سوزان المحمود – الناس نيوز ::
تصوير – حمزة الحريري.
يقام في “KAF Contemporary art gallery” في بيروت هذه الأيام وحتى 18 كانون الثاني معرض تشكيلي للفنان التشكيلي والكاتب السوري بطرس المعري، تحت عنوان “سُمٌّ في الهواء” تحية لجبور الدويهي.
وبطرس المعري فنان سوري ولد في دمشق 1968، وتخرج من قسم الحفر في كلية الفنون الجميلة، جامعة دمشق عام 1991، عمل في مجال الغرافيك، وتابع دراساته في فرنسا حصل على الدكتوارة في الأنثروبولوجيا الاجتماعية، من مدرسة الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية (EHESS) في باريس عام 2006، وكانت عن الفنون الشعبية في منطقة الشرق الأوسط، وخاصة الفن الشعبي الدمشقي، عاد إلى سوريا عام 2008، درّس في كلية الفنون الجميلة لمدة 4 سنوات ثم هاجر عام 2013 إلى هامبورغ الألمانية التي يقيم فيها حالياً.
كتب في الشأن الثقافي في عدة صحف منها في جريدة السفير، والأخبار، والعربي الجديد، والليموند دبلو ماتيك، كما أقام العديد من المعارض الفردية والمشتركة في كلٍ من دمشق، ودبي وبيروت والإسكندرية وفرانكفورت وكان آخرها في غاليري كلود لومان الباريسية عام 2019.
أدرجت أعماله أيضاً في مجموعات وزارة الثقافة السورية ومتحف معهد العالم العربي في باريس. وبيعت أعماله بمزاد في كريستيز، شركة المزادات العالمية الشهيرة ، بالإضافة إلى عمله في الفن التشكيلي والكتابة الصحفية، عمل في مجال كتب الأطفال، وصدر له ثمانية كتب قصصية للأطفال عن داري نشر فرنسيتين “Jasmin” و” L’ Harmattan”، كما صدر له عن دار “أطلس” كتابان، الأول بعنوان “كيوبيد الدِّمشقي” 2018، والآخر بعنوان “رؤيا الدِّمشقي” 2021، مزج فيهما عمله ما بين التشكيل والكتابة، قدم تجربة فريدة للمتلقي العادي غير المختص، حيث كانت إحدى هواجسه الوصول إليه أينما كان.
تقول د. حنان قصّاب حسن ، وهي أكاديمية ومثقفة سورية ، في تقديمها لكتاب “رؤيا الدِّمشقي” وتحت عنوان “كتابٌ هو عنّا”: “بين كيوبيد العاشق وحالات الحب التي رسمها في كتابه الأول، وبين الدّمشقي الذي تسجل رؤياه قصص الخوف ورسوماته في كتابه هذا، نقرأ -كلّنا- حكايتنا، حكاية هذه السنوات التي مضت، وجعلتنا نُدمن الانتظار، ونرسم في قلوبنا لون الألم، ونكتب بالكلمات طعم الخوف”، وتحت عنوان “إلى صديقة” يقول المعري في مكان ما من كتابه ” رؤيا الدِّمشقي”
“قُدّرَ علينا هذا
أن نبتعد عمّن نُحبُّ
وعمّن يُحبّنا
أن نغادر ملاعبَ الصّبا
وبيادر الشمس
حتى نسكن. وحيدين، مكعّبات ثلجٍ
بالمسطرة مرسومة
لا تذوب كي تظَّل حادّة
الحواف”
تمتاز نصوص المعري بالبساطة المؤلمة، إنها نسيج مليء بالثغرات التي ينفذ منها الضوء، الثغرات التي يمكن للقارئ ملؤها من معرفة محددة وخاصة، ناتجة عن التجربة الإنسانية والاجتماعية المشتركة في هذه المدينة الخالدة و المنكوبة “الشّام”، التي يقول عنها “لأنه ماذا ينتفعُ الإنسانُ لو ربح العالمَ كلّهُ وخسر الشَّام”، و يقول في مكان آخر من الكتاب: “أربعة سوريين يجلسون في مقهى باريسي ويضحكون […] “كمن يرتكب إثماً”، قلت لسليم في اليوم التالي فأجابني: يبدو أننا “تمسحنا”، أو أننا كنا بحاجة إلى الضحك، أو أن الوقت لم يكن كافياً للشروع في حديث عن نكبة البلاد، أو كل هذا “مع بعضه”..).
