الناس نيوز – من حسام حميدي: “شو جابرك على المر غير الأمر”، تلخيص قصير من الشاب “محمد”؛ بدأ فيه تجربته مع مجموعات التهريب بين تركيا وأوروبا، والتي حاول من خلالها جلب والدته من سوريا إلى ألمانيا، بعد سنوات من محاولات فاشلة للم الشمل عن طريق إقامته الألمانية، تلك المحاولات التي أوصلته نهاية المطاف إلى ما لا يحمد عقباه.
يقول محمد: “سوء الأوضاع في مدينتي حلب، دفعني قبل عامين للتفكير بجلب والدتي ولم شملنا بعد الفراق، وعلى الرغم من تحقيقي للكثير من الشروط، مثل حصولي على الإقامة الدائمة وفتح مشروعٍ خاص، لم يغير شيء في قضيتي، ولا تزال والدتي المسنة حتى اليوم عالقة في ظروف صعبة في جزيرة قبرص”.
يشير “محمد” إلى أن أوضاع والدته اليوم تحولت إلى أزمة حقيقية بعد أن تعرضت لعملية نصب من قبل أحد المهربين الذي تقاضى مبلغ 6000 يورو، مقابل إيصالها إلى ألمانيا، لكنه تركها منذ عامين تقريباً في جزيرة قبرص، بعد أن أخرجها من سوريا، مضيفاً: “عندما تكون والدتك بهذه الحال فإنك تكون غير قادرٍ على التفكير”.
حياة بنصف عائلة
قضية الشاب محمد ووالدته لم تكن الأولى من نوعها، بل شاطره بها الكثير من اللاجئين، لاسيما الحاصلين على حق الإقامة المؤقتة، ومن بينهم السيدة “مها”، التي قالت إن مشكلتها تتضمن في طياتها حالة نادرة، مضيفةً: “عامان مرا وملف شمل أسرتي لا يزال يراوح في مكانه، حبيس البيروقراطية الألمانية، التي أغرقتني في متاهات المحاكم”.
وفي تفاصيل قصتها تؤكد السيدة “مها” أنها حصلت على إقامة حماية مؤقتة، وطعنت في القرار وحصلت على حق اللجوء، مضيفةً: “الغريب في قصتي أنني وقبل أن أتسلم قرار اللجوء الجديد فوجئت بطعن من المكتب الفدرالي، ما أدى إلى سحب قرار اللجوء وإعادتي إلى إقامة الحماية المؤقتة، دون تبيان أي سبب لتقديم الطعن من قبل المكتب”.
تشير السيدة “مها” إلى أن تعقيدات ملف لم الشمل بالنسبة لحاملي إقامة الحماية الثانوية، وطول فترة الإجراءات التي قد تمتد لسنوات، دفعها للقتال مجدداً للحصول على حق إقامة اللجوء في المحاكم الألمانية، دون أن تعلم أن القضية قد تستغرق سنوات طويلة، تبقى خلالها عائلتها مشتتة، لافتةً إلى أنها حتى اليوم لا تزال غارقة في تفاصيل البيروقراطية التي شغلتها عن كامل الأمور الحياتية الأخرى وأثرت على حياتها عموماً وهي تعيش فيما أسمته “نصف عائلة”.
شريان حياة
“لولا تعقيدات القانون الأوروبي، لجلس المهربون في منازلهم”، عبارة قالها “سعد” (اسم مستعار) الذي عمل سابقا مع شبكة تهريب بين تركيا وأوروبا، متحدثاً عن تجربته لموقع “الناس نيوز”.
وأشار سعد إلى أن تعقيدات ملف لم الشمل في أوروبا عموماً، ساهم خلال السنوات الماضية بمواصلة عمل مجموعات التهريب بشكلٍ كبير، على اعتبار أن معظم اللاجئين خلال العام 2015 توجهوا إلى ألمانيا، ونالوا نوع إقامة لا يخولهم بإجراء لم الشمل بسرعة، في إشارة منه إلى إقامة الحماية المؤقتة أو الثانوية.
يبدي “سعد” رفضه لتوصيف “عصابات الاتجار بالبشر” الذي يُطلق على المهربين عموماً، مشيراً إلى أن المهربين “ساهموا بشكل كبير في مساعدة اللاجئين على إكمال حياتهم من جديد”.
