013-2014، والنفط والغاز، وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والجمهورية العربية اليمنية، والدين، والسلفية، ونظام صالح وعهده، ويتطرق الكتاب الى الزيدية في اليمن وتعايشها مع الشافعية، الحالة الطائفية في اليمن، كتبا عنها تارة بالتركيز على خصوصيات اليمن، وتارة من منظور أوسع.
الكتاب يقدم أوصاف مختصرة للمناطق الجغرافية والمحافظات والكيانات السياسية الرئيسة والفرعية في اليمن.
يحتوي الكتاب الموسوعة على أمور مختلفة ومتنوعة، فتجده يتحدث عن النقد والعملات التي سادت اليمن منذ القرن الماضي، وتجد فيه سيراً ذاتية للعديد من الشخصيات اليمنية والسياسية. بالإضافة إلى شروحات قصيرة عن أهم الأحداث التي مرت بها اليمن، والتي طوى بعضها النسيان حتى من قبل أولئك الذين شاركوا في صنعها. الكتاب مساهمة مهمة ومفيدة حقاً للباحثين في الشأن اليمني.
اعتمد المؤلفان أسلوب الوصف المنهجي للحرب في اليمن للفترة 2015-2017 وتوقفا عند ذلك للأسف. مع أن الحرب استمرت وأفرزت واقعاً جديداً ومغايراً تماماً لما أوردته الموسوعة، ومالم تتنبأ به.
كتاب الطوفان
الإصدارات الأخيرة عن اليمن وخاصة البريطانية منها، اهتمت بالكتابة عن عدن في فترة الستينيات إبان الاحتلال البريطاني.
كتاب الطوفان The Deluge وجهة نظر شخصية لنهاية الإمبراطورية البريطانية في الشرق الأوسط، بقلم كينيدي تريفاسكيس، المندوب السامي البريطاني في عدن لفترتين الأولى كانت 1951-1954 والفترة الثانية 1959-1963.
الكتاب صدر بالإنجليزية في 320 صفحة بعد 29 عاماً من وفاة مؤلفه تريفاسكيس، حيث احتفظت عائلته بمسودة الكتاب، إلى أن قررت طباعتها في 2019 في لندن.
كينيدي تريفاسكيس (1915-1990) أكثر الشخصيات البريطانية تأثيراً في الحياة السياسية، ومآلات الاحتلال البريطاني لعدن ومحميات جنوب الجزيرة العربية.
تحدث المؤلف عن تعيينه في عام 1951 مندوباً سامياً في جنوب الجزيرة العربية. جرى اختياره لهذه المهمة لاطّلاعه وخبراته بالتوازنات القبلية والجهوية في المنطقة.
كان لديه مشروع بناء كيان سياسي، نموذج دولة ما بعد الاستقلال، واضح أن بريطانيا كانت قد حسمت أمرها، وكان هدفها تغيير أدوات الهيمنة، ضمن استراتيجية بريطانيا لإنهاء عصر الاستعمار العسكري.
أطلق كينيدي تريفاسكيس، مشروع اتحاد إمارات الجنوب العربي، في فبراير 1959 ويضم ست سلطنات جنوب غرب اليمن، بالإضافة إلى محمية عدن، توسع الاتحاد عام 1963 ليضم اثنتي عشرة سلطنة وإمارة.
تزامن نشر الطوفان The Deluge مع إعادة إحياء النزعة الانفصالية في جنوب اليمن، ويستعرض الكتاب بعض أسباب فشل مشروع اتحاد إمارات الجنوب العربي حينها.
لا يقدم تريفاسكيس إجابات واضحة عن أسباب انكسار اتحاد إمارات الجنوب العربي، لكنه يستعرض طوفان الأحداث التي أغرقت مشروعه السياسي، كالنزعة القومية والعمل الفدائي، فنجده يتحدث عن حادثة الاغتيال التي نجا منها بأعجوبة في مطار عدن 1963م، ويروي خذلان بعض السلاطين والأمراء لمشروعه السياسي وانضمامهم للثوار.
كتاب فتى من المستنقع
كتاب آخر بعنوان فتى من المستنقع Boy from the Moor كتبته البريطانية هيلين بالكويل عن والدها بيتر بالكويل المولود في هاثرلي المشهورة بالمستنقعات جنوب بريطانيا، ومن هنا جاءت تسمية الكتاب. عمل بيتر بالكويل مهندس طيران في شركة Airworks (التي بقي عدد من موظفيها في عدن لتأسيس القوى الجوية لدولة ما بعد الاستقلال)، وهم جزءٌ من المجتمع البريطاني الصغير الذي ظل في عدن، حيث كان لا يزال هناك أيضاً عدد غير قليل من العاملين في شركة النفط البريطانية BP في مصفاة النفط الضخمة في منطقة عدن الصغرى.
بقاء هؤلاء الخبراء البريطانيون وعائلاتهم، كان وفق عملية تفاوض واتفاق بين الجبهة القومية والبريطانيين قبل تسعة أيام من الاستقلال في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 1967.
خبراء شركة Airworks وشركة BP كانوا على اطّلاع بالإجراءات التي عصفت بعدن عقب الاستقلال، لذلك كانت حقائبهم جاهزة للمغادرة في أية لحظة.
كتبت هيلين “ما لم تمر بتلك التجربة شخصياً، فمن الصعب أن تعرف حقاً حجم الأخطار”.
تروي الكاتبة في 318 صفحة، قصة حياة والدها بكل مراحلها، وصولاً الى مأساة اختفائه في عدن ديسمبر/كانون الأول 1969، قيل لها حينها إنه قضى في حادثة دهس، ولم تستطع الحصول على أي معلومات توكد ذلك او إيجاد قبر له.
الكتاب فيه من التفاصيل، أكثر من كونها ذكريات طفلة بريطانية في الثامنة من العمر، عاشت في عدن نهاية الستينيات وبداية السبعينيات، بل تقييم تجربة ثورية يسارية في اليمن الديمقراطي، بالذات السنوات الثلاثة الأولى بعد الاستقلال، ولكن من وجهة نظر مختلفة.