تزامناً مع معرضه الحالي المقام في بيروت أجرت جريدة “الناس نيوز” الأسترالية الحوار الآتي مع الفنان بطرس المعري حول عمله بشقيه التشكيلي والأدبي:
س- في إحدى حواراتك عام 2019 قلت أنك اكتشفت الكاتب اللبناني الراحل جبور الدويهي، بعد قراءة روايته “مطر حزيران”، والتي تتحدث عن الحرب الأهلية، واليوم تقيم معرضك تحت اسم روايته الأخيرة “سُمٌّ في الهواء” الصادرة عام 2021، ما الذي اكتشفته في عوالم الدويهي، ما هو المشترك بينكما؟
ج- في الحقيقة “سُمٌّ في الهواء” هو عنوان للّوحة واحدة من المعرض، عندما كنت أقوم بالتحضير للمعرض لم يكن في ذهني أي أمر أو أي شخص معين، كالعادة أرسم وأترك اللوحات حتى تأتي مناسبة للعرض، ثم أقوم بانتخاب الأعمال التي من الممكن أن تتآلف مع بعضها البعض، بحيث يمكن للمتلقي أن يشاهد أعمالاً فيها شيء من الانسجام، من بين هذه اللوحات كان هناك لوحة غير منجزة، وهي ثلاثية كبيرة، عندما أخرجتها وتأملت بها لأعرف كيف سأتابع العمل عليها، لا أدري لماذا قفز إلى ذهني جبور الدويهي بتاريخ رواياته التي قرأتها خلال السنوات الست الأخيرة، كما وجدت أن العنوان الملائم هو عنوان الرواية الأخيرة له، مع أنني لم أكن قد قرأت الرواية بعد، لكن خطر في بالي هذا العنوان… القاسي قليلاً، (كثيرون تساءلوا لماذا هذا العنف في عنوان لمعرض تشكيلي!) ثم قرأت الرواية خلال عملي على اللوحة، فاستحضرت هذا الجو لأحييّ الكاتب الذي أحببت عمله وشخصيته من خلال اتصالات قليلة أجريتها معه ومن خلال اللقاءات التي أجراها هو وشاهدتها له، في الحقيقة فكره كان مهماً جدا بالنسبة لي، كذلك ثقافته.
والسُمّ الموجود في الهواء إن كان في لبنان أو سوريا هو واحد، فالحدود موجودة على الأرض فقط، لكنها ليست موجودة في السماء، وربما خطر لي لوهلة أن هذا الوباء الذي انتشر خلال السنوات الماضية جعلنا نعيد النظر بكل شيء، الأذى الذي ألحقه الإنسان بالطبيعة وبأخيه الإنسان، هذا كله لعب دوراً ليأخذ المعرض هذا العنوان، وكتحية لجبور الدويهي أيضاً ومن خلاله تحية للبنان وبيروت حيث يقام المعرض حالياً.
أيضاً لأن بعض التفاصيل في روايات الدويهي لمستني شخصياً، وربما هذا الأمر أيضاً جعلني أُحبّ الجو الخاص بعمله، مثلاً في رواية “مطر حزيران”، وهي أول رواية قرأتها له، كان يتحدث فيها عن بائعين متجولين كانوا يأتون من بلدتي صيدنايا إلى جبال إهدن وزغرتا ليبيعوا أشياء بسيطة وأيضاً بعض الأيقونات، وهناك تفصيل آخر من الرواية الأخيرة، فالدويهي لم يذكر اسم البطل خلال الرواية لكن أشار له من خلال تفصيل بحياة تلميذ للمسيح قد صُلِب بالمقلوب، وهو بطرس أي اسمي، أيضاً لاحظت في روايات الدويهي أنه يعنى أثناء السرد بتفاصيل تخص اللباس والموسيقى والمسرح والفن أو الثقافة القروية هناك ذكر للشّجر والثمر والمواسم لديه هذه الثقافة التي لها علاقة بالقرية يتحدث عنها خلال الرواية، لكنه لا يلهي القارئ عن تسلسل الأحداث ولا يشتت تفكيره. هذه التفاصيل أجدها عندما يتحدث الناس معي عن عملي يتحدثون عن تفاصيل كثيرة في لوحاتي، يقولون في كل مرة نرى تفاصيل جديدة في اللوحات، لكنهم عندما أحبوا العمل أو تذوقوه لأول مرة لم يكونوا قد رؤوها بعد كانوا يرون المشهد العام ثم بدأت التفاصيل تتكشف لهم.