وأضاف: “انظر إلى اللاجئين اليوم منهم من دخل الجامعات ومنهم من افتتح المشاريع، ومنهم من أعاد بناء حياته، معظمهم ما كانوا ليصلوا إلى ما هم عليه لو بقوا في تركيا أو غيرها من دول الجوار”.
هرم مجهول القمة
يغوص “سعد” الذي عمل سمساراً لمهربين في تركيا، في تفاصيل عمليات التهريب، مشيراً إلى أن المهربين في تركيا ينقسمون إلى ثلاثة أقسام، الأفغان وهم الشريحة الأقوى والأكثر نفوذاً، ومن ثم الأتراك والأكراد، وهي المجموعات التي تتقاسم النقاط البحرية القريبة من الشواطئ اليونانية.
ويقول سعد “غالباً ما تكون هذه المجموعات مدعومة من شخصيات نافذة في الدولة، تسهل لها عملها وتبعدها عن الملاحقات القانونية”.
وأوضح أن الشخص الذي يتعامل معه اللاجئون هو ليس مهرباً وإنما سمسار يكون حلقة وصل بين المهرب واللاجئ، ويتولى عملية تحصيل المال، كما انه لا يتدخل أبداً في عملية التهريب، ليأتي بعده وكيل المهرب أو المهرب الأصغر، والذي يشرف على إيصال اللاجئين من المدن التركية الرئيسية إلى نقاط الانطلاق سواء من الساحل أو النقاط البرية على الحدود، والذي يكون بدوره صلة وصل بين السمسار والمهرب الأكبر منه في التسلسل، بالإضافة إلى توليه مهمة الإشراف الميداني على عملية التهريب من خلال مجموعته الموجودة في ما يسمى بـ “النقطة”.
ويقول “سعد”: “الأمر أشبه بتسلق هرم، ولا تعلم قاعدة الهرم شيئاً عن الطبقة التي فوقها، وهكذا وصولاً إلى القمة. الأمر أكثر تعقيداً مما يظنه البعض، ودائما ما يوجد حلقة مفقودة أو سلسلة مقطوعة بين طبقات هذا الهرم”.
وتابع أنه: “مع مرور الوقت تحولت بعض المجموعات الخاصة بالتهريب، إلى مافيات فوق القانون، نظراً لاتساع وقوة الدعم الموفر لها من قبل مستويات عليا”.
مع مرور الوقت تحولت بعض المجموعات الخاصة بالتهريب، إلى مافيات فوق القانون
ويؤكد أن بعضها “يمارس أعماله من خلال مجموعات مسلحة، إذ وقعت الكثير من الصدمات بين مجموعات التهريب خلال صيف عام 2015، ما أدى إلى مقتل العديد من عناصرها، خاصة التركية والأفغانية”.
ظروف قاهرة
في ختام حديثه، يلفت “سعد” إلى أن وجود النصابين أمر محتوم في هكذا ظروف، لكن النصاب، على حد قوله، يجري عمليتين أو ثلاث ثم يفر من المكان لانكشاف أمره.
كما يؤكد “سعد” على أن الظروف الصعبة، التي يعيشها الكثير من السوريين أو الجاليات الأخرى، دفعت بعضهم للعمل كسماسرة لدى المهربين، لإعالة أسرهم، والدليل أنني والكثير من السماسرة تخلينا عن هذا العمل بعد أن تحسنت الظروف”.
قانون وليس بيروقراطية
على الجانب القانوني من القضية، يرفض الخبير القانوني والمستشار في قضايا اللاجئين، “باسم السالم” عبارة “البيروقراطية القانونية”، لافتاً إلى أن مسألة لم الشمل تتعلق بشكلها العام بسياسة الهجرة وخيارات البلدان للحد من الهجرة غير الشرعية.
ولفت إلى أن القانون الأوروبي كان يعاقب سابقاً كل من يقدم المساعدة أو المشاركة في انقاذ المهاجرين غير الشرعيين؛ بالسجن لمدة تصل إلى ٤ سنوات، ولكن المجلس الدستوري ألغى تلك العقوبة لاحقاً.
بالإضافة إلى ذلك، أوضح السالم عدم وجود عقوبة ثابتة لمهربي البشر وأن الأمر متعلق بحسب القانون الجزائي بكل دولة، وقال: “العقوبة في العموم قد إلى ١٠٠ سنة أو المؤبد”.