بيروت – الناس نيوز:
دعا البطريرك الماروني بشارة الراعي خلال عظة الأحد إلى تغيير الحكم والحكومة وإجراء انتخابات نيابية مبكرة في لبنان .
وقال الراعي بعد يوم دام من مظاهرات الشعب اللبناني التي نادى فيها الشعب بإسقاط النظام ونزع سلاح حزب الله ذراع إيران العسكري في المنطقة، قال ” بقلبٍ يعتصره الحزن والألم ممزوجين بالرَّجاء للانفجار الهائل الغامض الذي وقعَ في مرفأ بيروت عصر الثلاثاء 4 آب، نقدِّمُ هذه الذَّبيحة الإلهيَّة معكم لراحة نفوس ال 155 ضحيَّةً بريئة وعزاء عائلاتهم، ولشفاء ال 5000 جريح من بينهم 120 في حالةٍ حرجة، ولإيجاد الـ 60 مفقودًا، ومساعدة أصحاب ال 8000 بيت متضرر، وال 300.000 نازح، ومالكي السَّيَّارات والشَّاحنات والباصات التي أُتلِفَت حريقًا أو تدمَّرت بالانهيارات، ولإعادة ترميم وبناء ما تهدَّمَ في المستشفيات والمدارس والكنائس ودور العبادة والمؤسَّسَات العامَّة والخاصَّة الصِّناعيَّة والتِّجاريَّة والسِّياحيَّة وسواها من معالم بيروت الهندسيَّة التَّاريخيَّة الجميلة.
وأكد الراعي أنَّها كارثةٌ هزَّت دول العالم. ومن حقِّها، إذ تمدُّ لبنان بالمساعدات السَّخيَّة والمحبَّة، أن تعرف أسبابها الغامضة، والمرجعيَّة المحفوظة لها منذ ستّ سنوات هذه الكمِّيَّة الهائلة من الموادّ المتفجِّرة في أخطر مكانٍ من العاصمة، والغاية من وجودها.
إنَّهَا جريمةٌ موصوفةٌ ضدَّ الإنسانيَّة. ومن الواجب الاستعانة بتحقيقٍ دوليّ لكشف حقائقها كاملة وإعلانها، مع وجوب محاسبة كلِّ مسؤولٍ عن هذه المجزرة والنَّكبة مهما علا شأنه.
- ووجه البطريرك الراعي التحيَّةً من القلب إلى المؤسَّسَات والجمعيَّات والرَّوابط الانسانيَّة والاجتماعيَّة والأهليَّة والكشفيَّة والرَّسوليَّة والخاصَّة وإلى شبَّاننا وشابَّاتنا اللُّبنانيِّين الذين أتوا بيروت من مختلف المناطق وتطوَّعوا بسخاء لمساعدة العائلات المنكوبة والجرحى، ولتنظيف الشَّوارع. هؤلاء هم شباب “الثَّورة” الحضاريَّة ومستقبل لبنان الواعد. مِن أمثالهم نريد قياداتٍ جديدةً ومسؤولين جددًا يتحلَّون بروح التَّفاني والتَّضحية والعطاء. ونحيِّي بطولة وتضحيات الجيش اللبناني والقوى الأمنية وعناصر الصليب الاحمر وفرق الإطفاء والإنقاذ وعناصر الدِّفاع المدنيّ، ونعزِّيهم بضحاياهم، ونصلِّي لشفاء جرحاهم.
- وقال تحيَّةَ عرفان جميل وشكر لجميع الدُّول شرقًا وغربًا الذين سارعوا وأرسَلوا مساعدات متنوِّعة، ولتلك التي قطعَت وعودًا بمساعدات. عظيمٌ هذا التَّضامن الإنسانيّ الكبير، الذي عبَّرَت به هذه الدُّول عن حقيقة مفهوم التَّضامن الذي يعطينا الشُّعور “بأنَّنا كلَّنا مسؤولون عن كلِّنا”. بهذا التَّضامن لم ترفع الحصار عن السُّلطة الحاكمة، بل عن الشَّعب اللُّبنانيّ المنكوب. ونوجِّه تحيَّةً بنويَّة إلى قداسة البابا فرنسيس مع شكره على صلاته والنِّداء الذي وجَّهه إلى الأسرة الدَّوليَّة لمساعدة أهل بيروت، كما نشكر مجامع الكرسي الرَّسولي والكرادلة والبطاركة والأساقفة ومطارنة أبرشيَّاتنا في بلدان الانتشار، ورؤساء المجالس الأسقفيَّة في مختلف بلدان العالم الذين أرسلوا الينا رسائل تضامنٍ مع الشَّعب اللُّبنانيّ وأهل بيروت والصَّلاة من أجلهم.