س- جزء من عملك يرتكز على الذاكرة الجمعية كالسّير الشعبية أو كعناصر موجودة في حياة الناس اليومية، هل تعيد وصل ما انقطع مابين الماضي والحاضر؟ وهل هناك لدراستك للأنثروبولوجيا دور في ذلك؟
ج – لم يكن هناك ما يخص الفنون الشعبية أو الذاكرة الجمعية في بداية أعمالي بالتصوير، كانت مواضيع لوحاتي تتعلق بالطبيعة والطبيعة الصامتة أو النساء، لكن دراسة الفن الشعبي حولت طبيعة اهتماماتي، ثم أن العوالم التي اكتشفتها في الفن الشعبي لم تكن غريبة عني كشخص يحب القراءة والقصص والأمكنة الحميمية في المدينة القديمة في دمشق، بكل ما فيها من فوضى وحكايات وتعابير لفظية شعبية، وكذلك التراث الديني الموجود فيها، إن كان مسيحياً أو إسلامياً، لأنه أيضاً موجود في القصص الشعبية التي كنت أقرؤها، والفنون التي كنت أدرسها كل الأشياء التي عشتها، إن كان في طفولتي في حي باب توما أو حتى مطلع الشباب بعدما انتقلنا لحي آخر، بقيت المدينة القديمة وخاصة المسارين من باب توما لباب شرقي أو من باب توما باتجاه الجامع الأموي عبر القيمرية، هذه العوالم كلها صارت تغزو لوحتي، بدون قصد حملت هذا الموروث وظهر في أعمالي وقدمته للناس، الفنون الشعبية جعلتني أدرك الأشياء بطريقة جديدة وجدت نفسي هنا، وأعتقد أن الأصالة تأتي عندما يطور الفنان أمراً ما موجود عنده، بالنسبة للأساتذة صبحي التيناوي وبرهان كركوتلي، عملهم يعني لي الكثير، لكنني لم أفكر أبداً بتطوير عملهم، بل فكرت بتقديم فني معتمداً على تجربتي ورؤيتي الخاصة، في الفنون الشعبية أجد نفسي قريباً من الحياة الشعبية ومن الناس العاديين البسطاء أقدم همومهم في عملي هواجسهم وأحلامهم وخوفهم.
س- أنجزت عدة كتب مصورة للأطفال صدرت عن دور نشر فرنسية، في الغرب الكتاب المصور له حضور كبير وقراء من مختلف الأعمار، لماذا ظاهرة الكتاب االمصور لم تأخذ حقها في العالم العربي حتى الآن؟ وكيف كانت تجربتك مع الكتاب المصور؟
ج – بالنسبة لكتب الأطفال، القصة بدأت أيضاً مع دراسة الفن الشعبي، أخذتُ ثلاث قصص شعبية، وأعدت صياغتها بطريقتي بحيث تناسب عمر الطفل، ويتمكن من قراءتها، وقدمت رسومات مناسبة لهذه القصص، كتاب الطفل موجود في العالم العربي، وكذلك الكوميكس موجودة بطريقة ما بالقصص المصورة التي كنا نتابعها ونحن أطفال بمجلة أسامة، أو في المجلات التي كانت تأتي من بلاد أخرى مثل ميكي وسمير وماجد وغيرها، الأمر الذي لاحظته في بلاد الغرب وخاصة فرنسا من خلال أولادي الذين ولدوا وارتادوا المدارس، هناك الكم الهائل من الكتب الموجهة للأطفال والعناية الفائقة بها كنصوص وكجودة بطباعة الرسومات هذا الأمر غير موجود للأسف في بلادنا، كتاب الطفل صناعة ويحتاج إلى تمويل قوي وسوق فيها قدرة شراء جيدة، لأن إنتاج كتاب جيد للطفل يكلف كثيراً، وهو ما تتهرب منه معظم دور النشر التي تعمل في بلادنا.
س- أصدرت كتابين عن دار أطلس “كيوبيد الدمشقي -رسومات وقصص حب” في عام 2018، وكتاب “رؤيا الدمشقي، قصص الخوف ورسوماته” 2021، وهو نصوص مع رسوم بتقنية المونوتيب، الرسم الذي يطبع لمرة واحدة فقط ولا يكرر كالولادة، هل يمكنك أن تحدثنا عن تجربتك في الكتابين؟
ج- بالنسبة للكتابين اللذين صدرا مؤخراً عن دار أطلس كيوبيد الدمشقي ورؤيا الدمشقي هما في مجال قليل مانراه في بلادنا العربية وهو النص المشغول مع الرسم، وهو نمط معروف ومتطور ومنتشر جداً في الغرب، لكن في عالمنا العربي لا يزال غير منتشر، ولم يتم الانتباه له جيداً، وأنا كان لدي فرصة جيدة للنشر والتعبير عما يجول في فكري عن طريقي السرد والرسم معاً، للحديث عن الحالة التي عشناها مؤخراً، وأدت لإنجاز رؤيا الدمشقي من خلال نصوص كتبتها خلال السنوات العشر الأخيرة بشكل متقطع، ولم أكن أنوي أو أفكر بنشرها مسبقاً، لكن في لحظة ما جمعتها و قررت نشرها، أما بالنسبة لرسوماتها كنت قد أنجزت جزءاً منها سابقاً، ثم تابعت إنجاز الباقي لصالح نصوص هذا الكتاب، لم يكن الأمر مخططاً له منذ البداية، لكن الأمور تأخذ مجراها أحياناً، توجهت في هذين الكتابين إلى جمهور القراء بالبساطة نفسها التي توجهت بها إلى جمهور اللوحة، للإنسان العادي، لأقول له أنني أشعر معك بكل ماتقاسيه وكان رهاني أن أتي بالجمهور للكتاب كما إلى صالة العرض بدون خوف قدر الامكان، وربما تحدثت عن هذا سابقاً، أن الناس كانت تخاف أن تدخل إلى معرض للرسم تتهيب الدخول خوفاً أن تظهر أنها غير فاهمة للوحات، وربما كان لبعض الفنانين دور سلبي في هذا الأمر، وكأن الفن ينتمي للنخبة فقط. بالنسبة لي أحاول التوجه معظم الوقت لشّخص العادي باللوحة وبالنص وأروي الحكايات القصيرة بطريقة روي بسيطة، وأتحدث عنه وعن جاره وعمّا يحدث معه في الحياة اليومية، محاولاً إيصال رسائلي بطريقة يألفها.
س- في زمن ما قال الفنان برهان كركوتلي 1933-2003 “إنني أسعى إلى نشر فن يقوم بدور الخبز حتى يدخل إلى كل البيوت، حتى الإنسان الفقير يستطيع بثمن علبة سجائر اقتناء فني”، وأنت في أكثر من مقام تحدثت أنك تهتم بإيصال فنك ورسائلك للناس البسطاء العاديين هل تمكنت من ذلك، كيف يتلقى الجمهور عملك اليوم؟
ج- بالأصل طبع كركوتي أعماله في ألمانيا بالأسود والأبيض وباعها بسعر زهيد، والقدرة الشرائية هناك هي دائماً جيدة، أعتقد أنه كان يفكر بشيء متاح والحصول عليه سهل ككتاب الجيب، الذي يمكن حمله في المترو أو الباص، وغير باهظ التكاليف، لكن هذا الأمر في بلادنا صعب التنفيذ لأن تكاليف الطباعة الجيدة أصبحت باهظة الثمن، وتسويق الإنتاج غير مضمون النتائج الآن، كما كانت في الماضي القريب. ربما نشر اللوحات في وسائل التواصل الاجتماعي وعلى صفحات الفنانين تؤدي الغرض بشكل ما، بحيث يمكن لأي شخص أن يقوم بطباعة عمل فني قد أحبه والاحتفاظ به في بيته أو على شاشة هاتفه أو الكومبيوتر. السؤال يبقى، هل يهتم الجميع بالفن وبأن يعلقوا في بيوتهم لوحة لفنان معروف أم يفضلون الصور الدينية المطبوعة أو المشغولة؟ وربما يمكنني القول في تجربة هذين الكتابين الأخيرين أننا قد وفرنا للقارئ متعة امتلاك نسخة عن الرسومات كنوع من التعويض عن اللوحات التي من الصعب شرائها. أما بالنسبة لانطباع الناس حول عملي، فإني آخذ الانطباعات المباشرة ممن يحضرون معارضي أو من يرونها على مواقع التواصل الاجتماعي، ما يهمني في الحقيقة أن يحدث عملي أيضاً نوعاً من التحريض على العمل، إن كان في الكتب الموجهة للأطفال أو لغيرهم. أرغب في أن يخرج الرسامون أو النحاتون من إطار عملهم التقليدي إلى مجالات أخرى تكون أقرب للناس، وبكل الأحوال النجاح وارد والفشل أيضاً وارد، لكن علينا أن نجرب.