- ونودُّ توجيه عاطفة شكرٍ وتقدير للرَّئيس الفرنسيّ السَّيِّد Emmanuel Macron، على السَّاعات المليئة بالعاطفة التي قضاها في بيروت بعد يومٍ من وقوع الانفجار، وقد سبقته طائرات المساعدات من بلاده. إنَّ زيارته التَّفقُّديَّة للمرفأ ولشارع الجمَّيزة عزَّت أبناء بيروت واللُّبنانيِّين وشجَّعتهم. ووضعَت المسؤولين السِّياسيِّين أمام خطورة مسؤوليَّاتهم وحجم تقصيرهم ونتائج مكابرتهم. بهذه الزِّيارة شارَكَ اللُّبنانيِّين إرادتهم في إنقاذ لبنان وحدَّد مساحة الدَّور الدَّوليّ. وبها جدَّد ميثاق الصَّداقة اللُّبنانيَّة ـــ الفرنسيَّة الذي يعود إلى ألفِ عام. وهي صداقةٌ بدأتْ مع الموارنة أولاً فمع المسيحيّين ثمَّ مع سائر اللُّبنانيِّين. وميزتُها أنَّها تُؤمِنُ بكيانِ لبنان ووحدتِه، وبالشَّراكة المسيحيَّة الإسلاميَّة في ظلِّ دولةٍ حياديَّةٍ، حرَّةٍ، مستقلَّةٍ، وسيَّدةِ خِيارِها وقرارِها الوطنيّ.
ونشكرُ الرَّئيس الفرنسيّ وأمين عام منظمة الأمم المتحدة على دعوتهما إلى مؤتمرٍ دوليٍّ يُعقد ظهر اليوم الأحد لنجدة لبنان والمساهمة في إعادة إعمار بيروت ومدارسها ومستشفياتها. ما يؤكد على تصميم أصدقاءِ لبنان في العالم على مساعدته للخروج من أزمتِه الوطنيَّة. وهذا هو مضمونُ النِّداءِ المثلَّث الذي أطلقناه في الخامس من تمّوز الماضي أي: رفعُ الحصار عن الشَّرعيّة، ونجدة الدُّول الصَّديقة، وإعلانُ حياد لبنان. إنَّ التَّغيير، مهما كان عمقه، يجب أن يَنطلِق من نظامِنا الدّيمقراطيِّ ومن دستورنا ومن ميثاقنا الوطنيّ ومن الثَّوابت اللُّبنانيَّة التَّاريخيَّة.
إنَّ لقاء الرئيس ماكرون مع الشَّعب المجروح بالعمق في شارع الجمَّيزة دعوةٌ للسُّلطة كي تُصغي إلى صوت الشَّعب و”الثَّورة”، وإلى نداءات المجتمع الدَّوليّ المتكرِّرة: مِن الدُّول الكبرى إلى الاتِّحاد الأوروبيّ، ومن الأممِ المتَّحدة وجامعة الدول العربية، إلى المؤسَّسَات النَّقديَّة العالميَّة، التي َحثّت المسؤولين، حكمًا وحكومةً ومجلسًا نيابيًّا، على سماعِ صوتِ الشَّعب، وتغييرِ الأداء، وإجراءِ الإصلاحات، ومكافحةِ الفساد، وتوحيدِ السِّلاح، والحيادِ عن الصِّراعات، واحترامِ القراراتِ الدَّوليَّة، وإشراكِ الأجيالِ الجديدة في حكمِ البلاد وتحضير مستقبلها. لكنَّ كلَّ نداءات العالم، بعد نداءات الشَّعب، ذهبت سُدًى فتفاقمت الأوضاع واستشرى الفساد وعَمَّت المحاصصة وتناثرت مؤسَّسَات الدَّولة أشلاء كزجاج بيروت.
- إنَّ ما شهدناه بالأمس من تحرُّكات شعبيَّة غاضبة يؤكِّد على نفاد صبر الشَّعب اللُّبنانيّ المقهور والمذلول، ويدلُّ على التَّصميم في التَّغيير إلى الافضل. ولكن في الوقت عينه نبدي حزننا وأسفنا لسقوط شهيد من قوى الأمن الدَّاخليّ نسأل لنفسه الراحة السماوية، وعددٍ كبيرٍ من الجرحى في صفوف القوى الأمنيَّة والثوَّار نصلي من اجل شفائهم.
ونسأل: ألا يستوجب كلُّ هذا، مضافًا إلى كارثة بيروت ومأساة أهلها، قراراتٍ جريئةً في دولةٍ ديمقراطيَّةٍ تُعيدُ النَّظر في التَّشكيلة الحاكمة وطريقة حُكمِها؟ فلا تكفي استقالة نائبٍ مِن هنا ووزيرٍ من هناك، بل يجب، تحسُّسًا مع مشاعر اللُّبنانيِّين وللمسؤولية الجسيمة، الوصول إلى استقالة الحكومة برمَّتها إذ باتت عاجزةً عن النُّهُوض بالبلاد، وإلى إجراء انتخابات نيابيَّة مبكّرة، بدلاً مِن مجلسٍ باتَ عاطلاً عن عمله.