س- تقول في قصة ناطورة المفاتيح من بروفايلات دمشقيّة على لسان آنا ماريا “المفاتيح لا تتكلم ولا تؤكل ولا تصلح رداءً”، وكأنك تختصر بذلك حال من بقي في الداخل؟
ج- هو كذلك، ربما أنا حالياً في الخارج، لكن أهلي وجيراني وأحبتي وناسي في الداخل جميعهم، ونشعر بكل ما يمرون به، لم يعد الالتزام بقضاياهم خياراً أو ترفاً.
س- في معظم قصصك في رؤيا الدمشقي الخوف لا يبدو مباشراً أبداً إنه يتخفّى كظل يسقط على الحياة اليومية، كيف تمكنت من رسمه؟
ج- بالنسبة للخوف ربما أتحدث عن جميع أنواع الخوف هنا، خوف أحدنا من الآخر المختلف الذي يتعارض فكره مع فكرنا، خوف من المستقبل ومن القادم، الخوف من الهجرة والخوف من العودة، خوف الأمهات على مستقبل أبنائهن، خوف الناس البسطاء التي تدفع ثمناً بدون مبرر، ووجدت نفسها فجأة داخل صراعات ليس لها ذنب فيها.
. س- إن كان في عملك التشكيلي أو في نصك القصصي تعتمد على مفردات بسيطة وتوظفها بطريقة تدخلها في نسيج يحوي طبقات عدة للقراءة، عملك الإبداعي ينقسم إلى شقين التشكيلي والأدبي، وقد يمتزجان أو يتجاوران أحياناً كما في كتابيك أو حتى في بعض اللوحات، ما يجعله قريباً من الحياة الإنسانية التي قد يؤخذ فيها أكثر من شيء مرة واحدة، وربما يمكننا هنا تذكر تجربة فاتح المدرس في عود النعناع، كيف تصنف عملك هذا؟
ج- مابين الأدب والتشكيل أنا في الأصل فنان تشكيلي ولست كاتباً، لكنني في أوقات ما وعندما لا أستطيع أن أصل للمتلقي عن طريق اللوحة ألجأ للكتاب للتواصل مع الناس، خاصة أن جمهور اللوحة محدود مقارنة بجمهور الكتاب الذي من الممكن أن يُشرى بسعر مقبول وحمله سهل، ويمكن استعارته والاطلاع عليه، وبالتالي إمكانية الوصول إلى شريحة واسعة من الجمهور، إذاً لدي مجالان لمخاطبة الناس: اللوحة والكتاب. نعم أنا أتذكر أن فاتح المدرس كان لديه مجموعة قصصية أنجز لها رسومات خاصة، كما أتذكر هنا منذ الطفولة كتاب في مكتبة أخي كان ديواناً للأخطل الصغير فيه رسومات بالأبيض والأسود، ولا ننسى أن هناك تجربة فريدة لكتاب أنجز لعبد القادر أرناؤوط كتابةً ونذير نبعة رسماً، الأمر ليس جديداً أبداً، لكنه نادر الانتشار في بلادنا. فالمتعارف عليه هو أن يقوم فنان بتحضير رسومات لأحد الكتاب، مثلاً أتذكر تجربة الفنان زياد دلول مع كتاب أدونيس، لكن في كتابيّ هناك بعض الاختلاف، فقد عملت على إخراج الصفحات كوحدة متكاملة ما بين الرسم والكلمات التي هي بدورها كانت تتبدل في الحجم والشكل حسب التصميم وحسب المعنى.
فالرسم يكمل النص ويعطيه امتداداً ما.
صور المعرض بواسطة الفنان السوري حمزة الحريري، متخرج من قسم الغرافيك في كلية الفنون الجميلة في جامعة دمشق، ويعمل في مجال الغرافيك.